الأقباط متحدون - ثورة يناير بين الفلول والعسكر والإخوان
  • ٢٠:١١
  • السبت , ٢٨ يناير ٢٠١٧
English version

ثورة يناير بين الفلول والعسكر والإخوان

مقالات مختارة | بقلم: صلاح عيسي

٢٥: ٠٦ م +02:00 EET

السبت ٢٨ يناير ٢٠١٧

صلاح عيسي
صلاح عيسي

 انقسم الخطاب السياسى الذى بثه المحتفلون بالعيد السادس لثورة 25 يناير 2011، إلى ثلاثة تيارات رئيسية، ذهب الأول منها - وهو يعبر عن رؤية من كانوا يوصفون أثناء هذه الثورة وبعدها بقليل بـ«فلول النظام السابق الذى ثار عليه الشعب وطالبه بالرحيل - إلى أنها كانت مؤامرة استعمارية ثم التخطيط والإعداد لها، فى أقبية المخابرات المركزية الأمريكية والموساد، بهدف تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، وتفتيت الأمة العربية إلى كانتونات طائفية، والقضاء على المقاومة الفلسطينية لتظل إسرائيل هى القوة الرئيسية المهيمنة على المنطقة.

 
واتفق التياران الآخران على أنها كانت ثورة شعبية عفوية ضد الفساد والاستبداد والركود السياسى ومشروع التوريث، تهدف إلى تجديد النظام السياسى المصرى، بما يتواكب مع ضرورات العصر، ومع أنهما سلما بأن هذه الثورة قد اختطفت بعد فترة قصيرة من انتصارها، إلا أنهما اختلفا فى تحديد الخاطف، فبينما ذهبت جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها إلى الزعم بأن «العسكر» وأجهزة الدولة العميقة الموالية لهم، هم الذين خطفوا الثورة، وقاموا بما يوصف فى المصطلح الإخوانى بـ«انقلاب 3 يوليو 2013»، ليعيدوا الوضع فى مصر إلى «الكابوس» الذى جثم على صدرها منذ 23 يوليو 1952، جزم التيار الثالث - الذى يضم أغلبية المصريين - بأن الإخوان المسلمين هم الذين خطفوا ثورة يناير، وحاولوا أن يحتكروا ثمار النصر الذى حققه الشعب خلالها لحسابهم وحدهم وأن يوظفوه لإقامة فاشية دينية تتناقض مع هدف الثورة الرئيسى، وهو إقامة نظام حكم مدنى ديمقراطى تكون مصر خلاله داراً للمصريين جميعاً، وهو ما دفع الشعب لكى يثور ضدهم فى 30 يونيو 2013، لكى يسترد منهم الثورة التى سرقوها.
 
ذلك خلاف فى تقييم الثورات والثوّار، ليس جديداً على كتاب الثورات المصرية فى التاريخ المعاصر، فليست هذه أول مرة تشترك فيها القوات المسلحة المصرية فى الثورة الوطنية الديمقراطية، إذ سبق لها أن شاركت فى الثورة العرابية عام 1882، وفى ثورة 23 يوليو 1952، ولولا دعمها لثورتى 25 يناير و30 يونيو لما حققت الثورتان - على الرغم من الجماهير الحاشدة التى شاركت فيهما - أى نصر ملموس، وليس هذه أول مرة تنجح فيها الثورة، ثم يقع الخلاف بين القوى السياسية التى شاركت فيها، فقد تفتتت الجهة الوطنية التى قادت الثورة العرابية بعد بدء الغزو البريطانى لمصر، وانضمت إلى الخديو توفيق فى مساندة الغزاة، وأصدر خليفة المسلمين آنذاك، منشوراً كان يوزع على جنود الجيش، يدعوهم فيه إلى عدم مقاتلة الغزاة تحت راية «عرابى» لأنه عاص لولى الأمر خارج عن الملّة الإسلامية، وانقسم الوفد المصرى - الذى قاد ثورة 1919 - إلى فريقين يؤيد أحدهما «عدلى يكن» ويصف زعيم الثورة سعد زغلول بأنه «زعيم الرعاع» بينما وصف زعماء الطريق الآخر بأنهم «برادع الإنجليز».. وبعد شهور من ثورة 23 يوليو كان أربعة من أعضاء مجلس قيادة الثورة الـ13 يطردون من عضويته، ويقدم بعضهم إلى محاكم عسكرية بتهمة التآمر.
 
مشكلة الخلاف القائم الآن بين أطراف الجبهة السياسية والشعبية الواسعة، التى شاركت ودعمت ثورة 25 يناير 2011، حول تقييم الثورة والثوار، تكمن فى أن كثيرين منهم - لم يتنبهوا بالقدر الكافى إلى التغير الكبير الذى لحق بتشكيل هذه الجبهة، وحذف منها بعض القوى، وأضاف إليها قوى أخرى، منذ حققت أول وأهم أهدافها بتنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير 2011، إذ كان الهدف المشترك الذى يجمع بين أطرافها، حتى ذلك الحين، هو رحيل الرئيس، وكان العدو المشترك لها جميعاً هو رموز وفلول هذا النظام، بما فى ذلك قوات الشرطة التى كلفت بالتصدى للمظاهرات الثورية، واشتطت فى ذلك، خاصة بعد أن اتجه بعض المشاركين فى هذه المظاهرات إلى أشكال من العنف والتخريب أثارت الشكوك فى أن الهدف ليس مجرد إسقاط النظام.. ولكن إسقاط الدولة.
 
وما كاد هذا الهدف يتحقق بسهولة لم يكونوا يتوقعونها، حتى اكتشف الثوار، أنهم وإن كانوا قد اتفقوا على طبيعة النظام الذى لا يريدونه، إلا أنهم لم يتفقوا على أسس النظام الذى يحل محله، وتنبهوا إلى أنهم على عكس ما كانوا عليه أثناء احتشادهم فى ميدان التحرير، ليسوا موحدين، أو متساوين فى القوة، وأن من بينهم قوة أكثر تنظيماً ولديها مشروع تريد تحقيقه، بينما يتشرذمون بين أحزاب وائتلافات وتجمعات تشكل فى مجموعها الأغلبية، ولكنها بسبب تشرذمها وعدم تنظيمها وتشوش أفكارها وخروجها من حالة تصحر سياسى استمرت ثلاثين عاماً، أعجز من أن تواجه هذه الأقلية المنظمة، التى تملك - فضلاً عن ذلك - ميليشيات مسلحة ومدربة تهدد فى كل لحظة باستخدام العنف.
 
أما وقد نجح الإخوان المسلمون وحلفاؤهم فى خديعة الجميع، واستغلوا خبرتهم التنظيمية فى الهيمنة على سلطات الدولة، متذرعين بالاحتكام إلى صناديق الانتخابات، من البرلمان - بغرفتيه - إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، ليقودهم الشره إلى إتمام فتح مصر، إلى محاولة أخونة ما تبقى من سلطات ومؤسسات الدولة، وفى مقدمتها القضاء والجيش والشرطة!.
 
ولم يكن أمام بقية القوى والتيارات المدنية التى يعود إليها الفضل الأول فى تفجير الشرارات الأولى لثورة يناير، مفر من أن تحشد قواها وتتقدم لكى توقف زحف الجماعات الفاشية الدينية فى اتجاه تحويل الثورة إلى نكبة، ولم يكن أمامها مفر من أن تلجأ للقوات المسلحة، لكى تدعم تحركها، لأنها سوف تواجه جماعة تملك ميليشيات مسلحة، مما قد يجر البلاد إلى حرب أهلية، إذا لم يتدخل الجيش الوطنى للحيلولة دون ذلك.. وكان طبيعياً أن يشترك من كانوا يوصفون بأنهم فلول النظام السابق فى ثورة 30 يونيو، بعد أن أدركوا أن النظام الذى كانوا يؤيدونه قد أصبح جزءاً من الماضى، وليس من المستقبل، وأن الذى يتعرض للخطر، إذا ما استمر حكم الإخوان، هو مستقبل الوطن. وهكذا أسفرت ثورة 30 يونيو عن تشكيل جديد للجبهة الوطنية التى شاركت فى ثورة 25 يناير، تمثل فى خروج الإخوان المسلمين وحلفائهم من جبهة الثورة إلى جبهة أعداء الثورة، ونقل فلول النظام السابق من جبهة الأعداء إلى جبهة الثوار.
 
تلك حقيقة يتطلب البحث عن تداعياتها الإيجابية والسلبية، الانتظار إلى الأسبوع المقبل.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع