الأقباط متحدون - حصاد «فائض» التدين الشكلى
  • ٠١:٢٩
  • الجمعة , ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦
English version

حصاد «فائض» التدين الشكلى

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٣٢: ٠٨ ص +02:00 EET

الجمعة ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦

د. عماد جاد
د. عماد جاد

من مصر تخرج أنماط وسلوكيات ومظاهر، وعلى أرضها تُرتكب أفعال وجرائم تمثل إهانة لتاريخ هذا البلد العظيم، فمن مصر خرج من يكفّر البشر ويدعو إلى القتل بل ويمارسه، وعلى أرضها تُرتكب الموبقات؛ من تحرش جنسى ودعوات للتضييق على المخالف الدينى والطائفى، إلى القتل باسم الله على غرار ما فعل انتحارى كنيسة البطرسية الذى فجّر نفسه ليقضى على حياة ٢٦ إنساناً كانوا فى صلاة لخالقهم، من مصر خرج زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى، وأيضاً قائد اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر محمد عطا، وآلاف المنخرطين فى قتال ضد شعوب أخرى على أراضيها مثل سوريا، وليبيا، واليمن ودول غير عربية مثل أفغانستان والشيشان وكوسوفو.

ماذا جرى للمصريين؟
نصف أنفسنا فى الكثير من المناسبات بأننا شعب متدين بطبعه، ونحن فى مصر اليوم لا علاقة لنا بجوهر الأديان التى تدعو إلى قيم راقية مثل المحبة، الرحمة، العدل، وأيضاً العمل. تفصلنا عن قيم الأديان والمعتقدات مسافة كبيرة، فالأديان والعقائد والمعتقدات التى نميز فيها ما بين السماوى أو الإبراهيمى وبين الوضعى، جميعها تحث على العمل، الحب، الود، الإخلاص، وتكاد تكون وصايا موسى العشر قاسماً مشتركاً بينها، فالنهى عن القتل والزنا والسرقة وشهادة الزور واشتهاء ما لدى الغير كلها مذمومة، والحث على طاعة الرب وود الوالدين والبر بهما وحب البشر أجمعين سمات مشتركة لدى الأديان والعقائد.

لدينا فى مصر ظاهرة التدين الشكلى، بمعنى اتخاذ مظاهر وممارسة سلوكيات التدين، لكن الجوهر بعيد تماماً عن صلب الدين، نحرص على الظهور بمظهر المتدين وجوهرنا منصرف تماماً عن قيم الدين الحقيقية، نتحدث كثيراً عن الدين ونمارس سلوكيات لا علاقة لها بقيم التدين الحقيقى، نخشى بعضنا بعضاً ولا نخشى الله، نفعل الشر والخطيئة أمام الله ومن المهم لدينا ألا يرانا الناس، نخشى حساب الناس ولا نخشى الله، نرتكب الأخطاء والخطايا ونغطيها بغلاف دينى حتى صار قتل البشر والتفنن فى تعذيبهم يتم باسم الله.

نزج بالدين فى كل خطوة من الخطوات وكل سلوك من السلوكيات دون أن تسكن قيم الدين الحقيقى القلوب أو تستوطن العقول. اتسعت الفجوة بين مظاهر التدين وقيم الدين فى مطلع السبعينات عندما جاء السادات وروج للتدين الشكلى واللفظى، فتح أبواب السجون لعناصر جماعة الإخوان وسلّم لها التعليم برمته فخرّبت عقول النشء، انفتح على المملكة العربيية السعودية فوفدت رياح الوهابية وغزت مجتمعنا المصرى، لا سيما مع هجرة قطاعات واسعة من المصريين باتجاه بلدان النفط، سمى السادات نفسه «الرئيس المؤمن» وسمى مصر «دولة العلم والإيمان»، واستغرق فى نشر التدين الشكلى عبر تديين المجال العام فى البلاد.

كانت النتيجة نشأة أجيال جديدة من المصريين مرتبطة بالتدين الشكلى، حريصة على مظاهر التدين والحديث عن الدين وتديين كل ظاهرة والبحث عن تفسير دينى لظواهر طبيعية، ووصل هذا الهوس إلى بيروقراطية الدولة وأجهزتها على النحو الذى يفسر احتفاء محافظ المنيا السابق، على سبيل المثال، ببيضة فرخة باعتبارها بيضة مقدسة لأن عليها ما يشبه لفظ الجلالة، ورغم وجود تفسير علمى لهذه الظاهرة على النحو الذى ذهب إليه الدكتور خالد منتصر، فإن السيد المحافظ تعامل مع البيضة بكل هيبة ووقار وقام بتقبيلها باعتبارها مقدسة.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع