بقلم: قرين وهبه المحامي
على مدى الدورتين السابقتين لمجلس نقابة المحاميين المصرية ويتنازع نقابة المحاميين تياران أيدلوجيان كلاً منهما يريد استخدام نقابة المحاميين في خدمة التيار الذي ينتمي إليه، وإن كان كل منهما يستعين ببعض الأعضاء الذين ينتمون للحزب الوطني بصورة شخصية ويخدمون التيار الذي يعتقدون أنه حملهم إلى مجلس نقابة المحاميين.
واستمر هذا الوضع قائم على مدى أقل بقليل من ثماني سنوات، تفرغ كل منهما لخدمة التيار الذي ينتمي إليه واشتدت المعارك بينهما في العلن طوال هذه المدة على مَن يسيطر على الصندوق المالي لنقابة المحاميين ولم نسمع على الإطلاق بأنه حدث خلاف بين التيارين وكان أساسه مصلحة نقابة المحاميين أو المحاميين، ولم يشعر المحامين بأي فائدة عادت عليهم أو حتى تحقق وعد واحد من وعودهم الانتخابية.

وفي أواخر الفترة الأخيرة قدم لمجلس الشعب مشروع قانون بتعديل قانون المحاماة وكان طلب النقيب السابق في مادته الأولى ببقاء آخر مجلس ليدير نقابة المحاميين ويتكون من النقباء الفرعيين برئاسة أخر نقيب، واعترض التيار الآخر على ذلك وتم تعديله بإدخال أعضاء المجلس فيه وهم من التيار الديني.
الأمر الذي جعل السيد الرئيس يتدخل وألغى تلك المادة برمتها، ثم صدر بعد ذلك حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان مجلس نقابة المحاميين للتلاعب في الانتخابات وكان ذلك قبل نهاية المدة بشهور قليلة.
الأمر الذي دعا غالبية المحاميين للاعتقاد بأن هذا الحكم جاء في هذا التوقيت خصيصاً خدمة للنقيب السابق حتى يستطيع الترشح لمدة ثالثة يمنعها قانون المحاماة ولكن السؤال هنا: إذا كانت الانتخابات قد حكم بتزويرها والدولة حسب إعلانها الظاهري لا تريد الإخوان المسلمين في المجلس فمن الذي زوّر لصالح الإخوان المسلمين؟؟
وتتلاحق الأحداث ويقوم أعداء الأمس بعمل جمعية عمومية مشتركة بينهما، الأمر الذي اعتقد معه المحامين بأن الخلافات التي كانت بين التيارين هي خلافات ظاهرية فقط، ودارت الأحداث وفتح باب الترشيح ثم توقفت الانتخابات إلى أن تحدد لها يوم 23/5/2009.
والسؤال هنا: على مَن يقع الاختيار ليكون نقيباً للمحامين؟ ولإلقاء نظرة على نقابة المحامين في الفترة السابقة نجدها ابتعدت تماماً عن دورها الوطني المصري تحديداً، وبعد أن كانت قلعة للحريات أصبحت مرتعاً للديكتاتوريات، بعدما كانت تدافع عن حقوق الإنسان والحريات العامة أصبحت تعمل ضدهما، بعدما كانت ملاذاً للضعفاء والمقهورين أصبحت مرتعا للجلادين.

قد يعتقد البعض بأني ضد أي فكر أو رأي لا، أنا لا أمانع في أن يكون أعضاء المجلس أو النقيب إخوانياً أو ناصرياً أو مسيحياً أو بهائياً أو لا دين له طالما يدير النقابة إدارة قانونية مشروعة، ولكن أن تخطف نقابة المحامين إلى تيارات بعينها كما حدث في الفترتين السابقتين أحدهما يكفر ما يخالفونه والآخر ينعت ما يخالفونه بالخيانة فهذا اعتقد أنه غير مقبول من أي محامي على الإطلاق.

أما هذه الانتخابات بعد أن كان يتنازعها تياران، دخل تيار ثالث وهو الحزب الوطني وإن كان منضماً لأحدهما وكان الأمر من الممكن أن يمر لأن محامين الحزب الوطني هم زملاء لنا، ولكن ما دار في أحد المؤتمرات التي أوصت أمانة المهنيين لكل الزملاء المحاميين بأن الانتماء الحزبي يجب الانتماء المهني فتخوفنا أيضاً لأن هذا أمر خطير جداً على نقابة المحاميين.
فبعد أن كنّا نحن المحاميين نواجه تياران أصبحا الآن ثلاثة كل منهم يعتقد بأن العمل الحزبي يجب العمل المهني ولا أعتقد أن جموع المحاميين في أي حزب ترضى لنقابتها ومهنتها الشريفة أن تمتهن باسم الأحزاب أو التيارات الأخرى، فهل يستطيع المحامين إخراج نقابتنا من هذا الظلام الدامس وتحريرها من براثن الأيدلوجية الحزبية والتيارات الأخرى أياً كانت حتى تكون سنداً للمحاميين في مهنتهم وترعى شئونهم؟؟
ومن اللافت للنظر أن خرجت بعض اللافتات مَن يدعون أنهم المحامون الإسلاميين ورابطة المحاميين الإسلاميين ولجنة الشريعة الإسلامية وأصبحت لافتات طائفية مخيفة للوطن المصري الأصيل.

أما عن المحامين الأقباط فحدّث ولا حرج، بالرغم من أنهم كثرة يُعمل لها حساب إلا إن المجلس السابق استطاع أن يخرجهم منه بكل جدارة لتشرذم بعضهم والثقة المفرطة التي أعطوها للنقيب السابق الذي تخلى عن وعده لأحدهم على مدى الدورتين السابقتين خصوصاً بعدما تحول الناخب بكل أسف إلى ناخب ديني. والسؤال هنا هل يستطيع المحامون الأقباط على كثرتهم أن يهبوا لإعادة التوازن لنقابة المحاميين وأن يحققوا الرقم الصعب ويختاروا نقيباً مهنياً مصرياً أصيلاً لا ينحرف ناحية الشرق أو الغرب على حساب مصلحة المحامين ونقابتهم ومصر وشعبها بمختلف أديانه وأعراقه؟ وأن يستفيدوا من التجربة المُرة لنقابة المحامين في الدورتين السابقتين وأن يختاروا مجلساً من المحامين المشهود لهم بالكفاءة والاعتدال والإخلاص دون النظر لدينهم أو عقيدتهم... والله الموفق.