الأقباط متحدون - إبراهيم عيسى فى «رحلة الدم» يُبدد أسطورة الفردوس الإسلامى المفقود
  • ٠٩:٣٣
  • السبت , ١٤ يناير ٢٠١٧
English version

إبراهيم عيسى فى «رحلة الدم» يُبدد أسطورة الفردوس الإسلامى المفقود

مقالات مختارة | سعد الدين ابراهيم

٣٦: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ١٤ يناير ٢٠١٧

سعد الدين ابراهيم
سعد الدين ابراهيم

كتاب إبراهيم عيسى الجديد «رحلة الدم» يُبدد ويكشف أغلى وأكذب ما يتعلمه المسلمون عن تاريخ الأوائل من أبناء دينهم، خاصة فى صدر الإسلام، وعصر الخُلفاء الراشدين (أبوبكر الصديق، وعُمر بن الخطاب، وعُثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب). فقد درجنا على الاعتقاد أن القرن الأول الهجرى، حيث تعاقب هؤلاء الخُلفاء الأربعة، بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كان عصراً ذهبياً، سادت فيه العدالة، والمحبة، والمودة، والتضامن، والإيثار، والتكامل، والتراحم بين المسلمين فى مكة والمدينة، وفى البُلدان التى فتحها المسلمون فى اليمن والعِراق والشام ومصر.

طبعاً، نحن تعلمنا مروراً، أن ثلاثة من هؤلاء الخُلفاء الراشدين، ماتوا قتلاً على أيدى مسلمين آخرين، من الذين أخذوا دينهم الجديد على أيدى الرسول محمد نفسه. ولكن ما يفعله إبراهيم عيسى فهو تفصيل هذه المعلومة، وما انطوت عليه وتبعها من أحداث واقتتال، بين المسلمين الأوائل. وأكثر من ذلك، يحصر لنا إبراهيم عيسى كل الاغتيالات التى حدثت خلال القرون التالية.

وقد عرفت إبراهيم عيسى منذ فترة سجنى الأولى (2000-2001)، فقد كان هو والراحل سلامة أحمد سلامة، الوحيدين اللذين لم يُشاركا فى الحملة المُمنهجة للهجوم على شخصى بقصد الاغتيال المعنوى، أو ما يُسمى بالإنجليزية Character Assassination. لذلك حرصت فى أول فرصة سنحت لى على الاتصال به، لشُكره، ودعوته للقاء فى مكتبى بالجامعة الأمريكية، فى مقرها القديم بميدان التحرير. وأهدانى الرجل روايته الأولى «مقتل الرجل الكبير»، التى بهرتنى بحنكتها الدرامية، رغم أنها كانت تحكى الصِراع على السُلطة، بعد وفاة الرئيس الذى لم يكن قد عيّن نائباً له. فكتمت حاشية الرئيس، خبر الوفاة عن الشعب، إلى أن يحسموا مسألة مَن سيخلفه. ولأن شخوص الحاشية كانوا، كما تصوّرهم وصوّرهم إبراهيم عيسى، طبق الأصل للشخصيات العامة التى كانت تُحيط بالرئيس مُبارك دون أن يُسمّيهم صراحة، فقد اكتسبت الرواية جاذبية شديدة، لمن يبدؤها. وهو ما حدث لى. فلم أتركها إلى أن انتهيت من قراءتها كاملة فى يومين مُتتاليين، رغم ضخامتها (357 صفحة) من ناحية، ورغم انشغالاتى الشديدة فى تلك الأيام من ناحية أخرى. وتوقعت للمؤلف مُستقبلاً باهراً فى عالمى الأدب والسياسة على السواء. فقد كانت شجاعته وجرأته، لا تقلان عن خياله ومهارته القصصية.

ثم قرأت لإبراهيم عيسى كل ما وقع تحت يدى من كتاباته الأدبية والصحفية والسياسية. ولا أذكر أنه خيّب ظنى أبداً. وكان آخرها، قبيل «رحلة الدم»، رواية «مولانا»، إلى أن سمعت مؤخراً أنها تحوّلت إلى فيلم سينمائى، لم أشاهده بعد، ولكنى أتطلع إلى ذلك بشوق شديد.

المُهم، فى موضوع هذا المقال عن «رحلة الدم»، أنها مُحاولة واعية ولكنها أمينة وصادقة، لا فى تشويه المسلمين الأوائل، ولكن فى نزع القداسة عنهم، وتصويرهم كبشر يُصيبون ويُخطئون، ولهم نزواتهم وأطماعهم الدنيوية المشروعة حيناً، وغير المشروعة أحياناً. والسؤال الضاغط والمُلح فى هذه الأيام، هو ما علاقة هذا النص الأدبى بالظروف التى نعيشها، كمصريين وكمسلمين فى مطلع القرن الحادى والعشرين، الميلادى، والخامس عشر الهجرى.

إن ما لم يقله إبراهيم عيسى فى نصه الأدبى، ولكنى استنتجته ضمنياً، هو الآتى:

إن تاريخ المسلمين الأوائل كما تعلّمناه كان تاريخاً مُعقماً، لا شوائب فيه. وهذا التاريخ المُعقم تقدمه الحركات الإسلامية المُعاصرة، وفى مُقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، كما لو كان فردوساً فقدناه، وهم الذين يبغون استعادته. وأن كلمتى السر فى هذه الاستعادة للفردوس المفقود، هما الشريعة والخِلافة. وظلّت أجيال بعد أجيال من المسلمين الصالحين يحلمون باستعادة فردوسهم المفقود، إن هم فقط أقاموا دولة الخِلافة وطبّقوا الشريعة، أى حكموا بالقرآن. ولذلك كانت ولا تزال صيحة المعركة عِندهم شعارات يحفظونها، عن ظهر قلب، ويُردّدونها بحماسة وإخلاص، ومُستعدون للتضحية فى سبيل تطبيقها. فالنبى زعيمهم، والقرآن دستورهم، والموت فى سبيل الله أغلى أمانيهم.

والموت فى سبيل الله أغلى الأمانى، لأن هناك فردوساً آخر، ينتظر الشُهداء والصدّيقين، وبه من الحور الحِسان ثلاثون عذراء، تنتظر كلاً منهم. أما النساء الشهيدات فوعدهن هو اللقاء مرة أخرى مع أزواجهن!!، أى أننا هنا بصدد تفرقة أخرى بين الرجال والنساء، حتى فى جنّات الخُلد!.

طبعاً، نحن نُدرك أن كل من حاولوا استعادة الفردوس المفقود، قد فشلوا فى مُحاولاتهم. ولنا فى أفغانستان وفى السعودية أسوتين. ونُجزم نحن بأنه يستحيل استعادة ذلك الفردوس، لأنه ببساطة لم يوجد على الأرض فى أى حقبة من تاريخ المسلمين. وما وُجد فى الواقع والحقيقة فقد كانت مجتمعات بشرية، حكمها حُكّام عادلون حيناً، وحُكّام مُستبدون أحياناً أكثر، وتآمر مسلمون عديدون على مسلمين آخرين، وقاتل وقتل مسلمون مسلمين آخرين لأطماع دنيوية: السُلطة والثروة والنساء.

وليس فى ذلك كله انتقاص من شأن الإسلام كرسالة سماوية، هدت أقواماً كثيرين داخل الجزيرة العربية، وخارجها، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، حتى أصبحت هذه الديانة السماوية السامية، بعد ثلاثة عشر قرناً، وفقا لأعداد معتنقيها، ثانى أكبر الرسالات السماوية، وثالث أكبر ديانة فى العالم ـ بعد البوذية والمسيحية، كما لا تعنى رسالة كتاب «رحلة الدم»، أن المسلمين أنقص من غيرهم. ولكنهم ليسوا بالضرورة خير أمة بين العالمين. حتى لو كانوا كذلك فى حقبة تاريخية سابقة، فهم بالقطع ليسوا كذلك فى الوقت الحاضر، ولم يكونوا كذلك طيلة القرون السبعة الأخيرة. وست فقط من دولهم الستين، تصنفها أدبيات التنمية، ضمن الثلاثين الأكثر تقدماً فى العالم، وهى ماليزيا، والكويت، والإمارات، وقطر، وتونس، وتركيا.

الأخطر مما جاء فى رواية «رحلة الدم»، أن مسلمين فى العقود الثلاثة الأخيرة، ذهبوا جوعى ومُشرّدين ولاجئين إلى الغرب المسيحى، وسرعان ما انخرطوا فى رحلات دموية ضد من أطعمهم من جوع ومن آواهم وأمّنهم من خوف.

علمت، بعد أن أنهيت كتابة هذا المقال الأسبوعى، أن السُلطة بدأت تُطارد إبراهيم عيسى، حيث أوقفت أو حرّضت على إيقاف برنامجه التليفزيونى «مع إبراهيم عيسى». ونحن نتضامن مع إبراهيم عيسى، كما تضامنا من قبل مع المُبدع الساخر، د. باسم يوسف. وإننى أحذر النظام أن التضييق على أصحاب الأصوات والأقلام الحُرة، هو بداية لنهاية عهدهم. والله على ما أقول شهيد.

وعلى الله قصد السبيل.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع