بقلم: مجدي إبراهيم
لم أكن أعلم أن ارتكاب الجرائم بهذه السهولة، وأن الدماء مهما كانت غالية عند أصحابها، فهي رخيصة لا تساوى شيئًا، وتُسال على الطرق، وتحت أقدام المارة! أيضًا لم أكن أعلم أن هناك متخصص في شهادات المختلِّين عقليًا.. هذا الرجل الجالس على أهبة الاستعداد بعد كل جريمه شنعاء، أن يختم الشهادة "مختل عقليًا"، أو يتلقى علاجًا نفسيًا عند طبيب متخصص!!
إذًا، ما المانع أن يرتكب الجناة جرائمهم؟ وخاصة إن كان هناك من يؤيدهم ويعضدهم من كل جهة؟!! فإن قلنا أن تنظيم القاعدة هو المسئول، فقد حلَّلوا دماء الأقباط ولا حرج!! وهي جريمة لا يُعاقب عليها مرتكبها. وإن قلنا أنها أطراف سياسية، وأنها من داخل النظام المصري، فعيب عليك وعار أن تشتكي الابن لأمه. فمن سيدافع عنه بعد أمه إذًا؟!! لذا، فقد ارتأت أفئدة المثقفين أن كل من يقومون بالأعمال الإجرامية هم مرضى، عقولهم في راحة أبدية، وتقف مكتوف الأيدي ما بين تعاليم دينك التي تنادي بالمحبة والمسامحة ومحبة الأعداء، وتقرير الطب الشرعي الذي لم يستدل على شىء حتى الآن، وقرارات الحكومة السامية في أن النسيج الوطني مازال قائمًا، وأننا قادرون على ردع أي فتنة طائفية، وأن كل ما يحدث- في وجهة نظر المحللين العظماء- إنما هو من الموساد أو شبكات إرهابية خارجية!! وعندما تسأل المذيعة الرقيقة السيد المسئول، فإن لديه إجابة واحدة قد تدرَّب عليها جيدًا، وبكل ثقه يرددها "الوضع تحت السيطره"!! ولا تدري أين الوضع؟ وأين السيطرة؟! تجول بعيناك لتشاهد البرامج التلفزيونية الموقَّرة، لتجد أن القنوات جميعها- بلا استثناء- تغطي ملامحها ببرقع الحزن العميق، وكلًُ يدعو ضيفه الكريم ليقول كلمات التعزية أو كلمات الوطنية المغمورة بالعاطفة.
يرتاح فؤادك لحظات، وتسمع عن تفجير جديد، أو مختلٍ جديد قد صنعته الظروف، صعد إلى القطار حاملاً سلاح هو ملك للحكومة، يضرب ويقتل، وربما كان ينتظره السيد الذي تحدَّثنا عنه قبلاً، حاملًا الشهادة التي تُثبت أنه من المفترض أن يُعامل معامله الأطفال، وإننا- وياحسرتاه- لم نرفق بحاله المسكين، وتعاملنا معه كبشرٍ عادي غير مختل! وقد تدرَّب الأمن المصري الموقَّر في مثل هذه الحالات الحرجة، على أشياء عظيمهة، أولها وليس آخرها هي القنابل المسيلة للدموع، حتى وإن كان بالقرب من المستشفيات أو المصابين، أو حتى غُرف الإنعاش!! فالرجال يؤدون واجبهم لوطنهم الغالي الذي طالما هتفوا في طوابير المدارس، قائلين له: "لك حبي وفؤداي". فالحب والفؤاد حقًا يتجليان في القنايل المسيلة للدموع، وفي الكهرباء- وما أدراك ما الكهرباء- إنها المهمة الثانية التي تم تدريبهم عليها، كهربوا أعداء الوطن، ويخيِّم الحزن على المساكن من أهالي المصابين، ومن مشاهدي القنوات، ويهدأ الأمر حينًا، ويرصد الإعلاميون الأخبار.
وهناك جهات معنية تهدِّد كل يوم، ولكن أجهزة الرقابة لدينا ليس لديها الوقت الكافي لمراقبة السيرفرات وعناوين الإنترنت المعنية؛ ذلك لأن الأمر واهي والحجة ضعيفة! فما المشكلة أن ينشر أحدهم تهديدًا بتفجير كنائس، ويضع عناوين الكنائس المهدَّدة بالتفجير، وميعاد التفجير؟ وما هي المشكلة أيها العقلاء في أن يضع صور تصنيع القنابل اليدوية لعديمي الخبرة في هذا الشأن؟ قل لي بربك، ما المشكله في هذا؟ ولماذا ترهق الجهات المختصة في شبكة العملومات، أفكارها في البحث وراء هؤلاء، وقد أقرَّ الجميع أنهم إرهابيون؟!!!
انتفض السيد الرئيس للحادث، وأصدر خطابًا يتوعَّد فيه الجناة. ونحن كمجني عليهم، نشكر السيد الرئيس وكل القيادات على تحقيق وعودهم التي كنا بالفعل في انتظارها، كما نشكرهم أيضًا على إنهم سيبذلون قصارى جهدهم في معرفه دوافع هذا المختل الذي أطلق النار على مجموعة- نصارى- في القطار. ولا ننسى أن نشكرهم جميعًا على العدل الذى سوف يتحقق- إن شاء الله- في واقعة مذبحة "نجع حمادي" الأليمة، متمنين لهم دوام الصحة والعافية، وأن يظل العدل على ما هو عليه في أيامنا هذه، بلا لومة لائم، أو حقد حاقد، أو شائعات تروِّج أن الظلم ساد، وأن الأمن والأمان فارق البلاد.. ونعدكم أننا سنصدِّقكم دائمًا في أي قرارات أو أية خطابات تُقال في أي مكان، فلكم التعظيم والتبجيل، وصدق أصحاب الكراسي وإن كذبوا!!!!
وسنصدِّق أيضًا ياسادة، أن الأمن يتعامل بحيادية، ولن نصدِّق أي فيديوهات مُسجَّلة من داخل الأحداث، أو حتى شاهدي العيان من داخل الحدث، أو حتى التغطيات الإعلاميه التي تنقل الخبر بصورة جلية دون زيادة أو نقصان؛ لأن الأمر واضح جدًا. فنحن نسيج الوطن، وكل قبطي مكفول الرعاية والأمان، وما زاد عن ذلك فهو من الشرير!!!