فوق سطح الميسترال
مقالات مختارة | عماد الدين حسين
الأحد ٨ يناير ٢٠١٧
فى الرابعة والنصف من عصر يوم الخميس الماضى كنت أتمنى أن يكون معى تليفونى المحمول أو أى كاميرا كى ألتقط صورة لنفسى على سطح حاملة المروحيات «الميسترال» فرنسية الصنع، والتى أطلقت عليها مصر اسم الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»، وهى تقف فى القاعدة البحرية بسفاجا، لاننا تركنا هواتفنا فى الصباح الباكر جدا قبل دخولنا القاعدة البحرية.
فى هذه اللحظة كانت الصورة مثالية ومغرقة فى الشاعرية.. الشمس تتجه للمغيب وجبال سفاجا العالية تكتسى بلون الشفق شديد الاحمرار فى لوحة مدهشة، وأمامى البحر فى زرقته الساطعة.
قبل الصعود للسطح كنت وزميلى محمد السيد صالح رئيس تحرير المصرى اليوم قد انتهينا من تناول الغداء ونستعد للانصراف إلى المطار، وفى هذه اللحظة قررنا الصعود للسطح بصحبة العقيد ياسر عطية رئيس فرع الاعلام فى الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، علنا نجد أى شخص معه موبايل فيلتقط لنا صورة قد لا نتمكن من التقاطها مرة أخرى.
حينما وصلنا إلى السطح فى الدور السابع، وجدنا طائرة الرئيس عبدالفتاح السيسى المروحية ماتزال موجودة فى انتظاره. وقفنا لبرهة مع الواقفين وجاء الرئيس، وحيا الحاضرين ثم ركب الطائرة عائدا إلى القاهرة.
تجولنا على سطح الميسترال، وتأملنا مشهدها وهى تتوسط الجبال غربا والبحر الأحمر شرقا، وكلنا اسف لاننا لم نجد أى شخص يحمل تليفونه المحمول أو أى كاميرا.
قبل الصعود إلى السطح أيضا، كنا قد تجولنا فى بعض أقسام الميسترال ثم جلسنا فى قاعة اجتماعات بالدور الخامس، وجاء الرئيس السيسى واستمع إلى شرح من قائد الحاملة جمال عبدالناصر التى كانت صورته تتوسط مقدمة القاعة.
خلال حفل التدشين تحدث قائد الميسترال عن خصائصها فقال إنها واحدة من خمس مروحيات فى العالم من هذا الطراز، وصارت من اكبر الوحدات البحرية فى مصر، وترتفع عن سطح الماء 57 مترا، وتتسع لمئات الجنود وعشرات المروحيات والعربات المدرعة وبعض الدبابات، ومستشفى ميدانى به 69 سريرا وغرفتين للعمليات المجهزة، وغرفة للعناية المركزة، وقاعات اجتماعات ومطاعم كبيرة وسطح مجهز لاستقبال الطائرات ليلا ونهارا.
قائد الحاملة قال إنها تستطيع تنفيذ مهام الإنزال والنقل البحرى الاستراتيجى، وكذلك مهام الإخلاء وتقديم الدعم اللوجستى للمناطق المنكوبة، وأعمال البحث والإنقاذ إضافة بالطبع إلى تنفيذ العديد من المهام والمناورات والتدريبات المشتركة والقدرة العالية على القيادة والسيطرة واستخدام أحدث ما وصلت إيه التكنولوجيا العالمية من المستشعرات والاتصالات الحديثة.
خلال الاحتفال وقبل رفع العلم المصرى رسميا على الميسترال تناقشت مع كثيرين من القادة والمسئولين الذين حضروا احتفال هذا اليوم، والذى تضمن تدشين لواء العمليات البحرية الخاصة، وتطوير ميناء سفاجا وافتتاح ميناء أرقين البرى مع السودان. ما فهمته أن امتلاك مصر للميسترال سواء كانت جمال عبدالناصر فى البحر الأحمر أو «أنور السادات» فى البحر المتوسط، حقق للقوات البحرية المصرية قفزة كبيرة لا يدركها إلا المتخصصون. الحاملة جمال عبدالناصر قادرة على الوصول لاقصى الخليج العربى واقصى غرب افريقيا، اى إلى باب المندب وجيبوتى واثيوبيا لتأمين مدخل البحر الأحمر وحماية حرية الملاحة إلى قناة السويس، ورسالة لكل من يهمه الأمر بأن مصر لن تفرط فى حقوقها المائية إطلاقا.
اما الحاملة «السادات» فإن مهمتها الاساسية هى حماية حقوق الغاز البحرية الكبرى التى تم اكتشافها فى الشهور الأخيرة، وللأسف الشديد فإن البعض ما يزال يسأل فى سذاجة أو حسن أو سوء نية أو جهلا: لماذا نستورد مثل هذه الحاملات وكل هذه الاسلحة، بينما نعانى من أزمة اقتصادية طاحنة، وكأن هذه الأزمة تدفعنا لعدم التسلح، وأن نقول لكل المتربصين بنا وما اكثرهم: «أهلا وسهلا بكم.. يمكنكم تهديد أمنا القومى»!!
غادرنا سفاجا ونحن نشعر بالفخر، وكان يوما ممتعا لم يعكر صفوه الا رجرجة «الشينوك» وضيق «السى 130».. كان الله فى عون من يستخدمهما كثيرا.
نقلا عن الشروق