هل تساند مصر «دحلان»؟
مقالات مختارة | بقلم : مكرم محمد أحمد
٠٠:
٠٢
م +02:00 EET
الخميس ٨ ديسمبر ٢٠١٦
لا يخدم مصر ولا يخدم القضية الفلسطينية أن تخرج مصر عن تقليد صحيح راسخ، التزمت به فى سياساتها العربية التزاماً صارماً زاد من قيمتها وضاعف من ثقلها ووزنها فى العالم العربى، يمنعها من التدخل فى الشأن الداخلى لأى قطر عربى حرصاً على وحدته واستقلال قراره، أو أن تزج بنفسها فى قضية معقدة تتعلق بخلافة الرئيس الفلسطينى محمود عباس التى تهم أطرافاً وطنية وإقليمية عديدة، وتنتصر لمرشح بعينه دون غيره من المرشحين وهم كثر مهما تكن الأسباب والذرائع!
ولا أظن أن مصر يمكن أن تفعل ذلك فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى على وجه الخصوص، وتنحاز لمرشح من بين عشرات المرشحين استجابة لرغبة بعض الأطراف العربية كما يتصور البعض، لأن مصر التى ترفض التدخل فى الشأن الداخلى لأى بلد شقيق أو صديق وتحترم قواعد القانون الدولى وتلتزم بالشرعية الدولية لا يمكن أن تفعل ذلك مهما تكن ملاحظات البعض على أداء الرئيس الفلسطينى محمود عباس، الذى يعرف على وجه اليقين حجم مصر ودورها ومكانتها، ولا يفوت فرصة دون أن يؤكد على الملأ، أن مصر هى السند الحقيقى للشعب الفلسطينى، بدونها يتعثر المسار الصحيح، أو يقول لنا فى لقاء رام الله، إن أى فلسطينى لا يستطيع أن يغضب من مصر أو يعتب عليها لأنها لم تفعل للفلسطينيين سوى الخير، تقدم المشورة وتحسن النصح وتضع نصب أعينها مصالح الشعب الفلسطينى، لكنها لا تتدخل فى قراره السياسى أو تصادر على إرادته أو تجند أنصاراً لها بين صفوفه، وبرغم أن أطرافاً عربية وإقليمية عديدة تصطنع لها جماعات وقوى وميليشيات فلسطينية تعمل لحسابها، لم تحاول مصر قط أن تلجأ لهذه الأساليب رغم أنها الأكثر تضحية ودفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطينى، لأن مصر تعرف أن واجبها الأول هو الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطينى وتوثيق روابطه الداخلية، كما أن واحداً من أهم التزاماتها الأساسية تجاه الفلسطينيين، أن تكون مع وحدة الصف الفلسطينى وترفض كل صور الانقسام والانشقاق الداخلى، حرصاً على توحد الجميع فى مواجهة احتلال عنصرى بغيض لعله أسوأ صور الاحتلال التى عرفها تاريخ البشرية! ولا أظن أن لمصر ملاحظات خطيرة على محمود عباس، فالرجل يفعل كل ما يستطع فى إطار قيود الاحتلال التى تكبل سلطته، وربما كانت أولى ميزاته أنه يعلن بوضوح قاطع نبذه لممارسة العنف ورفضه كل صور المقاومة المسلحة، وحرصه على سلامة الشعب الفلسطينى وعدم المقامرة على أمنه واستقراره، والتزامه بالنضال السياسى فى الأمم المتحدة وداخل المجتمع الدولى من أجل الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية فى المنظمة الدولية ووضع نهاية لعملية الاستيطان التى تكاد تبتلع أرض الضفة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67، وأظن أن الفلسطينيين يعرفون جيداً حجم الجهد الذى بذلته مصر على امتداد العقدين الأخيرين من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية عبر المفاوضات التى أدارتها القاهرة مع كل الأطراف الفلسطينية ومع فتح وحماس على وجه الخصوص، التى يمكن أن تملأ محاضرها مجلدات ضخمة تمتنع مصر حتى الآن عن إذاعة تفاصيلها أملاً فى أن يتفق الجانبان فى يوم قريب على أهمية وحدة الصف الفلسطينى، وسواء حقق أبومازن بعض النجاح أو لم يحقق فالأمر بأكمله من وجهة نظر مصر يعود إلى الشعب الفلسطينى الذى يشكل المرجعية الوحيدة والأخيرة للحكم على سياسات محمود عباس، كما يعود إلى مستوى الرضا العام داخل حزبه فتح عن هذه السياسات! والواضح من الصورة التى انعقد عليها المؤتمر السابع لمنظمة فتح فى مدينة رام الله الذى حضره معظم كوادر فتح وقياداتها وانتخب فيه أبومازن رئيساً لمنظمة فتح بالإجماع، أن سياسات أبومازن لا تزال تلقى قدراً كبيراً من التجاوب داخل فتح وداخل شعبه خاصة فى الضفة الغربية، التى تشهد مدنها ازدهاراً لا يمكن إنكاره، ولا يغير من هذه الحقيقة أن يكون هناك بعض المعارضين الذين يعتقدون أن كل ما فعله أبومازن يدخل فى إطار تحسين الشكل دون أى تغيير حقيقى فى مضمون الاحتلال الذى لا يزال يحاصر كل المدن الفلسطينية ويقتحمها فى الوقت الذى يريد، ويمنع تواصلها بالحواجز والموانع ونقاط التفتيش، يشيد مستوطناته فوق كل التلال وتحاصر القرى الفلسطينية، ويخلى أحياء بأكملها فى الخليل من أجل أن يقيم 400 أسرة من المستوطنين فى المدينة القديمة على حساب 150 ألفاً من سكان الخليل، هجروا الحى القديم وتركوا محلاتهم ومنازلهم مغلقة، لأن الإقامة إلى جوار المستوطنين تكاد تكون ذلاً مقيماً، يفرض على صاحب كل بيت أن يبقى بيته مفتوحاً ليل نهار جاهزاً لأى تفتيش مفاجئ، ويحيط مدينة القدس بطوفان من المستوطنات تبتلع أحياءها وضواحيها وجوارها الجغرافى وتمتد عبر جبل أبوغنيمة تفصل القدس تماماً عن الضفة. ولأن مصر تعرف جيداً ظروف القيادة الفلسطينية وحاجتها لأن تكسب أكبر عدد من الأصدقاء، وتتجنب أن يكون لها أعداء لدودين، فإنها لا تستشعر أى حرج فى أن يكون لأبومازن علاقات وثيقة مع أطراف لا ترتاح لها مصر، مثل قطر أو تركيا، ولا تفرض على أبومازن أى قيد فى تحركه السياسى بما يمكنه من الحفاظ على مصالح شعبه الفلسطينى مع كل الأطراف، وربما يرى بعض الفلسطينيين أن أبومازن يعطى للإسرائيليين بأكثر مما يأخذ، ويفرط فى تقديم تنازلات ومجاملات قد لا تتعلق بالثوابت الفلسطينية لكنها لا تلقى مردوداً حقيقياً فى سلوك إسرائيل تجاه الشعب الفلسطينى، الذى يتسم بالغلظة وعدم مراعاة مشاعر الناس واستمرار سلوكها البغيض فى القدس والخليل، وإذا صح أن أكثر من 63% من الشعب الفلسطينى، كما يقول استطلاع أخير للرأى العام الفلسطينى أجرته منظمة وطنية فلسطينية، لا يرضون عن سياسات أبومازن، ويعتقدون أن القضية الفلسطينية تحتاج فى هذه المرحلة الصعبة إلى قيادة جديدة أكثر قوة وحسماً، وأن مهادنات أبومازن تشكل أحد الأسباب الرئيسية لحرب السكاكين التى يخوضها بعض الشباب الفلسطينى على أرصفة المدن الاسرائيلية رداً على امتهان كرامتهم بصورة مذلة، ومن الخير للقضية الفلسطينية أن يترك أبومازن (81 عاماً) موقعه لقيادة أخرى أكثر حسماً، لكن الأمر بأكمله يخص الشعب الفلسطينى ويخص منظمة فتح باعتبارها الحزب الحاكم، ومن دون كل الأطراف الدولية والإقليمية يتحتم على مصر فى جميع الأحوال أن تبقى خارج دوائر الصراع الفلسطينى على السلطة، تقدم المشورة وتحض كل الأطراف على التزام الحوار والحكمة، وتصيخ السمع لمؤسسات الدولة الفلسطينية، وتترك للشعب الفلسطينى حقه الكامل فى الفصل فى قضية خلافة أبومازن عبر انتخابات حرة ونزيهة، وتشمل قائمة الخلافة أشخاصاً يكاد يكون الإجماع الفلسطينى على صلاحهم لتولى منصب الرئاسة شاملاً جامعاً، أبرزهم مروان البرغوثى (56 عاماً)، منديللا فلسطين، كما يسميه شباب غزة والضفة، الذى يحظى بنسب تأييد عالية لا يحظى بها أى مرشح آخر بمن فيهم أبومازن، لكن مشكلة مروان البرغوثى أن إسرائيل لا تريد الإفراج عنه، كما أن المجتمع الدولى عاجز عن إلزامها إطلاق سراح الرجل الذى يجمع غالبية الفلسطينيين على أنه يمكن أن يكون الرجل المناسب فى المكان المناسب وفى الوقت الصحيح، وغير مروان البرغوثى هناك ناصر القدرة وزير الخارجية الفلسطينى السابق وحفيد عرفات، الذى فك تحالفه أخيراً مع محمد دحلان واختار الوقوف إلى جوار أبومازن، وبين الذين يرغبون فى المنافسة على المقعد محمد دحلان الذى تختلف من حوله الآراء ويشتد الجدل حول مدى صلاحيته لهذا المنصب، وتثور من حوله حكايات وقصص وروايات عريضة وطويلة تصل إلى حد أن البعض يتهمه بأنه هو الذى سرب إلى عرفات فى المقاطعة السم الإسرائيلى الذى قتله، بينما يرسم البعض الآخر صورة مغايرة لدحلان هى صورة قائد نابغ ذكى ومؤثر داخل قطاع غزة، له خبرة واسعة فى قضايا الأمن الفلسطينى وصلات دولية عميقة مع أطراف عديدة، فضلاً عن تمتعه بمساندة قوية من جانب الإمارات المتحدة، وأظن أن اللغط الشديد حول شخصية محمد دحلان يجعل الانحياز إليه مشكلة كبيرة تؤدى إلى انقسامات واسعة وعديدة يحسن تجنبها، بحيث يصبح مصير محمد دحلان معلقاً برؤى وخيارات فتح الحزب الحاكم، الذى أعاد ترتيب صفوفه فى مؤتمر رام الله كى يسد الطريق على نفاذ دحلان من جديد إلى عضوية فتح ليعود إلى مكانه القديم عضواً باللجنة المركزية، على حين تمتنع اللجنة المركزية لفتح الآن عن أن تعيد النظر فى قرار فصل محمد دحلان، أو توافق على إعادة محاكمته أو إبراء ذمته، لكن يبقى محمد دحلان فى النهاية واحداً من الشخوص الأساسية فى الموقف الفلسطينى يصعب تجاهلها، ولا أظن أن فى وسع أحد أن يفرض محمد دحلان على الشعب الفلسطينى أو يلزم منظمة فتح إعادة النظر فى قراراتها تجاه مصيره إلا أن تكون للرجل شعبية غامرة طاغية تفرضه على كل مؤسسات الدولة الفلسطينية، لكن دحلان لا يتمتع بهذا الإجماع الواسع الذى يتمتع به مروان البرغوثى، رغم أن خبرة دحلان الأمنية يمكن أن تجعل منه أحد كبار المتخصصين فى قضايا الأمن الوطنى الفلسطينى.
بين المرشحين أيضاً لهذا المنصب سالم فياض، رئيس الوزراء السابق ورجل الدولة الذى يملك خبرة واسعة فى مناصب الإدارة العليا، وله علاقات دولية مع المؤسسات المالية الدولية التى تثق فى نزاهته وقدراته العالية، وبالطبع تقف حماس وراء ترشيح إسماعيل هنية رئيساً للدولة الفلسطينية خلفاً لأبومازن خاصة أنه يتمتع بشعبية عالية فى قطاع غزة، وعلى كثرة المرشحين وكثرة الحديث عن الخلافة لا يبدو واضحاً من المناقشات الواسعة التى دارت فى مؤتمر فتح أن قضية الخلافة كانت مطروحة سواء داخل قاعات النقاش أو فى كواليس المؤتمر، بينما لا يرى أبومازن أن هناك مشكلة فى قضية الخلافة فى ظل عزم الفلسطينيين على الذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة تجرى تحت إشراف دولى، وتسمح لكل صاحب حق فى الترشح بأن يتقدم لهذا المنصب وفق قواعد القانون التى تنص على أن تكون انتخابات نزيهة تمكن الفلسطينيين من تداول سلمى للسلطة عبر صناديق الانتخاب، تأكيداً لإرادة الشعب الفلسطينى وحقه فى تقرير مصيره.
نقلا عن الوطن