الأقباط متحدون - قصة سقوط أصغر شهيد في بورسعيد عام 1951: أحرق معسكر الإنجليز كاملًا
  • ٢١:٥٠
  • الجمعة , ٢ ديسمبر ٢٠١٦
English version

قصة سقوط أصغر شهيد في بورسعيد عام 1951: أحرق معسكر الإنجليز كاملًا

منوعات | المصري اليوم لايت

٠٩: ٠١ م +02:00 EET

الجمعة ٢ ديسمبر ٢٠١٦

أصغر شهيد
أصغر شهيد

الثلاثاء، 16 أكتوبر 1951، كانت تمتلأ شوارع مدينة بورسعيد بالمُتظاهرين، الكُل يهتف بحنجرةٍ واحدة «يسقط القتلة، يسقط الإنجليز، تعيش مصر حُرة»، فكانت الأخبار التى يتناقلها الأهالي بينهم وبين بعض، سقوط 5 شهداء، وجرَح الكثير، فتوجّهت المظاهرات إلى معسكر «الجولف»، مكان تواجد الجنود الإنجليز بالمدينة، الذى كان يقع خلف موقع محطة السكة الحديد.

يقول الدكتور، يحيي الشاعر، ابن مدينة بورسعيد ذكرياته، في كتابه، «الوجه الآخر للميدالية .. حرب السويس 1956»: «أطلق الانجليز فى الهواء قنابل الفوسفور الضوئية المتعلقة على مظلات صغير قلب ضوئها سواد الليل العميق إلى نهار سطع نوره بشكل قوى واضح حتى يتمكنوا من مراقبة الشباب الغاضب والتصرف، وفجأة سمعت طلقات مدافع رشاشة عالية الصوت وصوت المتظاهرون وهم يهرولون ناحية السور الشائك ويهتفون بحياة مصر ولم يكن هناك أحد من أشقائي فى المنزل محمد هادى أو عبد المنعم أو محمود، ولما سمع والدى رحمه الله صوت الطلقات، أطفأ الضوء وأمرنا بالابتعاد عن النافذة».

وقبل ذلك بساعات، دخل الطفل، نبيل منصور، تلميذ المدرسة الابتدائية، الذي لم يكُن يتجاوز عمره 11 سنة، إلى معسكر «الجولف»، تخطّى الأسلاك الشائكة، ومعهُ قطع القماش المغموسة فى الكيروسين والتى جعلها كرات صغيرة، وأشعلها  ثم قذفها على خيام الجنود الإنجليز النائمين بالمعسكر وهو يجرى بجسده الصغير بين الخيام متنقلا من خيمة لأخرى ينشر فيها النيران، وسُرعان ما تحول المعسكر إلى جحيم.

وحين نفدت منه قطع القماش خلع جاكيت بيجامته بسرعة، ومزقها وأشعلها وقذف بها الخيام إلى أنّ احترقت، انتشر الذعر بين الجنود الإنجليز الذين خرجوا من الخام مذعورين يبحثون عن الذى حول معسكرهم لما يشبه الجحيم.

يقول «الشاعر» في كتابه عن ذكرياته بخصوص تفاصيل استشهاد، الصبي نبيل منصور: «اسرد قصة، كما عاصرتها فى بداية سنوات حياتى، لم ولن أنساها فقد قد كانت نقطة تحول فى حياتى، مواجهة بطولية بين طفل تلميذ مدرسة ابتدائية من عمرى وقتها، لم يتجاوز عمره الحادية عشر سنة».

ويُضيف: «تمكنت من التسلل إلى خارج المنزل بينما كان والدى يؤدى صلاة العشاء، وهرولت فى اتجاه معسكر الجولف كغيرى من العديد من المواطنين، المتجهين إلى الأرض الفضاء الواقعة شمال السور الشائك للمعسكر بالقرب من تقاطع شارع كسرى المعاهدة على الجهة الغربية من مبنى السكة الحديد (بالقرب من مبنى شركة الثلج) وهناك وجدت الناس يتجمعون حول شىء على الأرض».

ووسط أصوات البُكاء الحزين، كانت تتمدّد جثة نبيل الهامدة، إلى أن تردّد صوت سيارة الإسعاف الإنجليزية التى أتت من بعيد، فلم يكُن يتواجد غيرها هناك، كمّا يتذكر «الشاعر»: «لم تجِد سيارة الإسعاف صعوبة في التوجه إلينا، نزل منها شخصان، وحملا الجُثمان، ووضعوها فوق النقالة».

وغادرت بعدها سيارة الإسعاف مكانها، وانطلقت في طريقها إلى مشارح مستشفى «الأميري»، لتسلم حمولتها، فيما هرول خلفها العديد من المواطنين، فاختلط صوت البُكاء بالعويل والصراخ، حُزنًا على الطفل الشهيد.

وفي الصباح الباكر، انتشرت الأخبار فى بورسعيد، كمّا يقول «الشاعر»: «علمنا بالقصة وعرفنا شخصية الطفل الشهيد الذى سقط فى اللية الماضية، وما حدث لهُ، بعد أن تسلل في جنح الليل من خلال فتحة فى سور الأسلاك الشائكة، إلى داخل معسكر الجولف البريطانى ومعه زجاجة بنزين ليصب على بعض خيامها البنزين، وأضرم النار في خيامها بينما كان الجنود الأنجليز ينامون ساكرين».

اتشحت مدينة بورسعيد بعد ذلك بالسواد، حُزنًا على الطفل الشهيد، وسدى الحزن على مدرسته وعلى المدينة منذ يومها ولأسابع عدة، بينما انتشرت داوريات جنودهم المسلحة فى جميع شوارع المدينة، وأصبح نبيل منصور هو أول شهيد قبل حادث الإسماعيلية.