تهلل أيها الأردن !!
أندرو اشعياء
٠٠:
٠٤
م +02:00 EET
الاثنين ١٦ يناير ٢٠١٧
بقلم اندرو اشعياء
ترك السيد المسيح الجليل متجهًا إلى الأردن حيث يوحنا المعمدان الكاهن ابن الكاهن ليعتمد منه (مت 3: 13) قاطعًا مسافة ليست بقليلة، وربما انتظر يوحنا هذا اللقاء منذ فترات حيث "كان الشعب ينتظر، والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح" (لو 3: 15) فأجابهم يوحنا أن الذي يأتي بعده هو اقوى منه .. منتظرًا هذا اللقاء بشغف .. عجبًا فقد اعتمد الآلاف ولم يكن الروح ينزل عليهم وصعد الكثيرون وظلت الامور طبيعية ولهذا اشتد إشتياق المعمدان وحتمًا كان اشتاق الاردن الي خالقه مثل اشتياق يوحنا هذا الذي رقد قبلا للمسيح – تبارك اسمه - وهو في بطن اليصابات ..
حتمًا عندما اقترب السيد المسيح من النهر تهلل الاردن وإبتهجت ميائه وفاض نبعه واضطرم إشتياقه اكثر ليعلن ليوحنا أن القدوس قادم، فصرخ يوحنا في الجموع ليبعد كل واحد نفسه ليشير على الحمل الحقيقي متكلمًا واصفًا بحرارة انه هذا هو الذي يحمل خطيئة العالم كله ..
وفي منظر مهيب جدًا حتما ارتجفت له عظام يوحنا من إقتراب القدوس الازلي منه عندما سأله ان يعتمد. فأجاب يوحنا في وداعة: ربي .. انا نائب عنك، وليست الرئاسه مُلكي، فأنت وحدك القدوس ورئيس كهنتنا الأعظم .. كيف لي وأنا لا أستحق أن أحل سيور حذائك .. وربما ايضًا فكر سرًا: كيف للهباء أن يضع يده على لهيب النار .. كيف للقش أن يلقي يده على الجمرة .. ربي النهر بجانبي يغلي حبًا، وتكاد ميائه تبلعني فكيف لي ان اتجاسر لاضع يدي !. وفي هذا ربما أراد ايضًا أحد الملائكه والطغمات النورانيه الواقفه حول القدوس أن يجيب على يوحنا: إن كان يجب عليك يا يوحنا أن تمنع – تبارك اسمه - من المعمودية فكان لنا ان نتوسل اليه ألا ينزل الي صورة الناس متشبهًا بهم واضعًا ذاته أخذًا صورة عبد (القداس الغريغورى).. إن كان لك يا يوحنا ان تُجنبه الاقماط البسيطه لئلا يتقمط بها فكان علينا ان نتوسل اليه ان تكون ولادته تليق بمُلكه الأبدي وازليته .. وايضًا ربما ناجى المسبيين في اسافل الأرض يوحنا قائلين: لماذا يا يوحنا ؟! .. اتركه يستمر في دربه فنحن عطاشى إليه .. اُصمت يا يوحنا فأنت لن تصنع له إضافه، هو – تبارك اسمه – سيجعل المعمودية مخزن للسلاح، ولو لم يدخل اليه احد ويلبس منه سلاحًا لن يستطيع ان يحارب .. ستصير المعموديه به بطن تحبل وتلد ابناءًا روحيين .. فقطعه صوت البهي في رفق وقال له: "اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر حينئذ سمح له" (مت 3: 15)
نزل كلي القداسه الي المياه ليعتمد فأشتعلت المياه ببروق اللهيب وبينما كان يعتمد كانت تغتسل مياه الاردن في طهره .. حتمًا خرج وقتها ضباب واحاط النهر بألوان عجيبه وشق السماء صوت الآب معلنًا: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. وحلق ونزل واستثقر روحه القدوس بشبه جسم الحمامة على الابن المتجسد لينسج هنا ويضع عشه في المعمودية. نفض جسد الإله قطرات الأردن وهو صاعد من بين حضن المياه وفي حضن كلمات الآب إلتحف كابن حبيب وحيد ليس فيه من سراب ..
لقد ربط معلمنا بطرس الرسول بين المعمودية والقيامة، لأن المعمودية فيها موت وقيامة مستخدمًا قصة الطوفان (من رموز المعمودية في العهد القديم). إذ قال: " خَلَص قليلون، أى ثمانى أنفس بالماء"، فهم خلصوا من الماء. الفلك نجاهم من الغرق (الذى فيه) والماء نجاهم من الشر (خلص... بالماء) الماء غسل الدنيا من الشر والخطية. وفى المعمودية نغسل من الشر وننجو بالفلك.. "أنتم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح" (غل3: 27)، هذا هو الفلك الجديد الذى هو المسيح. الذى نلبسه فى المعمودية. والذى هو خارج المسيح يغرق فى الماء. اي الإنسان العتيق.
إنها المعمودية التي تعطي كل من اقترب منها ثياب النور ليتوشح بها .. إنها النبع التي يقف امام جرنها الكهنة واحبار الأرض ليهبوا بسلطانهم .. إنها الأم الجديدة التي تأخذ الشيوخ وتحبل بهم ليصيروا ابناءًا لله .. فنحن ترابيون وابناء الموت ولكن من عندها نصير ابناء الله .. بدونها كيف ندعو الله ابانا السماوي ؟! .. فالقديسة الطاهرة العذراء مريم اعطت جسدها للكلمة حتى يتجسد، وايضًا المعمودية اعطتنا روحه القدوس حتي نتجدد ..
فتعال يا داود فى وسطنا اليوم لتنطق بكرامة هذا العيد: صوت الرب على المياه الرب على المياه إله المجد أرعد .. البحر رأى فهرب والأردن رجع الى خلف مالك أيها البحر هربت اثبت لكى تتبارك. هوذا المياه قد رأت الخالق الجابل فخافت و أدركها الأضطراب والحيرة .. (ذكصولوجية عيد الغطاس).
حقًا نستطيع أن ندرك مدى اهتمام الكنيسة بالمعموديّة من كلمات القديس جيروم: "لم يكرز المخلّص نفسه بملكوت السماوات إلاّ بعد تقديسه الأردن بتغطيسه في العماد".