الأقباط متحدون - «مولانا».. فيلم فاضح ينبش جذور التطرف فى المجتمع المصرى
  • ٠٩:٣٢
  • الخميس , ١٢ يناير ٢٠١٧
English version

«مولانا».. فيلم فاضح ينبش جذور التطرف فى المجتمع المصرى

فن | الوفد

٠١: ٠٩ م +02:00 EET

الخميس ١٢ يناير ٢٠١٧

فيلم مولانا
فيلم مولانا

تنتفض السينما كلما حاصرها ظلام لا يتبدد، فرغم أن السينما لم تعد طاقة نور تهدى كل هائم، إلا أنها لم تتنازل يوما عن انتصارها للحقيقة إلا فى عمل ينبض بكل ما يختلج به المجتمع وما يؤرق هذا الوطن.

وفى الوقت الذى تختلج فيه قلوب المصريين، وتتمزق أجسادهم بموجات الإرهاب التى تضربنا، يأتى فيلم «مولانا» كعصا موسى ليشق ظلم الغواية والتطرف، باعتباره أحد أهم الأفلام واخزا الجرح، واضعا قبح كل منا فى مرآة حقيقته، إمعانا فى الوصول إلى أعماق إنسانيتنا التى دفنتها السياسة، وأهال التطرف عليها التراب، قبل أن نمتهن المقدسات ونحولها إلى شاهد قبر نزين به موات أنفسنا.

الفيلم كتب قصته وحواره إبراهيم عيسى، وكتب له السيناريو وأخرجه مجدى أحد على، لا يقدم مجرد شخصية عادية تعيش أزمات مجتمعية فى حقب حكم «مبارك»، تلقفها القراء فى الرواية التى تحمل نفس الاسم، ولكنه يقدم مجتمعا مهترئا، تتحكم السياسة فى دينه ودنياه، ويغوص فى قبور الوجدان الوطنى ليبحث عن جذور التطرف والعنف والإرهاب ليدين الجميع بلا استثناء فلا برىء بيننا وسط كل هذه الخطايا.

والغريب أن العمل فى صورته السينمائية لا ينتمى لإبراهيم عيسى، مع التخلى عن بعض أحداث قصته، كما لا ينتمى لمجدى أحمد على، كمخرج صاحب بصمة سينمائية فسينما مجدى أحمد على تكشف عن نفسها من الوهلة الأولى، وتظهر فيها ملامحه متمردة وشاعرية وتميل للمزج بين الإنسانى والغرائبى، ولكنه هنا يتصدى للعمل بجدية، واختلاف واضح فى التعاطى مع قضية التطرف الدينى، كطريق حتمى للإرهاب وإسالة الدماء، ولم يكن الفيلم يستشرف المستقبل بتفجير كنيسة فى نهايته، بل كان يعبر عن واقع نعيشه حتى أن حادث تفجير الكنيسة البطرسية، لحق بالفيلم بعد انتهاء تصويره بعدة أشهر، إذن نحن عمل يعكس المأساة التى نعيشها، فى إطار درامى محكم، لا يلقى فى وجوهنا بالحكم والمواعظ المجانية، ولكنه يمتطى صهوة الجرأة فى اختراق الإنسان وتشريحه، ويحسب لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية، إجازة هذا العمل دون حذف أو تشويه لأفكاره المتوازنة، التى لم تحد عن الموضوعية للحظة طوال أحداث العمل.

عناصر الفيلم تكاملت فى إطار درامى معبر عن القضية التى تبناها منذ مشاهده الأولى، ليقفز من خلاله عمرو سعد خطوات واسعة للأمام على سلم الأداء التمثيلى، مقدما الشخصية الأكثر اكتمالا من حيث البناء والتمثيل طوال تاريخه، متجاوزا الجميع بدور قلما يتكرر، وكثيرا ما يصفه البعض بأنه «دور العمر».

والشخصية الثرية منحت عمرو سعد طاقتها ليبدع، فلا هو أحد مشايخ الفضائيات الذين يتخذون الكلام فى الدين تجارة رابحة، ولا هو من الذين لا يخشون فى الحق لومة لائم، ليعترف أنه غير منزه عن الخطأ، فهو لا يقول كل الحقيقة، ولكنه لا ينكرها أو يبدلها، عملا بمبدأ ليس كل ما يعرف يقال، خاصة أن الشخصية التى تركت منابر المساجد لمنابر الفضائيات، مسحوقة تماما بما تحمله من تقبل للآخر، لدرجة تجعل صاحبها يستبدل الفعل بالتهكم، كما فى موقف زواج الفتاة المسيحية من أحد أقاربه، فهو لم يتدخل لمنع الزيجة التى يتعامل معها الناس باعتبارها فتحا عظيما، ولكنه سعى لكشف حقيقة نفور الفتاة من والده، كما كشف حقيقة استغلال زوجها المقبل لظروفها.

وفى النهاية يصدر العمل فكرة أن الجميع مسلمين ومسيحيين مفعول بهم لا فاعلين، فهم جزء من لعبة سياسية أكبر منهم والفتنة هى القتل فعلا لا مجازا.

لم يتصدر عمرو سعد المشهد التمثيلى منفردا، خاصة أن إدارة مجدى أحمد على لممثليه كانت غاية فى المهارة، ليعزف الجميع سيمفونية ممتعة، خاصة أن أغلب وجوه العمل ضيوف شرف، أبرزهم الفنان الراحل أحمد راتب الذى لم يغادرنا قبل أن يقدم دورا مختلفا ومعبرا، واقتنص فتحى عبدالوهاب نصيبه من التألق كضيف شرف لم يمر مرور الكرام، ولكنه أكمل جزءا كبيرا من الصورة العامة للعمل، وتقدم أحمد مجدى الصفوف كممثل قادر على تقديم شخصية صعبة ومركبة منحها بريقا خاصا، إضافة إلى مشاركة لطفى لبيب ودرة وإيمان العاصى وأحمد شامى ومجدى فكرى ورمزى العدل فى إطلالته الأولى كذلك دور المخضرم بيومى فؤاد والظهور الخاص والمتميز لصبرى فواز.

وعلى مستوى الصورة يغير مجدى أحمد على جلده أيضا، ويقدم «ديكوباج» يحمل عشرات الكادرات المميزة والاحترافية بكاميرا أحمد بشارى المميزة، التى حققت متعة بصرية مع جهد هند حيدر فى الديكور وتصميم المناظر، إضافة إلى تميز أزياء ريم العدل وحافظت سولافة نور الدين على إيقاع مشدود للعمل، إلا قليلا، كما تميزت موسيقى عادل حقى الممعنة فى إنسانيتها، إضافة إلى الإنتاج الذى تحمس لمغامرة محسوبة متمثلا فى الدكتور محمد العدل وأمجد صبرى ليقدما تجربة تحسب لهما وللفيلم المصرى، لأننا فى النهاية أمام فيلم فاضح لكل آثامنا، ويسقط كل أقنعة السياسة القبيحة عن وجه المقدسات، ليحررنا من قيود التطرف ويعيدنا إلى إنسانيتنا فى مواجهة الظلام، فلا وطن بلا إنسان.