الأقباط متحدون - الدين والسياسة فى مصر
  • ٢٠:٥٦
  • الاربعاء , ٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
English version

الدين والسياسة فى مصر

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٣٤: ٠٧ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢٨ ديسمبر ٢٠١٦

د. عماد جاد
د. عماد جاد

لمصر تاريخ عريق فى الخلط بين الدين والسياسة، فمصر القديمة شهدت تزاوج الدين والسياسة عبر علاقة الفرعون بكهنة المعابد، عبر انتساب الملوك للآلهة، وهو الأمر الذى وعاه بعض غزاة مصر الذين أرادوا كسب قلوب المصريين فنسبوا أنفسهم لآلهة المصريين. وعندما دخلت المسيحية مصر فى العقد السابع الميلادى (٦٢ ميلادية) وتحول غالبية المصريين إلى الديانة الجديدة، دافع المصريون عن عقيدتهم الجديدة فى مواجهة الرومان، ودفعوا مئات الآلاف من الشهداء دفاعاً عن عقيدتهم لدرجة ظهور تقويم مصرى قبطى هو تقويم الشهداء المعمول به حتى اليوم الذى بدأ بعصر معروف باسم عصر الاستشهاد. وعلى الرغم من كون مصر دولة صغيرة ضمن العالم المسيحى فى ذلك الوقت إلا أنها صدرت للعالم نظام الرهبنة، الذى هو اختراع مصرى خالص، كما قادت أكبر عملية انشقاق فى المسيحية عندما تمسكت بالنص المقدس وحرفيته فكانت الأرثوذكسية التى ظهرت على يد بطريرك الإسكندرية، فلم تقبل مصر أن تكون مجرد رقم ضمن أرقام فى العالم المسيحى بل كانت الرقم الصعب. وعندما تحول غالبية المصريين إلى الإسلام تولت مصر قيادة العالم الإسلامى، منها ظهر الدعاة وعلى أرضها بنى الأزهر الذى يعد مرجعية الإسلام السنى فى العالم، من أرضها خرج المفسرون والشراح.

على أرض مصر التقت الديانات الإبراهيمية الثلاث، فإلى مصر جاء يوسف الصديق وعاش اليهود أربعة قرون على أرض مصر ومنها خرج موسى، وإلى أحضان مصر جاءت العائلة المقدسة وعاشت ثلاث سنوات ونصف السنة.

ما نود التأكيد عليه هنا هو أن علاقة مصر بالدين قديمة وسابقة على الديانات الإبراهيمية، ولعب الدين دوراً محورياً فى حياة المصريين، وكان ذلك مفهوماً ومبرراً على مر التاريخ، وهو الأمر الذى لم يعد كذلك بعد تطور البشرية وظهور النظم السياسية التى شهدت تقييد سلطات الحكام، فقد واصل حكام مصر توظيف الدين لخدمة حكمهم، حدث ذلك فى عهد النظام الملكى، وفى ثورة يوليو ١٩٥٢، وبرز ذلك بشكل واضح فى عهد السادات الذى كثف من جرعة توظيف الدين لخدمة السياسة، وغيّر مواد الدستور حتى تسمح له بالترشح لأكثر من دورتين عبر النص على اعتبار الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع، مارس اللعبة مع الجماعات الإسلامية المتشددة فدفع حياته ثمناً للعبه بورقة الدين. جاء «مبارك» من بعده ومارس نفس اللعبة مع جماعة الإخوان، فكانت ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، ومن بعدها أطلق يد الجماعات والتنظيمات الدينية لتسيطر على المشهد السياسى فى مصر بالكامل، وتولت هذه الجماعات السلطة وخلطت بين الدينى والسياسى وبدأت فى وضع أساس لدولة دينية فى مصر. أقل من عام واحد وثار المصريون مرة ثانية رافضين الحكم الدينى بل رافضين للخلط بين الدين والسياسة، مطالبين ببناء نظام سياسى ديمقراطى، مطالبين بالحفاظ على قدسية الدين بعيداً عن التجار والسماسرة، فقد كانت سنة حكم الجماعة ضارة بالدين كثيراً، حيث أدى كذب وزيف هذه الجماعات إلى صدمة فى أوساط الشباب ففر البعض منهم إلى الإلحاد.

نعم، لمصر والمصريين علاقة تاريخية بالدين وكثيراً ما جرى الخلط بينهما لمصلحة الحكام ورجال الدين، وكشفت تجارب الشعوب عالمياً وتجربة الشعب المصرى عام حكم الجماعة، عن ضرورة الفصل بين الدين والسياسة والتوقف عن توظيف الدين فى خدمة السياسة والحكام، إنها دعوة لفصل الدين عن السياسة لا عن المجتمع، هى دعوة لفصل المقدس المطلق عن الوضعى المتغير من أجل حفظ قدسية الدين من ناحية وبناء نظام سياسى ديمقراطى من ناحية ثانية.
نقلا عن الوطن
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع