بقلم: مصطفى عبيد
الفتنة قائمة لعن الله من أنكرها.. أقول لكم:  لا يمكن التعامل مع قضايا الأقباط في مصر بمنطق "الاستهبال" السياسي، الذي لا يرى مشكلة في أي مشكلة، ولا يعترف بالأزمة وقتما تكون في عنفوانها. هناك مطبات في علاقات الأقباط بالمسلمين. وهناك حساسيات في علاقة الأقباط بالوطن. ومما لا شك فيه أن هذه المطبات قديمة ولها جذورها التاريخية، إلا أنه من الواضح أيضًا أنها لا تتجلى وتسطع إلا في فترات ضعف النظام  السياسي.

تعالوا نتحدث باسم الأقباط لنقول: إننا لا نشعر بالمساواة مع المسلمين، وإننا لا نستطيع أن نبني أماكن العبادة بدون اللجوء إلى الدولة، وإننا محرومون من كثير من الوظائف الحساسة، كالأمن والقضاء، وبعيدون عن مراكز القيادة في الحياة السياسية. تعالوا نقول أيضًا أننا لم نعد نشعر بالانتماء إلى هذا الوطن الذي حرمنا من كثير من حقوقنا، وأذاقنا ألوانًا وصنوفًا من القهر، حتى أصبحنا غرباء..

وتعالوا مرة أخرى نتحدث باسم منتقدي الأقباط في مصر لنقول: إن الأقباط لديهم شعور دائم بالإضطهاد، وإنهم يستقوون بالخارج ضد حكومتهم، ويفتعلون أزمات وهمية لإثارة الحنق والكراهية ضد المسلمين. وهم مع كل ذلك يسيطرون على أكثر من نصف الاقتصاد المصري، ولهم كلمة مسموعة عند الدولة التي تخاف من غضبهم..

لا شك أن هذه الافكار تتعالى في مثل هذه الأيام التي اختبرنا الله أن عشنا خلالها. ففي أكتوبر القادم يكمل الرئيس "حسني مبارك" عامه التاسع والعشرين في مقعده كرئيس ومتصرف أول في كل شىء في مصر. وبنفس القدر تمر سنوات تتقارب أو تتزايد عن تلك الفترة لرجال الرئيس المتحكمين في كل شيء مثل "صفوت الشريف"، و"زكريا عزمي". وعلى مدى تلك السنوات ولا زلنا  ونحن خاضعون  لأحكام قانون استثنائي يسمونه قانون الطوارىء. في الوقت ذاته تدور الأحزاب السياسية في أماكنها حول مشاكلها الداخلية بدءً من مشاكل اختيار رئيس الحزب، وحتى قواعد اختيار أعضاء اللجان الفرعية. وفي ظل هذا الفراغ الذي نتج عن غياب الدولة ممثلة في قيادات تجاوزت الشيخوخة، وأحزاب انشغلت بكراسيها الموسيقية، اتسعت مساحة الجهل السياسي، وغابت الوطنية، وفقدنا الانتماء، وتصاعدت أفكار خلط الدين بالسياسة والتقوقع فيما وراء المقدس..

وحتى نفهم حقيقة المشكلة القبطية، علينا بداية الاتفاق على نقاط ارتكاز أساسية لنجتمع عليها: منها أننا يجب أن نؤمن –ما دمنا مصريين– أنه لا فرق بين مصري مسلم ومصري مسيحي في الحقوق والواجبات. وأن ما يحكمنا جميعًا هو القانون ومصلحة الوطن. ثانيًا: علينا أن نتأكد أن ما يعاني منه الاقباط من انتقاص لبعض الحقوق، مرده هو غياب الديمقراطية وانعدام العدل، ويقابله معاناة جماعات عديدة بسبب العقيدة أو الاتجاه السياسي، مثلما يعانيه الأخوان المسلمون من ملاحقات أمنية واعتقالات لا تستند إلى أي قانون، وما يواجهه الشيعة المصريون من مراقبات وتدخل أمني سافر في اعتقادات البشر. كذلك ما يعانيه أهل النوبة من تجاهل دائم لحقوقهم وأراضيهم التي انتزعت رغمًا عنهم دون تعويض. ثالثًا: علينا أن نؤكد أن مشكلة الاحتقان الطائفي تصاعدت نتيجة نفخ متعصبين في كلا الجانبين، مسلمين ومسيحيين، في نار الفتنة والتفرقة، واستبعاد الآخر.

والحل؟ لا حل بدون عدالة. ولا عدالة في ظل هذا النظام الذي وعدنا فأخلفنا، ثم وعدنا فأخلفنا، ثم وعدنا ووعدنا لأكثر من ربع قرن، حتى تأكدنا أنه لن يصلح الحال. ولا حل بدون توعية سياسية. فلابد أن يعلم كل مصري أننا جميعًا متساوون أمام القانون، ومن يريد أن يعبد الله في المسجد فليفعل، ومن يريد أن يعبده في الكنيسة فليفعل. ولا حل بدون تدين حقيقي. فالمسلم الحق يعلم أن دينه يأمره بالتسامح والرفق والإحسان إلى الجار، أيما كان دينه، والمسيحي الحق يعلم أن عليه أن يحب جميع من حوله، ويحسن إليهم حتى لو كانوا يبغضونه. والمتدين في كلا الفريقين يعلم أن استخدام الدين لتحقيق أغراضًا سياسية لا يقره الله ولا رسله، لأنه أسمى من ذلك.
وللحديث بقية إن شاء الله.