الأقباط متحدون - الحكيم المنير الذى حمل صليبه
  • ٠١:٣٨
  • الجمعة , ٢٠ يناير ٢٠١٧
English version

الحكيم المنير الذى حمل صليبه

مقالات مختارة | خالد منتصر

٥٠: ٠٦ م +02:00 EET

الجمعة ٢٠ يناير ٢٠١٧

خالد منتصر
خالد منتصر

كان المستشار حكيم منير صليب وهو يصدر حكمه فى قضية 18 و19 يناير ويتلو نص البراءة لـ176 متهماً بقلب نظام الحكم، وما أدراك ما هى تهمة قلب نظام الحكم التى ينتظر الرئيس نفسه أحكاماً رادعة تؤدب صانعى انتفاضة الحرامية كما وصفها، كان المستشار حكيم بالتعبير المسيحى يحمل صليبه مواجهاً النظام نفسه، ومتوقعاً هجمة شرسة وتلويث سمعة وقطع رزق وحصاراً مهنياً ووظيفياً وحياتياً أيضاً، كان يعرف ويتوقع كل هذا، خاصة أن جميع المتهمين من كوادر اليسار المصرى الذين من السهل اتهامهم بالشيوعية بكل ظلالها وتجلياتها المصرية الأسطورية العجيبة التى زرعت فى أذهان الناس صورة نمطية عن معتنقيها بداية من الشعر المنكوش والنظارة السميكة، وانتهاء بالكفر وتدخين الماريجوانا!!، واجه رجل اسمه حكيم منير صليب لا يملك إلا نزاهته ومصريته وحد الكفاف والستر، واجه سلطة شرسة كانت تداعب وقتها الإسلام السياسى وتجيّش جماعة الإخوان للسيطرة على عقول شباب الجامعات، سلاح تلويث السمعة والتجريس كان أسهل وأرخص الأسلحة التى يسلطها إعلام الرئيس على أى معارض، فما بالك بقاضٍ مسيحى يحكم فى أجواء محتقنة بنفاق تيار الإسلام السياسى!، لنقرأ بعض عبارات الحكم ويا ليتنا نستوعب ونستفيد ونتعظ وما أشبه اليوم بالبارحة، يقول المستشار حكيم منير:

«والذى لا شك فيه وتؤمن به هذه المحكمة ويطمئن إليه ضميرها ووجدانها، أن تلك الأحداث الجسام التى وقعت يومى 18 و19 يناير 1977 كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار، فهى متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب، ولا يمكن فى مجال العقل والمنطق أن ترد تلك الأحداث إلى سبب آخر غير تلك القرارات، فلقد أصدرت على حين غرة وعلى غير توقع من أحد، وفوجئ بها الناس جميعاً، بمن فيهم رجال الأمن، فكيف يمكن فى حكم العقل أن يستطيع أحد أن يتنبأ بها ثم يضع خطة لاستغلالها ثم ينزل إلى الشارع للناس محرضاً ومهيجاً».

«ولكن المحكمة وهى تتصدى لتلك الأحداث بالبحث والاستقصاء لعلها تستكشف عللها وأسبابها وحقيقة أمرها، لا بد أن تذكر ابتداء أن هناك معاناة اقتصادية كانت تأخذ بخناق الأمة المصرية فى ذلك الحين، وكانت هذه المعاناة تمتد لتشمل مجمل نواحى الحياة والضروريات الأساسية للإنسان المصرى، فقد كان المصريون يلاقون العنت وهم يحاولون الحصول على طعامهم وشرابهم، ويجابهون الصعاب وهم يواجهون صعوداً مستمراً فى الأسعار مع ثبات فى مقدار الدخول».

«وسط هذه المعاناة والصعاب كان يطرق أسماع المصريين أقوال المسئولين والسياسيين من رجال الحكومة فى ذلك الوقت تبشرهم بإقبال الرخاء، وتعرض عليهم الحلول الجذرية التى سوف تنهى أزماتهم، وتزين لهم الحياة الرغدة الميسرة المقبلة عليهم، وبينما أولاد هذا الشعب غارقون فى بحار الأمل التى تبثها فيهم أجهزة الإعلام صباح مساء، إذ بهم وعلى حين غرة يفاجأون بقرارات تصدرها الحكومة ترفع بها أسعار عديد من السلع الأساسية التى تمس حياتهم وأقواتهم اليومية، هكذا دون إعداد أو تمهيد، فأى انفعال زلزل قلوب هؤلاء الناس، وأى تناقض رهيب بين الآمال وقد بثت فى قلوبهم قبل تلك القرارات، وبين الإحباط الذى أصابهم به صدورها، ومن أين لجل هذا الشعب ومعظمهم محدود الدخل أن يوائموا بين دخول ثابتة وبين أسعار أصيبت بالجنون وإذا بفجوة هائلة تمزق قلوب المصريين ونفوسهم بين الآمال المنهارة والواقع المرير، وكان لهذا الانفعال وذلك التمزق أن يجدا لهما متنفساً وإذا بالأعداد الهائلة من هذا الشعب تخرج مندفعة إلى الطرقات والميادين، وكان هذا الخروج توافقياً وتلقائياً محضاً، وإذا بهذه الجموع تتلاحم هادرة زاحفة معلنة سخطها وغضبها على تلك القرارات التى وأدت الرخاء وحطمت الآمال وحاولت جهات الأمن أن تكبح الجماح وتسيطر على النظام، ولكن أنى لها هذا والغضب متأجج والآلام مهتاجة؟».

انتهى الاقتباس الذى لا بد أن نعيه ونفهم دلالاته ودروسه حتى لا يتحول الاقتباس إلى كابوس.
نقلا عن الوطن
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع