قراءة في قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام
يوسف سيدهم
الأحد ١ يناير ٢٠١٧
بقلم : يوسف سيدهم
قانون تنظيم العمل الصحفي والإعلامي الذي سبق أن عرفناه باسم القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام والذي تناولته بالقراءة في هذا المكان بتاريخ 2016/1/31 وكان الأب الروحي له المجلس الأعلي للصحافة مع نقابة الصحفيين, يطل علينا الآن في ثوب مختلف بعد أن أعادت الحكومة صياغته ليتواءم مع الدستور وتقدمت به لمجلس النواب باسم قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام.. وبعد دراسته ومناقشته وتعديل بعض بنوده في كل من لجنة الثقافة والإعلام واجتماعات المجلس تحت القبة وافق المجلس عليه بشكل نهائي الأربعاء قبل الماضي 14 ديسمبر الجاري.
القانون في ثوبه الجديد ليس تجنيبا للقانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام ولا هو مصادرة من جانب الحكومة لجهود المجلس الأعلي للصحافة ونقابة الصحفيين, إنما هو بمثابة مرحلة أولي في مسار إصدار التشريعات المنظمة للصحافة والإعلام ليتواءم مع الدستور ويتسق مع توصيات مجلس الدولة في هذا الشأن.. إذ أن الدستور ينص في مادته رقم (211) علي تأسيس المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام ويحدد اختصاصاته في مجال الصحافة المطبوعة والرقمية والإعلام المسموع والمرئي كما ينص علي أن يؤخذ رأي المجلس في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عمله.
كما أن الدستور في المادة رقم (212) ينص علي تأسيس الهيئة الوطنية للصحافة لإدارة شئون المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وعلي أن يؤخذ رأي الهيئة في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عملها.. وبالمثل تنص المادة (213) علي تأسيس الهيئة الوطنية للإعلام لإدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والرقمية المملوكة للدولة وعلي أن يؤخذ رأي الهيئة في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عملها.
لذلك كان لزاما علي الحكومة من الناحية الإجرائية أن تتقدم للبرلمان بتشريعات تنظيم الصحافة والإعلام علي مرحلتين: المرحلة الأولي التي نحن بصددها تخص التأسيس المؤسسي للمجلس والهيئتين حتي يتم تشكيلهم وتنظيم عملهم قبل صياغة القوانين واللوائح المنظمة للصحافة والإعلام -المرحلة الثانية- التي يتوجب عرضها عليهم قبل إصدارها.. وتلك ضمانة دستورية يتعين إعمالها.
فإن أدركنا ذلك, لن يكون هناك مبرر للتخوفات التي أثيرت في بعض الدوائر الصحفية والإعلامية ومؤادها أن الحكومة تؤخر عمدا مناقشة مشروع قانون الصحافة والإعلام وهي التخوفات التي أثارت لغطا وغضبا واحتجاجا من جانب المجلس الأعلي للصحافة ونقابة الصحفيين بلغ حد مقاطعة كل من المجلس والنقابة المشاركة في مناقشة قانون التنظيم المؤسسي التي دعت إليها لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب.. والحقيقة أن الجهد المخلص والمضني الذي بذله المجلس الأعلي للصحافة ونقابة الصحفيين في إنجاز القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام لم يذهب سدي, إنما هو باق لحين شروع الحكومة في المرحلة الثانية بما يحويه من ضوابط يضمن استقلال العمل الصحفي والإعلامي علاوة علي ضوابط حماية المجتمع وحفظ حقه في إعلام مهني محترم خاضع للمواثيق والرقابة والمساءلة.
والآن تعالوا معي في جولة عبر قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام للتعرف علي أبرز ملامحه:
** يتم تشكيل ثلاث هيئات جديدة لتنظيم عمل المؤسسات الصحفية والإعلامية طبقا لما جاء بمواد الدستور: مجلس أعلي لتنظيم الإعلام, وهيئة وطنية للصحافة, وهيئة وطنية للإعلام. علي أن تحل الهيئة الوطنية للصحافة محل المجلس الأعلي للصحافة, وتحل الهيئة الوطنية للإعلام محل اتحاد الإذاعة والتليفزيون. ويتم تشكيل كل من المجلس والهيئتين من 13 عضوا يعين رئيس الجمهورية ثلاثة منهم من ذوي الخبرة الصحفية والإعلامية وتكون مدة العضوية 4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة.
** يحدد القانون اختصاصات المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام وتتضمن تلقي الإخطارات بتأسيس الصحف ومنح التراخيص اللازمة لتأسيس وسائل الإعلام المسموع والمرئي والرقمي. علاوة علي وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بأصول المهنة وأخلاقياتها, بالتنسيق مع النقابات المعنية, بالإضافة إلي تلقي وفحص الشكاوي المتصلة بما ينشر في الصحف أو يبث في وسائل الإعلام ويكون منطويا علي المساس بسمعة الأفراد أو التعرض لحياتهم الخاصة, وللمجلس اتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية في حال مخالفتها للقانون أو مواثيق الشرف المهنية, وله إحالة الصحفي أو الإعلامي إلي النقابة المعنية لمساءلته, كما أن للمجلس أن يضع القواعد والضوابط التي تضمن حماية حقوق المواطنين وضمان جودة المواد التي تقدم لهم, مع وضع نظام لمراقبة مصادر التمويل في المؤسسات الصحفية والإعلامية بما يضمن سلامة وشفافية هذا التمويل ومراقبة تنفيذه. وللمجلس أيضا وضع الضوابط التي تكفل حرية المنافسة وتمنع تقييدها مع تحديد حد أقصي لنسبة المادة الإعلانية إلي المادة الإعلامية في وسائل الإعلام والصحف.
** الهيئة الوطنية للصحافة تتولي إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتعمل علي تطويرها وتنمية أصولها وضمان استقلالها وحيادها والتزامها بأداء مهني رشيد من خلال آليات علمية للرصد والمتابعة والتقويم.
** الهيئة الوطنية للإعلام تتولي إدارة المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة لتقديم خدمات البث الإذاعي والتليفزيوني والرقمي وتعمل علي تنمية أصولها وضمان التزامها بمقتضيات الأمن القومي ووصول خدماتها إلي جميع أرجاء الجمهورية بشكل عادل, علاوة علي ضمان التزامها بمعايير المحتوي الإعلامي وحق المستهلك في الحصول عليها.
*** هذه هي الملامح الرئيسية لتشكيل الأعمدة الثلاثة للعمل الصحفي والإعلامي المملوك للدولة.. لكن ماذا في شأن المؤسسات الصحفية والإعلامية التابعة لشركات واستثمارات خاصة؟.. هل يأتي ذلك ضمن المرحلة الثانية؟