بقلم: محمود الزهيري
محمود عامر, بعد أن دخل الخلاء , وأتقن فعل الإستنجاء , دلف إلي ميضة الوضوء , وأسبغ الوضوء علي المكاره التي ببدنه , ومشط اللحية , وقصر الجلباب , وارتدي البنطال , وحَبَكَ العِمامة , وأمسك بعود المسواك , واستاكَ, وتعطر بزجاجة المسك الذي يعطر به الحانوتية الأموات , ودخل بعد ذلك في صلاة طويلة في محراب المسجد ليسبغ من أفعال الإيمان مايطهر قلبه , ويصفي ضميره الذي هو يقظاً علي الدوام فيما يملي عليه من أوامر تخدم مفهوم الجمهورية , ومفهوم طاعة ولي أمر الجمهورية علي السواء , ولأنه مؤمن بالطاعة , ولايستطيع مخالفة ولي أمر الجماعة , الذي هو مبارك الأب , وإن أخذ ماله , وهتك عرضه , وقتل ولده , ولأن هناك من يعكر صفو ولي الأمر, ويضج مضجعه , ومضجع باقي أعضاء الجماعة المؤمنة , فكان ولابد وحتماً , وإيماناً وصدقاً ويقيناً , وإرضاءاً لله تبارك وتعالي , فما كان منه إلا أن أفتي بقتل الدكتور محمد مصطفي البرادعي رائد الجمعية الوطنية للتغيير بمصر , وذلك لأنه دعي إلي تغيير النظام الحاكم والذي يصفه محمود عامر , بولي الأمر , وكان منطوق فتواه : بأن البرادعي إذا لم يعلن التوبة عن دعوته إلى العصيان المدني ومقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة ، ردا على ما يعتبره تزويرا للانتخابات البرلمانية الأخيرة، فإنه يحل لـ «ولاة الأمر» قتله أو سجنه.
ولأن محمود عامر تغيب عنه مفاهيم التغيير والثبات , الحزن والسعادة , الهدوء والغضب , الحركة والسكون , الماضي والحاضر , الكليات والجزئيات , الفردية والشمولية , الديمقراطية والإستبداد , العقل والوصاية , الدين والسياسة , العلم والجهل , السلفية والواقع , الأصالة والمعاصرة , الجمود والتقليد , والإبداع والتفرد , الفقر والتنمية , الحرب والسلام . وكذا الشرق والغرب , والتاريخانية والعولمة .
وهذه المرادفات والمتناقضات تسكن معظم الأزمات , وغالبية الإنفراجات , وصولاً لمصالح يتم السعي لتحقيقها عبر صراع المفاهيم في المجتمعات التي تهدف إلي النهوض ومواكبة عصر العلم والديمقراطيات , والحريات , وكذا الحكومات الإليكترونية التي مازال محمود عامر مؤمناً بمفهوم الحكومة الإسلامية , دون غيرها من حكومات .. وكأنه يحلم بحلم الشوري تحت سقيفة بني ساعدة , مع أنه ليس نبياً , ولاصحابياً , وإنما يتمثل تمثلاً طوعياً مغلوطاً لمفاهيم قديمة , يريد تكرارها بصورة مغلوطة , وكأن الدستور فكرة غريبة , والقوانين البشرية ظاهرة مريبة , والإنتخابات التي خاضها نفسه ضد جمال حشمت مرشح الإخوان , تجربة محرمة , لأنها تساعد علي التشريع فيما لم ينزل الله به سلطان , ومن ثم يحتكم الناس إلي غير ما أنزل الله , هكذا فعل ورشح نفسه كيداً ونكاية في الإخوان المسلمين , وهكذا فعلها إرضاءاً لولي الأمر والذي هو مبارك الأب , وهذا حسب إيمان الشيخ السلفي , محمود عامر , والذي سقط في الإنتخابات سقوطاً مريعاً , ففي إنتخابات عام 2000 قدم الشيخ محمود عامرأوراق ترشيحه ضد جمال حشمت القيادي الإخواني ، وحصل جمال حشمت علي 30 ألف صوت ولم يحصل محمود عامر سوى على 200 صوت , وكان هذا السقوط أو هذا الفوز بإرادة ولي الأمر , الذي أمر بتزوير الإنتخابات علي الدوام من بداية وجوده تحت سقيفة بني ساعدة المصرية , وحتي سقيفة بني ساعدة 2005 !!
وإن أنسي فلا أنسي أن محمود عامر قال عن نفسه النبية : أنه مثل الأنبياء قليل الأتباع !!
أظن أن محمود عامر , ومن يحمل عقليته المختلطة بمفاهيم دينية مغلوطة عن أرض الواقع , هم سبب من جملة أسباب تؤدي علي الدوام إلي مجاراة الطغيان والإستبداد , وهما قرناء الفساد , بما ينتجه من جرائم ضد المجتمع .. ومنها جريمة مجزرة كنيسة القديسين , تلك المجزرة الخطيرة التي بدأت بفتاوي القتل والإرهاب , ومن قبلها جرائم عديدة , إشترك فيها النظام الحاكم بصمته المريب المشكوك فيه , وكانت فتوي القتل علي الرأي إحدي جرائم النظام بأجنحته الدينية والأمنية .
والسؤال : هل من عقاب علي جريمة التحريض بالقتل للدكتور البرادعي , ولماذ سكتت أجهزة الدولة المصرية علي هذه الجريمة , أم أن الدولة هي مبارك , ومبارك هو الدولة ؟!!
أعتقد أن نظام الطغيان لم ينوي فعل الإستنجاء السياسي , ليتطهر من جرائمه الكريهة حتي الآن , وينتظر الغرق جبراً وقسراً , ليتطهر رغماً عن إرادته , في بحر الحرية , ولكن بإرادة رواد الحرية والتنوير .