الأقباط متحدون - عندما تتخطى المصالح الاقتصادية الدين والمذهب والدم
  • ١٢:٠٤
  • الاثنين , ٢٦ ديسمبر ٢٠١٦
English version

عندما تتخطى المصالح الاقتصادية الدين والمذهب والدم

مقالات مختارة | سليمان شفيق

٢٩: ١٠ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٦ ديسمبر ٢٠١٦

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

هذه المصالح جعلت روسيا تتغاضى عن إسقاط تركيا لطائرتها ثم تقفز على دم سفيرها نحو حلب!!
 
وارى جسد السفير الروسى المغتال التراب وسط احتفال مهيب وتقليد الفقيد أعلى وسام روسى، وبذلك تخطى بوتين عقبة غضب أسرته والرأى العام، وسبق أن تخطى بوتين عقبة سقوط الطائرة الروسية بالنيران التركية، الأمر الذى يدعونا للبحث فى العلاقات الروسية التركية لإدراك الأبعاد التى جعلت المصالح تقفز فوق الدماء، الأمر الذى يعود إلى خمسة قرون مضت.

العلاقات الروسية التركية بدأت حينما تبادل إيفان الثالث الأمير الكبير حاكم روسيا 1492 الرسائل مع السلطان العثمانى بايزيد الثانى حول التجارة البحرية بين البلدين، وافتتحت 1701 السفارة الروسية فى القسطنطينية، وفى 1991 أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وروسيا الاتحادية بصفتها الوريث للاتحاد السوفيتى.

ترتكز العلاقات التركية الروسية بالأساس على الروابط الاقتصادية كونها المحدد الأكبر للعلاقات بين البلدين، وحجر الزاوية الذى يمنع من تدهورها بأى شكل من الأشكال، خاصة فى ظل وجود جهاز مؤسسى للتعاون المشترك يسمى «المجلس الأعلى للتعاون التركى الروسى»، وتكمن عوامل القوة فى أن روسيا تعتبر أهم مورِّد للغاز الطبيعى لتركيا، إذ تستورد الأخيرة سنويا 16 مليار متر مكعب من الغاز الروسى عبر الخط البحرى «قرابة نصف وارداتها من الغاز الطبيعى»، إضافة إلى %12 من وارداتها النفطية، وهى ثانى أكبر شريك تجارى لتركيا، فى المقابل، تعد تركيا سابع شريك تجارى لروسيا وثانى أكبر سوق تصديرية لها بعد ألمانيا، وهى الوجهة الأولى للسياح الروس الذين يصل منهم إلى تركيا خمسة ملايين سائح سنويا.

وقد وقع البلدان أكثر من ستين اتفاقية فى مجالات التعاون المختلفة خاصة فى مجالات الطاقة الكهربائية وبناء سفن الشحن والنقل البحرى، وبينهما تبادل تجارى يزيد على 33 مليار دولار سنويا، ويتوقع أن يرتفع إلى مائة مليار بحلول عام 2023، وأصبح البروتوكول الخاص بانتهاء المباحثات الثنائية حول دخول السلع والخدمات الروسية للأسواق التركية فى إطار انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، الذى تم توقيعة فى 19 إبريل 2005 بأنقرة، أصبح حجر الزاوية فى ارتكاز العلاقات بين البلدين، كما جرت فى 2007 فعاليات سنة الثقافة الروسية فى أنقرة وفى 2008 جرت فى موسكو فعاليات سنة الثقافة التركية، وتعد منتجعات تركيا أفضل أماكن الاستجمام والسياحة للروس، وعلى سبيل المثال زار عدد غير مسبوق من السائحين الروس تركيا فى 2010 يقدرون بـ«3.11» مليون سائح روسى.

ولا ننسى أن %66 من شركات السياحة الروسية رأسمال روسى تركى مشترك، وربما هذا يلعب دورا كبيرا فى تأخر استئناف رحلات الطيران الروسية لمصر، كذلك فإن تركيا أردوغان تناور بعلاقاتها مع روسيا كمعادل موضوعى للتوازن مع عضويتها فى الناتو والتبعية للغرب الأمريكى من جهة وللضغط على الاتحاد الأوروبى من جهة أخرى، ولا تبتعد رؤية بوتين عن رؤية أردوغان، تركيا للدب الروسى هى المخرج الوحيد للشرق الأوسط، وتمثل لرجل المخابرات السابق بوتين اختراقا لعسكرى الدرك لحلف الأطلنطى، وفى سوريا غض بوتين النظر عن إزاحة الجيش التركى للأكراد واحتلال شريط حدودى مقابل أن تغض تركيا البصر عن كل معارك الجيش العربى السورى وحليفه الروسى ضد الغرب وحلفائه الخليجيين، وليس فى الأمر تكتيك ومناورة وقتية، لأن كلا من روسيا وتركيا ليس من مصلحتهما إقامة أى مناطق حكم ذاتى للأكراد حتى لا تمتد العدوى للأناضول أو منطقة شرق روسيا الكردية.

نحن أمام معادلات كثيرة ومعقدة يأتى فيها تبادل المصالح أهم من الأديان والعقائد «المسيحية الأرثوذكسية الروسية، وتركيا المسلمة السنية، وإيران الشيعية الاثنى عشرية، وسوريا الشيعية العلوية»، إضافة إلى أن تقارب ثلاث حضارات عريقة «الفارسية والعثمانية والروسية» وسقوط الاستقواء بالمذهب يشكل مؤشرا مهما جدا نحن المصريين أبناء الحضارة الأعرق، ليس هناك محور شيعى ومحور سنى، المصالح تجعل المختلفين دينيا وعقائديا بينهم وحدة دم أكثر من متفقى المذهب، بل تجعل روسيا تتغاضى عن إسقاط طائرتها ثم تقفز على دم السفير نحو حلب!!
 
هل تعى الدول التى حدثتنا عن صراع دينى أو مذهبى الدرس؟
هل نعيد النظر فى علاقاتنا ورؤيتنا للمنطقة؟
نقلا عن اليوم السابع

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع