هيئة «علماء الطيب» تصر على استمرار «الطلاق الشفهى» رغم رفض أئمة الأزهر له
أخبار مصرية | الوطن
الجمعة ٢٧ يناير ٢٠١٧
«إلغاء الطلاق الشفهى» هو حلم عدد كبير من العلماء المعاصرين وملايين المسلمين الذين تقف هيئة كبار علماء الأزهر فى تعنت واضح حائلاً دون رغبتهم من غير تبرير مقنع، بعد أن خاض الأئمة والمشايخ السابقون محمد عبده وجاد الحق ومحمد الغزالى ومحمد أبوزهرة معركة كبرى من أجل إلغائه.
وبرر الإمام محمد عبده الحاجة لإلغاء الطلاق الشفوى قائلاً: «مع ظهور الفساد فى الأخلاق والضعف فى العقول وعدم المبالاة بالمقاصد فلم لا يجوز أن يؤخذ بقول بعض الأئمة من أن الاستشهاد شرط فى صحة الطلاق، كما هو شرط فى صحة الزواج، كما تُشير الآية فى سورة الطلاق التى جاء فى آخرها (وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)، ويضيف الإمام محمد عبده فى المجلد الثانى من أعماله الكاملة: «أليس هذا أمراً صريحاً يجبرنا على وجود شهود فى الطلاق، واعتبار ذلك ركناً بدونه لا يكون الطلاق صحيحاً، فيمتنع بهذه الطريقة هذا النوع الكثير الوقوع من الطلاق (الشفهى) الذى يقع الآن بكلمة خرجت عن غير قصد ولا رويّة فى وقت غضب»، ويزيد الإمام الأمر وضوحاً بقوله: «نظن أن فى الأخذ بهذا الحكم موافقة لآية من كتاب الله ورعاية لمصالح الناس، وما يدرينا أن الله سبحانه وتعالى قد اطلع على ما تصل إليه الأمة فى زمان كزماننا هذا، فأنزل تلك الآية الكريمة لتكون نظاماً نرجع إليه عند الحاجة كما هو شأننا اليوم».
المشايخ «جاد الحق ومحمد الغزالى ومحمد أبوزهرة» خاضوا معركة كبرى من أجل إلغائه.. والإمام محمد عبده: فساد الأخلاق يُجبرنا على توثيق الانفصال بشهود
وقال الشيخ سيد العراقى، المدير العام السابق لإدارة البحوث والتأليف والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إن الشيخ جاد الحق على جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، هو أول من حرك قضية الإشهاد على الطلاق وتوثيقه، لكن اقتراحه قوبل باعتراض شديد من العلماء، خاصة من الشيخ محمد خاطر، مفتى الديار المصرية وقتها، رغم أن الشيخ جاد الحق عرض الاقتراح بطريقة جيدة، وقال إن بعض الناس يحلفون بالطلاق بصورة روتينية فى كل كبيرة وصغيرة، وإذا قلنا بوقوع مثل هذا الطلاق فإننا سوف نطلق الكثير من السيدات ويتم تفكيك آلاف الأسر وتشريد الأبناء، وربما لا يكون الأزواج يقصدون إيقاع الطلاق، وإنما يريدون الحلف فقط لتأكيد كلامهم ونحو ذلك.
وأضاف الشيخ العراقى: «شيخ الأزهر الأسبق طلب أن يكون الطلاق مثل الزواج لا يتم إلا بحضور شاهدين وبوثيقة رسمية، واستند فى كلامه إلى الكثير من الأدلة الشرعية، وأوضح أن ذهاب الزوجين إلى المأذون لإيقاع الطلاق وإحضار الشهود يؤكد رغبتهما الحقيقية فى إيقاع الطلاق، أما أن يحلف الزوج بالطلاق فى بيع أو شراء أو فى مشاجرة أو جدال فهذا ينبغى ألا نلتفت إليه، لكن إذا رغب الزوجان فى إيقاع الطلاق فعليهما الذهاب إلى المأذون، ولو قررا التراجع عن الطلاق قبل الوصول إلى المأذون فلهما الحق فى ذلك».
وأشار إلى أن علماء مجمع البحوث الإسلامية آنذاك رفضوا اقتراح الشيخ جاد الحق وتمسكوا برأيهم، وقالوا إن هذا الكلام يخالف الحرية الشخصية للمرأة وللرجل ويخالف الاجتهاد، وتم حذف هذا الاقتراح من مضبطة المجمع، مؤكداً أن هذه القضية تحتاج إلى جرأة وشجاعة من العلماء لتنفيذ هذا الاقتراح.
قائمة الرافضين للطلاق الشفهى تضم «الزرقا والسرطاوى والغندور وشقرة».. و«بيومى»: إذا ثبت العقد بشهود يجب أن ينتهى بشهود.. و«جاد الحق» أول من حرك ضرورة إثبات الطلاق
وعلق الإمام محمد أبوزهرة فى كتاب «الأحوال الشخصية» على قوله تعالى: «وأشهدوا ذوى عدل منكم»، قائلاً: «هذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر الطلاق وجواز الرجعة، ويؤكد أن حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يسدونها إلى الزوجين، فيكون لهما مخرج من الطلاق الذى هو أبغض الحلال إلى الله سبحانه وتعالى».
وأضاف: «لو كان لنا أن نختار للمعمول به فى مصر لاخترنا هذا الرأى، فيُشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين ليمكنهما مراجعة الزوجين فيضيّقان الدائرة، ولكيلا يكون الزوج فريسة لهواه، ولكى يمكن إثباته فى المستقبل فلا تجرى فيه المشاحنة، وينكره المطلق إن لم يكن له دين، والمرأة على علم به ولا تستطيع إثباته، فتكون فى حرج شديد، وقد قال الظاهرية لا يقع الطلاق إلا بعد إعلام الزوجة بالطلاق، وعلى ذلك إذا طلقها وهى غائبة فله الرجوع فيما قال وذلك أمر حسن».
ومن الأئمة الأزهريين المعاصرين المطالبين بإلغاء الطلاق الشفوى الشيخ محمد الغزالى الذى قال فى كتابه «قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة»: «أضم صوتى إلى من رفض الطلاق الذى ليس عليه إشهاد، فالشاهدان لا بد منهما لقبول العقد والرجعة والطلاق على سواء، وخير لنا نحن المسلمين أن نقتبس من تراثنا ما يصون مجتمعنا ويحميه من نزوات الأفراد».
وقال الشيخ على الخفيف فى كتابه «المحاضرات»: «فى رأيى أن اشتراط الإشهاد على الطلاق هو أقرب الآراء لتحقيق المصلحة، وإبعاده من أن يكون نتيجة غضب أو انفعال وقتى».
وأفرد الشيخ «السيد سابق» مساحة من كتابه «فقه السنة» لحشد أدلة لضرورة توثيق الطلاق ووجود الشهود.
وشملت قائمة المطالبين بإلغاء «الطلاق الشفوى» الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ محمد شقرة والدكتور محمود السرطاوى والدكتور أحمد الغندور، وجاء فى المادة 79 من مشروع قانون الأحوال الشخصية الذى قدمه مفتى الديار المصرية وشيخ الأزهر الشيخ جاد الحق والعلامة الشيخ مصطفى الزرقا (وهو مشروع القانون الذى تم تقديمه لدولة الوحدة بين مصر وسوريا) أن «الطلاق لا يقع إلا إذا تم توثيقه عند موثق».
ومن أكثر الأدلة على تعنت الهيئة غير المبرر أن الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو الهيئة، الذى توفاه الله منذ أسابيع، قال: «كلمة الطلاق يهتز لها عرش الرحمن لعظَم ما يترتب عليها من آثار، حيث تنهار أسر ويتشرد أطفال، ومن المؤسف أن عدم خشية الله من جانب بعض الأزواج جعل شرع الله لعبة فى أيديهم، ولهذا فإن اشتراط توثيق الطلاق، لضمان جدية الزوج وتنفيذه للآثار المترتبة عليه من نفقة للمطلقة وأولادها، اقتراح مقبول».
وقال الدكتور عبدالمعطى بيومى، عميد كلية أصول الدين الأسبق: «الطلاق اليوم خرج عن مهمته وهى «تسريح بإحسان» وأصبح لفظ الطلاق عقوبة أو تحدياً وانتقاماً، وقد يقع لأتفه الأسباب مع أنه فسخ لعقد شركة حياة، فإذا كان العقد قد ثبت بشهود، فمن باب أولى أن ينتهى بشهود، وهذا ما أقره القرآن الكريم فى قوله تعالى: «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ».