الأقباط متحدون - سينما إبراهيم عيسى
  • ٠١:٢٦
  • السبت , ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦
English version

سينما إبراهيم عيسى

مقالات مختارة | أحمد الصاوي

٣٦: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦

أحمد الصاوي
أحمد الصاوي

على ظهر هذه الأرض نسخة واحدة من «إبراهيم عيسى»، حتى إن كنت تراه «طالع» بأكثر من منظر. «الصحفى والكاتب صانع الصحف. المحلل التليفزيونى صانع الشاشة المختلفة. الروائى صانع العوام المدهشة المتماسة مع الواقع أو الغارقة فيه. حتى تلك النسخة الأخيرة التى تجلت فيها روحه كاملة من خلال شاشة سينمائية أبدع مفرداتها المخرج الكبير مجدى أحمد على». لا فوارق حقيقية بين عيسى سوى فى شكل الوسائط التى يطل بها عليك. هو صانع محتوى بالأساس، وتبدو شخصيته حاضرة ومؤثرة على هذا المحتوى وعلى شكل تعاطيك معه. لأنه فى المقال الصحفى يكتب ما يقوله عبر الشاشة التليفزيونية. ويقول من خلال التليفزيون ما تقرؤه عنه بين دفتى رواية، وتجد روايته ممزوجة بروحه وقضاياه ومفاهيمه ورؤاه ومرحه واستشهاداته فى شريط سينمائى يختصر لك الحكاية كلها، كما اختصرها لك فيلم «مولانا» المأخوذ عن رواية عيسى، والمُطعم بجمله الحوارية اللافتة، والمصنوع بحرفية عالية لمخرج كبير على ذات الخط الفكرى، يحارب فى ذات القضية بدأب، ما جعله يتلقف الرواية من البدء ويتحمس لها، ليعطينا فى النهاية ما يمكن أن نسميه «نسخة سينمائية لإبراهيم عيسى» تنتقل بفكرته وأسلوبه من قارئ ساع له صحفياً وروائياً، ومشاهد بين يديه ريموت كنترول، إلى مشاهد جديد يسعى ويذهب ويدفع على أمل أن يخرج بنفس مستمتعة وذهن مُحفز وعقل يربط المشاهد بعضها ببعض، وتصدمه تلك المشاهد بواقعه، فيجد كثيراً من الخيوط التى ظنها خفية، ظاهرة أمامه معروف طرف بدايتها وطرف نهايتها. وهى الوصفة التى أثق أنه سيجدها جاهزة فى انتظاره فى كل دور العرض التى ستحتضن فيلم «مولانا».

هذا فيلم صُنع ليبقى، صالح للمشاهدة فى كل زمان ومكان، ليكون علامة من علامات تاريخ السينما المصرية، وملخصاً شبه مكتمل لحالة مجتمع يواجه التطرف حتى وإن كان لا تبدو عليه حتى الآن أمارات حقيقية لمحاربة فكرة التطرف بقدر ما يُظهر الكثير من الضجيج والوعيد للشخوص الذين يحملون الفكرة ويسعون لتطبيقها فى الأرض.

وكلما تأخر عرض هذا الفيلم زادت الحاجة إليه، ولعلها مفارقة أن تستعد الشركة المنتجة لطرحه، مع آلام وآثار حادث تفجير الكنيسة البطرسية، ما يعطى أهمية كبرى، ليس فقط أنه نسج من خيوط ما مضى من حوادث أليمة ليصنع منها عيسى «روايته»، ومن ثم مجدى أحمد على «فيلمه»، وإنما لأنه احتفظ بالنبوءة قوية، لأن شيئاً على الأرجح لم يتغير فى أساليب التعاطى مع هذه الحوادث حكومياً ومجتمعياً وبين المؤسسات الدينية أيضاً. ببساطة مازلنا نفتش خلف الإرهابيين ونتجاهل الإرهاب، نترك الفكرة تنمو وتتوسع وتغزو العقول، ثم نطارد فقط من يحاول أن يحصد زرع الكراهية بيديه، ويأخذ من الفكرة إلى الحركة، ومن الكتاب والمنبر إلى القنبلة.

الفوارق بين فيلم موضوعه «الإرهاب» وأفلام أخرى اجتهد صناعها فى التعاطى مع ذات العنوان، ليست فقط فى الظرف الزمانى الذى يواكب الانتهاء منه والاستعداد لعرضه، ولا فى شخصية الكبيرين فى إبداعهما «إبراهيم عيسى ومجدى أحمد على»، وإنما لأنه فيلم لا يغفل جوهر الأفكار أمام استسهال التعامل مع الظواهر والأشكال النمطية عن الإرهاب والإرهابيين، فيسهب فى فضح بيئة إنتاج هذه الأفكار، وضبط بذرة زرع الكراهية والتكفير ورفض الآخر واستسهال إيذائه وإزهاق روحه.

لا أعرف إن كان الأزهر ومشايخه من المتعاطين مع السينما، رغم تجربة شخصية قصيرة، وجدت فيها موقفاً غامضاً ومضطرباً من الفنون دون تمييز، لكن وسط ادعاء بالانشغال بتجديد الخطاب الدينى، وتشكيل اللجان لهذا الغرض، فمشاهدة هذا الفيلم على الأقل «واجب وظيفى»، لمناقشة أفكار واكتشاف سحر السينما الذى من الممكن أن يلخص جهداً جهيداً من الحكى والرطان والمناقشات فى شريط مصور وممتع ومشوق، لا يترك من يشاهده يخرج مشوشاً أو بعيداً عن مقاصد الدين فى هذا الاتجاه أو ذاك.

وفوق ذلك بينما يقول «مجلس النواب» إنه مشغول بمحاربة الإرهاب وتعديل القوانين، اعتقاداً بأن القوانين غير المغلظة هى التى تُغرى الإرهاببين بإرهابهم، لابد أن تسعى الشركة المنتجة لتنظيم عرض خاص لأعضاء البرلمان، لعلهم يدركون أن كلمة إبراهيم عيسى فى محاربة الإرهاب والضرب فى الجذور وليس الفروع، أمضى وأكثر تأثيراً من أى قانون غليظ لا يطول إلا من ينفذ الإرهاب فيما يسمح لمن يصنعون فكرته بالإفلات!
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع