«ماشى ولا بيدى»..!
مقالات مختارة | د. محمود خليل
الجمعة ٦ يناير ٢٠١٧
أحاديث تطفو ثم تخبو عن تغيير وزارى متوقع. منذ عدة أشهر والعديد من النوافذ الإعلامية تتحدث عن وجود نية لتشكيل حكومة جديدة، ثم تتبخر هذه الأحاديث فى الهواء. هناك قدر واضح من الغضب على أداء حكومة المهندس شريف إسماعيل، نتيجة الإجراءات الاقتصادية القاسية التى اتخذتها من ناحية، وبسبب عجزها طيلة الشهور الماضية عن حل عدد من المشكلات التى تواجه الاقتصاد المصرى، مثل إنعاش السياحة والاستثمار، وخلافه، ناهيك عن إحساس ترسخ لدى المواطن -خلال السنوات الماضية- أن هذه الحكومة، وكذا الحكومة التى سبقتها، لا تشارك بالدرجة المطلوبة فى المشروعات الكبرى التى تتبناها السلطة فى مصر.
فى تقديرى أن العامل الأساسى لتعطل عجلة التغيير الوزارى يرتبط بإحجام العديد من الشخصيات عن قبول المسئولية فى ظل الأوضاع الحالية التى يعيشها الشارع المصرى. فلو أنك سألت أى مواطن عن حاله اليوم، فلن تسمع منه سوى الشكوى أو البكاء أو الهجوم على ما آلت إليه أسعار السلع الغذائية والأدوية وفواتير الغاز والمياه والكهرباء والتعليم وكل شىء. وهو باستمرار يلصق تهمة التعقيد الذى أصاب معيشته بالحكومة التى تدير الأمر، ويسخر من أحاديثها عن ثرائه، وغمزها على صور الطوابير التى تتراص داخل المولات الكبيرة فى حالة تخفيض الأسعار، أو على منافذ حجز الشقق، أو حجز السيارات وخلافه!. أى حكومة جديدة تعلم أنها لن تكون أسعد حظاً من التى سبقتها، وأنها فى ظل الظروف والسياقات الحالية لن تستطيع أن تؤدى بصورة أفضل. نتيجة لذلك يصبح الإحجام والتردد هو سيد الموقف لدى العديد من الشخصيات التى تُعرض عليها رئاسة الحكومة، أو أى من وزاراتها.
يرتبط بهذا الأمر مسألة مهمة ينبغى أن نفكر فيها، وهى ترتبط بفكرة التغيير فى حد ذاتها. مشكلة كبرى أن يعتبر البعض أن تبديل الوجوه يعنى التغيير. كم حكومة تعاقبت على هذا البلد منذ آخر حكومة فى عهد مبارك (حكومة أحمد نظيف)، وحتى الآن؟. إنها حكومات عديدة، ولا يستطيع أحد أن يفرق أو يميز بين مستوى أو منهجية أداء كل حكومة من هذه الحكومات. فالكل يؤدى بنفس الطريقة ويتبنى نفس الأفكار ويؤمن بحلول لا تتبدل للمشكلات. الوجوه تتغير، لكن السياسات ثابتة لا تتغير. ولو أنك طلبت من أى مواطن أن يقارن لك بين الأحوال منذ آخر حكومات ما قبل ثورة يناير وحتى الآن، فسيرد عليك بأن «الأحوال فى النازل»، ويعنى ذلك ببساطة أننا دولة تدفعها الظروف والسياقات أكثر مما تحركها الخطط والتصورات التى تؤدى إلى حل مشكلات الواقع، وأن اسم من يقود الحكومة لا يهم ولا يؤثر، لأنه فى كل الأحوال يؤدى حسب «الظروف»، وليس طبقاً لإرادة سياسية حقيقية.. إنها أزمة تتشابه -مع الفارق- مع ما كان يردده عبدالحليم حافظ، حين غنى «على حسب الريح.. ما يودى الريح ما يودى.. وياه أنا ماشى.. ماشى ولا بيدى»!. ولن تتغير هذه المعادلة إلا عندما يصبح الدستور أقوى من المسئول، والفكر والرؤية أهم من الشخص، والشخص أقوى من الظرف.. ساعتها سيصبح «كله بيده»!.
نقلا عن الوطن