الأقباط متحدون - تأملات بعد شهر من حادث «البطرسية»
  • ٢٢:١٧
  • الثلاثاء , ١٠ يناير ٢٠١٧
English version

تأملات بعد شهر من حادث «البطرسية»

مقالات مختارة | حلمى النمنم

٠٨: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٧

حلمى النمنم
حلمى النمنم

الأحداث هى.. هى، والتاريخ يكرر نفسه، لكن ليس بشكل صارم، تختلف التفاصيل، وتتباين الخطوات، ويبقى المسار العام متقارباً، تبدأ العملية بمشاجرة فى الشارع أو شغب، أياً كان مصدره، ينتهى إلى نوع من العنف، وحبذا لو سالت دماء فى الشارع وسقوط قتلى، تبدو معه أجهزة الدولة عاجزة عن السيطرة على الأمور، ومن ثم يكون التنادى بتدخل أجنبى أو دولى، وغالباً تتطوع دولة كبرى بالتدخل، وينتهى الأمر باحتلال البلد أو تفتيته، هذا هو المسار العام فى منطقتنا طوال العصر الحديث.

- الإسكندرية، صيف سنة 1881، يتشاجر مالطى مع حمّار مصرى، المالطى ركب الحمار، وسيلة المواصلات العامة آنذاك، وفى نهاية الطريق رفض أن يدفع لصاحب الحمار الأجر، مشهد يحدث يومياً، لكن هذه المرة انتهت المشاجرة إلى عنف، بين مدافعين عن الحمار، ومنحازين إليه من الأهالى، وعدد من الأجانب انحازوا إلى المالطى انتهت المشاجرة بمقتل عدد من الأجانب والاعتداء على ممتلكاتهم، كان الوجدان العام معبأ، تجاه التدخل الأجنبى السافر فى شئون مصر، وسيطرة الأجانب على الكثير من الأمور، خاصة منذ أزمة الديون مع الخديو إسماعيل التى انتهت بعزله، تحدث مراسلو الصحف الأجنبية، الإنجليزية تحديداً، عن التهديد الذى يتعرض له الأجانب فى مصر وعجز الحكومة المصرية عن حمايتهم، وأثاروا مسألة «العنف» وتأثيرها على بورصة الإسكندرية وتطفيش رؤوس الأموال، لم تكذب الحكومة البريطانية خبراً وأرسلت أسطولها إلى الإسكندرية وراحت التهديدات والاستفزازات تنهال على مصر والمصريين، وانتهى الأمر باحتلال مصر سنة 1882، واستمر حتى سنة 1956؛ على النحو المعروف. الآن نعرف من الوثائق البريطانية، أن أحداث الشغب التى وقعت يوم شجار الحمّار مع المالطى، كانت مدبرة، وكانت مدفوعة من قِبل بريطانيا، وأنه تم تعمد استفزاز الوطنيين، للوصول إلى هذه النتيجة.

- المشهد يتكرر فى طهران سنة 1953، مع رئيس الوزراء محمد مصدق، وكان قد أمم شركات البترول، وانزعج منه البريطانيون والإدارة الأمريكية، التى ظنت أنه شيوعى ومدفوع إلى ذلك من الاتحاد السوفيتى، لاحظ أن المسألة كانت مجرد ظن، ولم تكن مؤكدة، وكان أن أخفى بعض كبار التجار عدداً من السلع، وحدثت أزمة «البازار» المعروفة، تحرك على أثرها بعض رجال الدين، منددين بالحكومة، وكان أن تم التدخل من قِبل الولايات المتحدة لإزاحة «مصدق» نهائياً وإلغاء كل سياساته وقراراته، وبات مؤكداً ومعلناً أن كل هذه الأحداث رتبتها الـC.I.A للإطاحة بمصدق، وأشرف «كيرمت روزفيلت» بنفسه على تنفيذ العملية.

نعود إلى مصر مرة ثانية، سبتمبر 1956، كانت مصر قد أممت قناة السويس، وكان نورى السعيد (باشا) رئيس وزراء العراق، نصح ليلة التأميم أنطونى إيدن رئيس وزراء بريطانيا «الآن يجب أن تضربه.. اضربه بقوة»، كان إيدن استعمارياً بامتياز وجاء إلى منصبه فى أعقاب شخصية تاريخية قوية «تشرشل» ويريد أن يثبت ذاته، فإذا بعبدالناصر، ذلك الزعيم البازغ ينتزع منه ومنهم قناة السويس، وهكذا أرسل بمن يغتال عبدالناصر ولم تنجح العملية، فكلفت المخابرات البريطانية مجموعة بأن تقوم بإحداث شغب فى الشارع تسيل معه دماء، تعقبه مظاهرات حاشدة، يبدو معها ضعف عبدالناصر وعدم قدرته على السيطرة، ومن ثم تهتز صورته، ويتم إسقاطه، وكانت بريطانيا جهزت البدلاء، لكن أجهزة الأمن المصرية تمكنت من القبض عليهم، وأجهضت العملية بأكملها، كان معظمهم من المصريين، ولما فشلت تلك الخطوة اتخذ إيدن خطوته الأخيرة بالعدوان الثلاثى؛ هذه الحكاية بأكملها كشف أحد رجال المخابرات البريطانية عنها النقاب.

فى ضوء هذه الوقائع التاريخية وغيرها كثير، دعونا نتأمل حادث الكنيسة البطرسية، بعد حوالى شهر من وقوعه، تفجير إرهابى داخل كنيسة عريقة، معروفة محلياً وعالمياً، دفن بها قبل شهور د. بطرس غالى «أمين عام الأمم المتحدة الأسبق»، على مقربة شديدة من الكاتدرائية المرقسية، ضحايا الحادث معظمهم نساء وأطفال، على الفور يتجمع عدد من الشبان أمام الكنيسة، يصدرون هتافات عدائية ضد الدولة، هتافات واضح أنها معدة سلفاً وليست من وحى اللحظة، ليس فيها إدانة للإرهاب ولا مطالبة للدولة بالرد، يقع هذا كله يوم المولد النبوى الشريف، وهو إجازة رسمية ويحتفل به المسلمون، ثم تأتى إعلامية شهيرة، وهى السيدة «لميس الحديدى»، فيتم الاعتداء عليها من هؤلاء الشباب، وتجرى محاولة لاغتيالها، ولنا أن نتخيل لو تحقق لهم ذلك، كيف كان المشهد ساعتها؟ وماذا كان الحكم على الدولة وقتها؟!! وكيف كان رد الفعل الدولى؟

نحن بإزاء حالة نموذجية كان يمكن أن تقود لشق الصف الوطنى، والاحتدام الطائفى، مسلم / قبطى، ضحايا من الأطفال والنساء داخل دار عبادة، يعنى افتقاد الأمن، ثم الاعتداء على إعلامى ومحاولة اغتيال إعلامية، ثم مظاهرات وهتافات و.. و.. ، والباقى معروف جيداً. من هؤلاء الذين نفذوا العملية الإرهابية؟! أجهزة الأمن توصلت إليهم، لكن من يقف خلفهم هناك؟! وأين يقف بالضبط؟! من هؤلاء الذين تجمعوا أمام الكنيسة البطرسية، وأين كانوا وما علاقة الشعارات والهتافات التى رددوها بالحدث؟ وما الهدف من محاولة اغتيال لميس الحديدى؟!! الكنيسة المصرية قالت إنهم ليسوا مسيحيين، سكان المنطقة أعلنوا أنهم ليسوا من بينهم، ولا هم أبناء المنطقة.

فى ضوء الخبرة التاريخية يمكن أن نتوقع، لكن الأمر المؤكد أن هناك استهدافاً لهذا البلد، كما استهدفت العراق، واستهدفت ليبيا وسوريا و..
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع