الأقباط متحدون - الطلاق بين الدين والسياسة
  • ١٦:٤٧
  • الخميس , ٢٦ يناير ٢٠١٧
English version

الطلاق بين الدين والسياسة

مقالات مختارة | عبد الناصر سلامة

٣١: ٠٦ م +02:00 EET

الخميس ٢٦ يناير ٢٠١٧

عبد الناصر سلامة
عبد الناصر سلامة

من المؤكد أن الطلاق فى الشريعة الإسلامية كالزواج تماماً، شأنٌ دينىٌ بحت، لم يخرج عن كونه كذلك فى يوم من الأيام، اللهم إلا إذا رأى البعض من نجوم المرحلة ذلك، من أمثال ميزو، ومظهريكو، وجنديكو، أو حتى من يمكن أن يدخل على الخط فى هذه القضية تحديداً من المشتاقين، المتمردين على الأزهر وشيخه، مادام الاتجاه السياسى يريدها كذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

فى أزمنة غابرة متعددة كان الجدل يدور سياسياً حول الزوجة الثانية، أو تعدد الزوجات عموماً، أو حول شقة الزوجية، أو حول الصداق والنفقة والمتعة والأثاث، إلى غير ذلك من تفاصيل تحتمل أكثر من وجه، أو تقبل الاجتهاد، إلا أن الأمر لم يتعد ذلك إلى التدخل فى شرعية الزواج أو الطلاق أبداً، ذلك أنها قضية محددة سلفاً بالحديث الصحيح: «ثلاث جدّهن جد، وهزلهن جد: النكاح (الزواج) والطلاق والعتق»، بما يؤكد أن مجرد الهزار، أو ما نراه مزاحاً، فى هذه أو تلك، هو فى حقيقة الأمر جد، إلى الحد الذى لا نحتاج فيه لا إلى أوراق، ولا إلى مأذون، ولا إلى وثائق، أو تسجيل من أى نوع.

خلال السنوات الأخيرة تحديداً، ومع تطور وتعدد وسائل التواصل الاجتماعى، كانت هناك أسئلة كثيرة وفتاوى أكثر، حول أوجه وقوع الطلاق تحديداً، وما إذا كان يمكن أن يتم بالهاتف، أو بالمراسلة، أو على الفيسبوك، أو الواتس آب، أو عن طريق صديق، أو غير ذلك من وسائل التواصل، كان هناك شبه إجماع على أن أياً من ذلك يوقع الطلاق، اللهم إلا مشايخ الفضائيات، وما أدراك ما مشايخ الفضائيات، حتى مفتى الديار السابق، الشيخ على جمعة، كان هذا رأيه، الذى آمل ألا يتغير مع ذلك الاتجاه السياسى الجديد، كل هؤلاء انطلقوا من (جدّهن جد، وهزلهن جد)، وما أجمع عليه الأئمة الأربعة من أن الطلاق الشفوى هو الأصل، وما المأذون والورق إلا تفاصيل.

بالتأكيد، كما تشير أرقام الطلاق فى مجتمعنا، نحن أمام مشكلة اجتماعية لاشك فى ذلك، من حق ولى الأمر البحث عن حل لها، وكما قال أحد المشايخ إن من حق ولى الأمر تقييد المباح، إلا أن ما غاب عن هذا وذاك أن المباح المقصود هنا هو المباح قانوناً، ذلك أنه ليس من حق أحد قاطبة تغيير المباح شرعاً، فلن يقبل المجتمع بأى حال من الأحوال، كما لن يقبل أى شخص بأن يعيش مع امرأة فى الحرام، لمجرد أن ولى الأمر أراد ذلك، أو أن هناك من علماء المرحلة من أجاز ذلك.

هناك، أيها السادة، قاعدة شرعية محورها: استفتِ قلبك، بمعنى أن هذا الشخص أو ذاك يعلم علم اليقين أنه قام بتطليق زوجته، بقوله وهو بكامل قواه العقلية: أنتِ طالق، من ذا الذى يمكن أن يجيز له الاستمرار فى الحياة معها، بينما ضميره سوف يؤرقه طوال الوقت؟ سوف يظل ينظر إلى ذلك الطفل الذى أتى بعد ذلك على أنه من حرام، وسوف يظل يفسر كل مصائبه على أنها نتيجة الحياة الحرام، وسوف يظل ينظر إلى حياته ككل على أنها حرام فى حرام، وهو ما يؤكد أن مثل هذه القضايا لا يمكن حسمها سياسياً، أو عن طريق وزارة التضامن الاجتماعى أو الشؤون الاجتماعية، أو حتى عن طريق العلماء الذين أشرنا إليهم سالفاً، وأمثالهم.

يبدو أنه قد غاب عن البعض الأسباب الرئيسية فى ذلك التحلل والانحلال المجتمعى، ومن بينه تلك النسبة المرتفعة فى تشرد الأطفال واتجاه الشباب إلى المخدرات، وأيضاً ذلك التفكك الأُسَرى، ومن بينه تلك النسبة المرتفعة فى الطلاق تحديداً، ذلك أن العامل الاقتصادى ممثلاً فى صعوبات الحياة، بدءاً من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتدنى الرواتب الشهرية والدخل المادى عموماً، ناهيك عن البطالة والأمراض النفسية والعصبية، التى نتجت عن هذه الأوضاع، كل ذلك كان سبباً رئيسياً فى ذلك الذى نحن بصدده، وهو الأمر الذى كان يجب أن نتوقف أمامه، بالبحث والتدقيق فى جذور المشكلة وعلاجها، وليس بالقفز عليها بقرارات فوقية، هى فى حقيقتها كارثية.

الأمر الأكثر غرابة هو أن رجال الدين إذا تحدثوا فى السياسة سمعنا من يقول: لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة، أما إذا حدث العكس فلا نسمع صوتاً لأحد.

على أى حال، وحسب المعلومات التاريخية، فإن توثيق زواج المسلمين لدى المأذون لم يكن إلزامياً فى مصر إلا منذ عام ١٩٣١، تاريخ سريان لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، أى أن اتساع رقعة المجتمع هى التى استدعت وجوده، بما يؤكد أن ذلك الوجود ما هو إلا تحصيل حاصل لحفظ الحقوق والأنساب، وبما يؤكد أن قول المرأة: زوّجتك نفسى، يُعد زواجاً لا حاجة لنا فيه إلى مأذون، كما قول الرجل: أنتِ طالق، يُعد طلاقاً لا حاجة فيه حتى إلى شهود.. ارحمونا يرحمكم الله، وتفرغوا لأعمالكم، بدلاً من تصدير مزيد من الكوارث للمجتمع، ذلك أن تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هى العلاج الناجع للمشكلة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع