إسقاط الجنسية المصرية!
مقالات مختارة | حمدي رزق
الاربعاء ٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
ابتُليت الأوساط السياسية أخيرا بسيل من دعاوى «الحسبة السياسية» التى طالت الكثير بلا تمييز، ولعل أخطر مظاهرها دعاوى إسقاط الجنسية، التى باتت سلاحاً مشرعاً فى وجه الجميع.
يكفى بلاغ بالعمالة والخيانة والذى منه، ليجد المدَّعَى عليه نفسه مشلوحاً، مُهدَّداً بفقدان الجنسية المصرية، وعادة ما تكون الدعاوى التى تشغل الدوائر القضائية غيابية!
هذا الأسبوع تابعت دعويين من هذه النوعية الغريبة، الأولى ضد الدكتور «يوسف بطرس غالى»، وزير مالية مبارك، تختصم وزير الداخلية، وتطالبه بإسقاط الجنسية عن الوزير الشهير، الذى تحول إلى رقم صعب فى الدوائر الاقتصادية العالمية من موقعه كمستشار اقتصادى لخمس حكومات، منها حكومتا نيجيريا وأنجولا.
والثانية ضد الإعلامى «باسم يوسف»، الذى صار رقماً «تويتريا» عالمياً، ويتابعه الملايين داخل وخارج مصر، ويلاحق هو عن كثب الحالة المصرية معارضاً وناقداً وساخراً، مما يجر عليه لعنات تبلورت فى دعوى إسقاط الجنسية المنظورة قضائيا.
مثل هذه الدعاوى العقورة تطارد نخبة من العقول المصرية، التى شكلت حالة مصرية متوهجة فى سنوات قريبة مضت، لعل أبرزها الدكتور محمد البرادعى، نائب رئيس الجمهورية «المستقيل»، الذى طاردته مثل هذه الدعاوى فى المحاكم، ولم تُصِبْ منه مغنماً، ولا يزال هو الخبير المصرى الدولى الحاصل على جائزة نوبل للسلام.
معلوم هناك حزمة دعاوى قضائية لسحب الجنسية من إعلاميين وكُتاب وصحفيين متهمين بالتحريض على الدولة المصرية من منفاهم الاختيارى سواء فى الدوحة أو لندن أو اسطنبول، والقائمة تطال حتى المتعاطفين مع الإخوان، والذين خرجوا مع الخارجين ضد ثورة 30 يونيو.
لا نملك ثبتاً بالدعاوى من هذه النوعية، ولكن من كثرتها صارت ظاهرة، صحيح لم تذهب المحاكم المصرية بعد إلى سحب الجنسية من أى من هؤلاء، لكنه سلاح خطير مُشهر فى وجه المعارضين، وكل صباح هناك مَن يحمل أوراقه، مدَّعياً على شخص ما بالخيانة ويطلب إسقاط الجنسية عنه.
أعلم أن هناك متحمسين لإسقاط الجنسية عن هؤلاء جزاء على ما تقدم منهم ضد «30 يونيو» ورموزها، وهناك مشروع «تحت نظر البرلمان» لإسقاط الجنسية عن القتلة الإرهابيين، والتمييز هنا واجب وضرورى، المعارضون لون والإرهابيون لون آخر، الإرهابيون يستحقون الشنق ليس سحب الجنسية!.
معلوم الجنسية بالميلاد، الجنسية وطن، ولطالما لم تثبت فى حق المواطن المصرى جناية «الخيانة العظمى» بحكم قضائى باتّ، الجنسية حق يستحيل استلابه من مواطن مصرى، وإن كان معارضاً صنديداً، وهذه السطور لا تقف عند اسم بعينه، ولكن تقف أمام دعاوى كثيرة تمت تعبئتها فى بلاغات إلى النائب العام لتُحال إلى المحاكم، وتشمل قائمة طويلة من الأسماء.
لو استجابت المحاكم المصرية لسيل البلاغات المنهمر فوق الرؤوس، لكانت كالجائحة السياسية، يكفى بلاغ واتهام، وقد تصدر الأحكام غيابية تنزع الجنسية، وسحب الجنسية هو أقسى العقوبات قاطبة، وإسقاط الجنسية محكوم بأحكام بالقانون، ولكن البلاغات صارت مثل سوط عذاب، تهديدا ووعيدا، أخشى أنها نوع من الاستبداد السياسى يمارسه نفر من المؤلفة قلوبهم، أو طالبى الشهرة، وكلاهما وجه لعملة رديئة للأسف تجد سوقاً رائجة فى ظل الاحتراب السياسى.
كم من البلاغات تُقدم يومياً، وجميعها تستهدف ليس المعارضين فحسب، بل ستدور الدوائر على نفر من المؤيدين إذا شقُّوا عصا الطاعة. الجائحة يقينا لن تستثنى أحداً، وهنا وجه الخطورة، خلاصته إسقاط الجنسية ليس طريقاً نسلكه مع المعارضين، وكنا بالأمس معارضين للإخوان، لو استجابت المحاكم لطلبات إسقاط الجنسية أيام الإخوان لتعرَّى قسم كبير من المصريين من الجنسية المصرية!.
نقلا عن المصري اليوم