مين هو المستشار وفين صنايعيتك يا مصر؟!
مقالات مختارة | خالد منتصر
الاربعاء ١٨ يناير ٢٠١٧
إحساسى الآن هو نفس إحساس المؤرخ المصرى الذى استيقظ ذات صباح فوجد السلطان سليم الأول قد استولى على كل عمال مصر المهرة وسفّرهم إلى الأستانة!!، من المؤكد أن هذا المؤرخ فرك عينيه مندهشاً وظل يجوب الشوارع ومعه محبرته وأوراقه، باحثاً عن صنايعى تائه، متخبطاً متعثراً فى الفواعلية فقط، منادياً بأعلى صوته: «فين صنايعيتك يا مصر؟!»، وجدتنى أُردّد بعد حكم تيران وصنافير الصرخة نفسها التى انطلقت منذ عدة قرون، أستعيرها وأقتبسها بالألفاظ والحروف نفسها، وبنبرة الحيرة والصدمة ذاتها، فين صنايعيتك يا مصر، بداية من السباك الذى لا يجيد تركيب جلدة الحنفية والإعلامى الذى لا يُتقن حتى مخارج الحروف حتى الخبير القانونى الذى يحتاس فى عرض قضية تعيين حدود، أو السياسى الذى لا يعرف آلية عرضها ومناقشتها!، هذا الحكم الذى صدر يُعيد السؤال المقدس نفسه: من هم مستشارو الرئيس؟، ما الدائرة الضيّقة التى تُستشار فى القرارات، وتسدى النصح،
وتوضب المناخ، وتشرح الآلية، وتُستف الأوراق، وتضع الخطوط العريضة.. إلخ، تحدّثت من قبل عن أننا رضينا منذ فترة كبيرة بغياب الرجل السياسى الحصيف، فى ظل غياب المصنع الحزبى المسئول عن خط الإنتاج الذى ينسج ويغزل هؤلاء الساسة، اكتفينا بعدها بالتكنوقراط الشاطر، المهندس الشاطر لشئون الهندسة والطبيب الشاطر لشئون الصحة والمحاسب الشاطر لشئون المالية وهكذا، حتى «مبارك» كان محاطاً بهؤلاء، ومنهم من كان فاسداً سياسياً، لكنه على الأقل شاطر وماهر فى شغلانته، يعنى باختصار كان فيه بعض الصنايعية المهرة فى تخصصاتهم ووزاراتهم، الآن اختفى هؤلاء الصنايعية وكأنهم تبدّدوا وسافروا وهاجروا كما سافر وهاجر صنايعية مصر تحت حكم سليم الأول إلى الأستانة!، لا أجد إلا كلمة «الحوسة» عند التعامل مع أى فكرة أو تنفيذ أى قرار، أصحاب القرار محتاسين، مثل السباك الذى تنفجر ماسورة المياه فى وجهه، فلا يملك إلا إغلاق عينيه!، وأى سيناريو نرصد خطوطه وملامحه نجد هذه الحوسة متجسّدة، اختفى أسامة الباز الذى كان بجانب «مبارك»، لو كان هناك استنساخ «الباز» السياسى، هل كان سيتم التعامل مع ملف تيران وصنافير الحساس بهذه الحوسة واللخبطة وبكرة التريكو المعقّدة التى تزداد لخفنتها مع مرور الأيام؟، من هم المستشارون السياسيون الآن الواصلون إلى عقل وأذن الرئيس؟، هل نستطيع حصر أسمائهم بشفافية؟،
لو هم موجودون فعلاً، هل كان سيفتح هذا الملف فى هذا التوقيت المتزامن مع زيارة سلمان، مما يشعل الأسئلة ويمنح الفرصة الذهبية لمن يتربص بأن يطرح علامات استفهام عن صفقات فى الخفاء، واثق تمام الثقة أنها ليست موجودة، لكنها صارت مطروحة بسبب سوء التوقيت؟!، أما آلية الطرح وترتيب الأحداث فحدّث ولا حرج، سربعة وطلسأة وتخبط، ثلاثى الدمار الذى وسّع الخرق على الراتق، كان هناك حل إلقاء الكرة فى البرلمان فوراً، أو العرض على التحكيم الدولى من البداية.. إلخ، باختصار أى حل غير الذى حدث كان سيفك بكرة التريكو الملخفنة، وكان سيجعل حتى المواطن المأنتخ على الكنبة، الذى لا يفهم حرفاً فى السياسة ويجهل مكان تيران وصنافير أساساً، سيجعله داعماً كتفاً بكتف، مُبدداً أى توجس، ازداد تعقيد بكرة التريكو السياسية بتصريح رئاسى سريع عن سعودة الجزيرتين مع طلب بعدم إثارة القضية من جديد!، ألقى التصريح على أرضية ملتهبة بموضوع فنى معقّد حول حدود وخرائط واتفاقيات فى مجتمع عاشق للفتاوى بالفطرة، صِرنا فجأة أمام لوحة سريالية تحتمل كل التأويلات، مفتوحة على كل التفسيرات، وللأسف غير مفهومة، وفات أوان وضع رتوش أو ألوان عليها،
لتوضيحها بعد أن تسلم القضاء الملف، دخلنا «بيت جحا»، وكانت المتاهة الكبرى الموجود فى كل زاوية منها مخزن بارود على وشك الانفجار، سلطة تشريعية فى مواجهة سلطة قضائية، سلطة تنفيذية مجهز لها قائمة عار، إعلام متهم بالتواطؤ، الكل مزنوق فى خانة اليك من أعلى السلطة إلى قاعها، والجميع فى زنزانة التخبط حتى المواطن العادى حسن النية بات يسأل نفسه «هو أنا كده فاهم صح؟!، هو أنا كده أبقى خاين، ولّا مضحوك عليا، ولّا حسن النية؟!»، كان السؤال قديماً: «أليس فيكم رجل رشيد؟»، السؤال الآن أكثر تواضعاً: «أليس فيكم صنايعى ماهر ومستشار مخلص فاهم الشغلانة؟!».
نقلا عن الوطن