الأقباط متحدون - الثورة تأكل الأبناء
  • ٢٠:٥٠
  • الجمعة , ٦ يناير ٢٠١٧
English version

الثورة تأكل الأبناء

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٣٣: ١٠ ص +02:00 EET

الجمعة ٦ يناير ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

فى علم دراسة الثورات يجرى التمييز بين أكثر من مرحلة تمر بها الثورة، فى مرحلة أولى يكون الخطاب عاماً توافقياً لجمع أكبر عدد من المؤيدين والأنصار، وعادة ما يجرى الدفع بوجه أو وجوه مقبولة من الرأى العام لتصدُّر المشهد، ويحدث ذلك عندما يقف تيار معين وراء الثورة ولا يرغب فى أن يُعرف ذلك أو يبدو أنه الطرف الأقوى فى المعادلة. وبعد أن يتحقق الاطمئنان لسلامة التوجه العام، تبدأ مرحلة ثانية تُعرف فى علم الثورات بمرحلة «الثورة تأكل أبناءها» وهو تعبير يُستخدم للدلالة على بدء مرحلة إزاحة الفريق الذى كان موجوداً فى المشهد أو تم الدفع به إلى صدارة المشهد كى يتولى الأمر الفريق أو الجماعة الأقوى أو التى تمتلك قوة حقيقية. ويكشف تاريخ الثورات فى العالم أن هذه المرحلة عادة ما تكون مرحلة دموية، بمعنى أنها تشهد تصفيات جسدية، سواء تمثلت فى اغتيالات أو أحكام بالإعدام. وتُعد الثورة الإسلامية فى إيران عام ١٩٧٩ النموذج الأبرز فى منطقتنا فى القرن العشرين على المرور بهذه المراحل، فرغم أن القوى الثورية فى إيران كانت متنوعة ومتعددة فإن التيار الدينى كان الأكثر قوة وتماسكاً على الأرض، ورغم أن رمز الثورة كان الإمام الخومينى الذى كان منفياً فى باريس فإنه لم يكن يرغب فى تصدُّر المشهد رسمياً حتى لا يخسر قوى اليسار وفئات عديدة فى المجتمع الإيرانى كانت تلتقى فى معارضة حكم الشاه رضا بهلوى ولكنها لا تقبل بأن يكون البديل حكماً دينياً. من هنا شهدت المرحلة الأولى فى الثورة الإيرانية، وتحديداً بعد رحيل الشاه، نوعاً من تقاسم السلطة، قبل فيه التيار الدينى أن يتصدر المدنيون المشهد، فكانت رئاسة الجمهورية من نصيب الحسن بنى صدر وكانت حكومته مدنية بالكامل.

فى مرحلة تالية، وبعد أن يستتب الأمر للنظام الجديد، تبدأ مرحلة ثانية لإزاحة من فى السلطة حتى يحكم التيار الأقوى مباشرة ودون شراكة أو وساطة، فلم يعد التيار الأقوى فى حاجة للحكم من وراء ستار، بل بات فى مقدوره الحكم مباشرة وإقامة النظام الذى يريد، وشهدت هذه المرحلة تصفيات جسدية لمن تولى قيادة المرحلة الأولى، ونذكر هنا أن أول رئيس لإيران بعد الثورة، الحسن بنى صدر، هرب من البلاد عبر التنكر فى زى سيدة منتقبة، وجاء هروبه قبل القبض عليه لإعدامه كما حدث مع عدد كبير من رموز اليسار الإيرانى.

وعادة ما توصف المرحلة الأولى بالنقاء الثورى، وتكون رموزها أكثر إيماناً بالمبادئ الثورية والقيم الإنسانية، ولكنهم غير قادرين بحكم التكوين الفكرى والنفسى على ممارسة السياسة كلعبة قذرة، ومن ثم عادة ما يكونون أول ضحايا شركاء الثورة.

لم تخرج ثورة فى العالم عن هذه القاعدة، فمن يتصدر المشهد فى اليوم الأول للثورة عادة ما لا يستمر طويلاً ويكون دوره مؤقتاً ووفق حسابات معقدة، الفارق بين ثورة وأخرى ليس فى مراحل الثورة ولكن فى طريقة التعاطى مع رفقاء الصف الأول أو المشهد الأول، ما بين إزاحة هادئة وتحديد إقامة إلى القتل اغتيالاً أو بالقانون. فلا توجد شراكة فى الثورات، توجد مصادر للقوة على الأرض وفى الشارع من يملكها تكون له الكلمة العليا.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع