الأقباط متحدون - مزيد من الإبداع لمناهضة دعوات التخلف
  • ٢١:٠٧
  • الأحد , ١٨ ديسمبر ٢٠١٦
English version

مزيد من الإبداع لمناهضة دعوات التخلف

مدحت بشاي

بشائيات

١٠: ١٠ م +02:00 EET

السبت ١٧ ديسمبر ٢٠١٦

مدحت بشاي
مدحت بشاي
كتب : مدحت بشاي
 
منذ زمن بعيد حدثنا الفيلسوف والمناضل والناقد الفني الإيطالي "أنطونيو جرامشي"عن مواصفات المواطن المفكر المبدع " إنه ذلك العنصر المفكر والمنتظم في طبقة اجتماعية أساسية معينة " .. نعم فالتركيبة العضوية للمبدع والانتماء الأصيل للطبقة والشعب والالتحام بثقافته وتاريخه وتطلعاته وأحلامه ، حتى تمكينه من التوجه نحو هدف تغيير الواقع أمر هام وحيوي بات حقيقة ، وهو ما كشفت عنه نجاحات أزمنة النجاحات القومية القليلة .. 
نعم فهناك اتهامات واضحة عديدة تم توجيهها إلى من أطلق عليهم " النخبة المصرية " في زمن اندلاع ثورة يناير ، فمنهم من توهتهم حالة التمترس خلف فكرة إيديولوجية جامدة ، ومنهم من اتخذوا من الأداء الحنجوري سبيلاً لكراسي الميديا التلميعية وصولاً لأهداف سلطوية خاصة ، ومنهم من نصبوا ذواتهم أوصياء على فكر وأحلام شباب الثورة فتحدثوا وأفاضوا بالنيابة عنهم ، وآخرون دفعتهم أهداف انتهازية لظرف تاريخي ، ومن حركتهم دوافع فكر موتور وعبثي ، أومن ساقتهم معارفهم المحدودة لتعاليم الأديان إلى الانحياز لانتماءات طائفية ومذهبية لجماعات تديين البلاد والعباد عبر الدعوة هنا أو التبشير هناك ..
ولكن يبقى للإبداع ورموزه المصرية الأصيلة الباقية الدور التاريخي المحرض قبل الثورة وبعدها لرفض الواقع العليل ، في قراءة وطنية رائعة لتركيبة شعبنا العظيم ..
 أذكر هنا في دنيا الإبداع السينمائي كمثال نموذج فيلم " ضد الحكومة " للمبدع المصري أحمد زكي كصرخة في مواجهة حكم سلطوي جائر على حريات وخيارات أهل بر مصر في سعيه للظفر بنوعية الحياة التي ينشدها ..
نتابع في "ضد الحكومة" الفنان  أحمد زكي ( مصطفى خلف المحامي ) وهو يمارس لعبة استغلال سذاجة ضحايا حوادث الطرق فيأخذ من أسرهم توكيلات للمرافعة عنهم لطلب تعويضات ، ويحقق  مكاسب مادية هائلة مع مجموعة من زملائه ، يفاجأ ذات يوم بأن الصبي الذي عليه أن يأخذ توكيلا من أسرته هو ابن مطلقتة ثم يعرف أنه ابنه ، ويتغير سلوك مصطفى ، ويرفض أن يسير في طريق التعويضات ، فيرفع قضية ضد الحكومة ، ويواجه الكثير من المتاعب ، فيتم تلفيق بعض التهم له ، وتؤخذ قرائن ماضيه ضده لكنه يصر على موقفه ، وتصفق الجماهير في دور الخيالة مع مرافعة بطل الفيلم عندما يطالب بمثول الوزراء بصفتهم وشخوصهم لمحاكمتهم في زمن كانت الجماهير المصرية تتوق لمحاكمة الوزراء ورموز السلطة ، وكان أمر معاقبتهم خط أحمر .. حتى كانت ثورة يناير وكان سجن رموز 3 حكومات وباتوا خلف القضبان ، بل وإيداع رأس النظام قيد الحبس الاحتياطي .. وتبقى التحية واجبة للكاتب الصحفي وجيه أبو ذكري كاتب القصة ، وبشير الديك كاتب السيناريو والمخرج الوطني المبدع الراحل عاطف الطيب ..
وفي فيلم " طيورالظلام "انتاج عام 1995, وإخراج شريف عرفة وبطولة عادل إمام، وقصة وسيناريو وحوار وحيد حامد .. تدورأحداث الفيلم حول ثلاثة محاميين أصدقاء، الأول فتحي نوفل (عادل إمام) يتحول من رجل له موقف إلي انتهازي، يصعد اجتماعياً ليصبح مدير مكتب أحد الوزراء والثانى علي الزناتي (رياض الخولي)الذي ينضم إلي جماعات التطرف ويحاول علي تجنيد فتحي إلي صف جماعته الإرهابية ، أما الزميل الثالث محسن (أحمد راتب) فهو موظف بسيط متمرد يقرر أن يبقي بعيداً عن الصراع الدائر بين الحكومة والجماعات الدينية .. وفي النهاية يلتقي فتحي مع زميله علي في السجن ، وتستمر المواجهة بين رموز السلطة والانتهازية السياسية ، والاستخدام السلبي للأديان.. 
ولعل مشهد الانتخابات إياها لا يختلف كثيراً عن مدلول مشاهد دراما " طيور الظلام " ، فالصراع على الظفر بكعكة الكراسي البرلمانية بين نفس القوى بعد السماح ( وبمخالفة صريحة للدستور ) بإنشاء أحزاب دينية إثر اختراع  لعبة "مرجعية" التي تم إضافتها لمصطلحات السياسة وإبداعاتها السلبية .. ولكن ولله الحمد رفض الشعب الامتثال لدور المتفرج المقهور المرعوب ، بل احتشد مدعوماً من قوى ميادين التحرير ليقول كلمته أنه في طريقه للانتصار تدريجياً على من يسعون على تقسيم البلاد على أساس الهوية الدينية والفكرية حتى لوصعب تحقيق نتائج ترضيه ، ولكن في إعمال آليات الديمقراطية السبيل لتحقيق أحلام الشعوب..
لاشك أن الفنون المصرية وأهل إبداعاتها  لن يتراجع دورهم التاريخي والحضاري في إحداث التغيير .. لا لوضع الشمع وطمس ملامح الإبداعات التاريخية .. لا للتديين الجبري الشكلي عبر التزام الطقوس دون السلوكيات من قبل مؤسساتنا الدينية ، أو قبول الوصاية الأبوية الروحية من قبل رموز تلك المؤسسات في خياراتهم السياسية والاجتماعية .. لقد قال الشعب كلمته بحضوره العظيم ، والفنان ثوري حتى يبدع ، وإبداعاته دائماً محرضة للتغيير ..