الأقباط متحدون | عودة الروح بعد مذبحة الإسكندرية؟!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:٥٦ | الأحد ٢٣ يناير ٢٠١١ | ١٥ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٨٥ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

عودة الروح بعد مذبحة الإسكندرية؟!

الأحد ٢٣ يناير ٢٠١١ - ٤٤: ٠٤ م +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: فرانسوا باسيلي 
سؤالان فى مطلع العام الجديد 2011 الأول: هل مظاهر الوحدة الوطنية ووقوف الكثير من المسلمين بجانب المسيحيين فى مصابهم فى مذبحة كنيسة القديسين بالإسكندرية يدل على "عودة الروح" الوطنية الواحدة إلى مصر والمصريين بعد غيبة أكثر من ثلث قرن من التمزق الطائفى والدروشة الدينية؟
    والسؤال الثانى هو: هل سيظل النظام المصرى يحكم بعد ثورة تونس، بنفس الأسلوب الذى كان يحكم به قبلها على مدى الثلاثين عاما الماضية، وهل يمكن "عودة الوعى" للنظام فيفيق من غفوته ويعيد النظر منتقدا ذاته ومغيرا مساره؟

    "عودة الروح"  فى السؤال الأول ، و"عودة الوعى" فى السؤال الثانى هما تعبيران للمفكر والأديب المصري الشهير توفيق الحكيم. كتب الحكيم "عودة الروح" عام 1933 وأعتبرت نبوءة لظهور المخلص الذى سينقذ مصر من غيبوبتها،  وقد تأثر جمال عبد الناصر في شبابه بالفكرة التي دفعته إلي الاعجاب الشديد بالحكيم طيلة حياته حتى حينما كتب الحكيم مسرحيات مثل السلطان الحائر وبعدها "بنك القلق" وفيهما ما يمكن أن يعتبر نقدا لغياب الديموقراطية والحرية فى مصر الثورة ،ولم يصادر ناصر هذه الاعمال رغم طلب عبد الحكيم عامر بهذا.
  
  أما "عودة الوعى" فكتبه الحكيم فى عام 1972 بعد رحيل عبد الناصر وفيه قال أن وعيه كان مغيبا طيل سنوات الثورة بسبب سحر وعودها، وأن الوعى قد عاد له الآن (!) وهو موقف بالغ الغرابة من كاتب شهير يطلق عليه لقب "المفكر" شغله الأساسي هو التفكير أن يقول أن وعيه كان غائبا لعشرين عاما! وكان الأكثر صدقا لو قال ان شجاعته كانت هى الغائبة لأن الكثيرين من المثقفين وقتها دخلوا المعتقلات بسبب إعلانهم لمواقفهم " الواعية" المعارضة  ورفضهم التنازل عنها تملقا للسلطة أو رضوخا لها. نموذج توفيق الحكيم مازال موجودا فى مصر اليوم فى كتاب و"مفكرين" لا يعود لهم الوعى إلا بعد زوال النظام!
عودة الروح؟
 
   كنت أغالب الدموع وأنا أتابع على مدى أسبوع مظاهرة إعلامية وثقافية وشعبية عاشتها مصر بعد مذبحة القديسين فى الإسكندرية، فإذا بمصر تهب هبة امرأة واحدة (مصر لدى الكثيرين "هى أمي" ولدى البعض هى "مرات أبويا" مثل مؤلف لكتاب بهذا العنوان) وتسمرت أمام الفضائيات المصرية أتابع مشاهد مظاهرات الوحدة الوطنية التى ترفع شعارات ولافتات الهلال وفى قلبه الصليب، وهتافات تصرخ: "عاش الهلال مع الصليب" والآلاف من شباب مصر وقد وضعوا صورة الصليب فى حضن الهلال بدلا من صورتهم الشخصية فى مواقعهم على الفيس بوك، وسمعت العشرات من المواطنين تقابلهم الكاميرات فى الشوارع فيقولون فى عفوية أنهم متألمون لمصاب إخواتهم الأقباط- وأن الجميع أخوة فى الوطن الواحد، وكل يحكى عن جيرانه وأصحابه من المسلمين والمسيحيين، وأن مصر وطن الجميع ورحت أشاهد صورة الصليب والهلال بجانب إسم كل قناة طوال الوقت وسمعت عددا من الأناشيد الوطنية تحكى عن حسن ومرقس، وتراتيل دينية ترتل لمحمد والمسيح، فكانت مظاهرة عاطفية وطنية شجية ومؤثرة لم أتمالك أمامها إلا أن أتأثر وأدمع – ثم أنفعل وأغضب متسائلا: وما دمتم قادرين على الارتفاع إلى مثل هذا المستوى من الوطنية والتلاحم والمودة والتراحم فلماذا تركتمونا ثلاثين عاما نتنفس هواء الفتنة الطائفية الملوث ونتطوح فى موالد الدروشة الدينية الزائفة البالية؟!

ومن المسئول عن غياب هذه الروح طيلة هذه المدة؟ لقد  عاشت مصر أسبوعا بالغ الجمال والعذوبة والأمل والتحضر، آمنت فيه بإمكانية "عودة الروح" إلى هذا البلد الأمين والشعب الطيب المرح الحزين، الذى ارتفع إلى مستوى الحدث وعاد فجأة إلى أصله الحصين ومعدنه الثمين، وسمعنا عن مسلمات محجبات يحملن الشموع وينتظرن خروج الأقباط من كنائسهم ليلة عيد الميلاد لتحيتهم ومجاملتهم بأجمل المشاعر وأنبلها، إن الشخصية المصرية الحقيقية هى تلك التى تنضح بالمرح والمودة والمجاملة، وقد ظهرت على حقيقتها مع عودة الروح إليها فى الأسبوع الأول من يناير 2011، أعادتها أرواح أكثر من عشرين شهيدا صعدت لبارئها تشكو ما فعله فيها شقيقها قابيل لدى المسلمين أو قايين لدى المسيحيين.

وبقية السؤال هو: هل عودة الروح هذه دائمة أم مؤقتة؟ لقد إنقضى الأسبوع الجميل وعاد الإعلام والشارع والناس إلى حالاتهم العادية فهل ستقوم القيادات السياسية والثقافية والإعلامية والتعليمية فى مصر باتخاذ إجراءات تجعل من عودة الروح المصرية حالة دائمة وحميمة بعد غياب ثلث قرن؟

هل ستعيد وزارة التربية والتعليم النظر فى مناهجها التى قامت بتغييب عقول جيلين كاملين لم يتعلموا أسلوب التفكير العلمى والمنهج العقلانى فى التفكير والتساؤل، فأخرجت لنا الملايين من البشر بلا قدرة على التمييز بين الحقائق والخرافات، ولا بين المقاصد السامية للدين وألاعيب المتاجرين به الذين لا يقدمون للشباب سوى فتاوى بائسة وتعاليم مشوهة، فأخرجت الملايين من العصر وأدخلتهم فى دوامة من السلوكيات الشكلية والقضايا الوهمية والأحقاد الطائفية   بينما راحت مصر تنحدر بهم إلى قاع الدول فى مختلف المقاييس العالمية من تعليم وجامعات وحريات وحقوق وإنجازات وحضارة؟ 
وستقدم لنا الأشهر القليلة القادمة إجابة لسؤالنا هذا.

أما السؤال الثانى: هل سيعود الوعى للنظام المصرى فيغير من أسلوب حكمه بعد ثورة الشارع التونسى التى طردت حاكمها بعد ثلاثة وعشرين عاما؟ فيستحق أن نعالجه في مقال مستقل.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :