المسيح يُصلب في فلسطين
مدحت بشاي
٠٠:
١٢
ص +02:00 EET
الأحد ٢٩ يناير ٢٠١٧
بقلم : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
بالفعل ، ينطبق المثل العامي " اللي بعيد عن العين بعيد عن القلب " على حال الكاتب والناقد والمؤلف المسرحي والمترجم الرائع " نسيم مجلي " الطير المهاجر إلى بلاد العم سام ، فقد أبدى البعض دهشته حتى في أوساط العمل الثقافي عندما أعلن وزير الثقافة عن فوزه بجائزة الدولة للتفوق في الآداب و هي بالطبع جائزة رفيعة في قدرها والرجل يستحقها ، بل أجزم أنها تأخرت ، وقد يكون ابتعاده عن أرض الوطن سبباً في بعده عن عيون ومتابعة إبداعاته عبر مشوار طويل متد عبر نصف قرن من العمل الجاد والمثمر .. فكاتبنا من مواليد المنيا عام 1934 ، وتخرج في قسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة عام 1960، ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا فى النقد والأدب المسرحي من أكاديمية الفنون عام 1970.
عن " مجلي " يقول سامح سامي .. لقدعمل مدرسا للغة الانجليزية بوزارة التعليم المصرية لمدة تقترب من العشرين عاما، ثم انتدب للتدريس بقسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة من عام 1985 حتى عام 2000 ليتفرغ بعد ذلك كلية للبحث والكتابة، حسب صديقه المقرب الكاتب والناشط السياسي مجدي خليل، والذي كتب عنه مقالة وافية بمناسبة صدور كتاب مجلي عن بطرس بطرس غالى ..وحلم المدينة الفاضلة"، الصادر عن دار الشروق:" ورغم هذه الحياة الحافلة بالعمل المضنى فى التدريس بل وبعض الدروس الخصوصية لكى يستطيع الانفاق على أسرته ،إلا ان عطاءه الفكري كان، ولا يزال غزيرا متميزا، رغم أعباء العمل والأسرة".ويحسب لمجلي ، كاتب الزمن الستيني، إصداره لعدة دراسات وكتب تثير الجدل، خاصة دراساته العديدة عن لويس عوض، وإعادة نشر كتابه " مقدمة في فقه اللغة العربية"، هذا الكتاب الذي قوبل بالرفض والمصادرة إلا دار سينا للنشر كعادتها سابقا، نشرت الكتاب الذي كان أثار معارك ضد لويس عوض الذي فكك فيه نشأة اللغة العربية. كما أن للرجل جهوده المعتبرة في مجال تحقيق التراث، خاصة كتابه الشهير "لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة لابن مماتي"، وهو من الأدب الساخر. وأذكر أن الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، كان مهتما بعرض هذا الكتاب على صفحات جريدة الحياة اللندنية، وقت رئاسته للقسم الأدبي بها.
وحول الإصدار الأخير للكاتب نسيم مجلي " المسيح يُصلب في فلسطين " يذكر الكاتب أن المسرحية قد بُنيت
أساساً على حادثة فريدة وقعت في الفاتيكان حيث عقد المجمع المقدس دورته الثانية في 28 أكتوبر 1965 ، وأصدر وثيقة التسامح الديني بعنوان " إعلان عن علاقة الكنيسة الكاثوليكية بالديانات الأخرى غير المسيحية " وعبر هذا الإعلان بقوة عن روح التسامح تجاه جميع الديانات بما فيها الهندوكية والبوذية ، لكن هذا الموقف تجاه اليهود وتأكيد الوثيقة بأن يهود العالم اليوم ليسوا مسئولين عن جريمة صلب المسيح ، أثار عاصفة من الجدل والنقاش في الصحافة المصرية والعربية .
كما أن الكنيسة القبطية رفضت هذه الوثيقة على اعتبار أنها محاولة لتحريف النصوص المقدسة لخدمة أغراض إسرائيل التي تسعى لتوسيع احتلالها للأرض الفلسطينية . ووقفت الدولة المصرية بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر إلى جانب الكنيسة في رفضها للوثيقة واعتبرتها أداة سياسية لدعم إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين والعرب . ومن أجل هذا شكلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وفداً من كبار الكهنة وبعض العلمانيين المختصين بالتاريخ والقانون وذهبوا لحضور المجمع بالفاتيكان وتقديم وجهة نظر الكنيسة المصرية ضد الوثيقة لكن دون جدوى ، فقد صدرت الوثيقة وتم التوقيع عليها وإعلانها دون اعتبار لموقف الرفض من جانب مصر والدول العربية .
وقبل انقضاء عامين على صدور الوثيقة وقع ما كنا نخشاه إذ قامت إسرائيل في الخامس من يونيه سنة 1967 بعدوانها الغادر ، واحتلت أرض ثلاثة أقطار عربية في مصر وسوريا والأردن . واستمر هذا الاحتلال حتى نصر أكتوبر 1973 ، إذ اضطرت إسرائيل أن تنسحب من سيناء مقابل معاهدة السلام التي وقعتها مع مصر في كامب ديفيد ، لكنها مازالت تحتل الجولان في سوريا والضفة الغربية حتى الآن ، لأن سوريا والفلسطينيين رفضوا الدخول إلى جانب السادات في المفاوضات مع إسرائيل والاشتراك في اتفاقيات السلام .
وقد كُتبت هذه المسرحية في عام 1969 ونحن نتجرع مرارة الهزيمة وأثناء حرب الاستنزاف وعدوان إسرائيل المتكرر على المصانع والمدارس في مصر ، وكان من الطبيعي أن يتأثر جو المسرحية بمناخ العنف ونداءات الثأر والانتقام من العدو الإسرائيلي التي كانت تتردد على كل لسان . وهذا واضح وملموس في الطبعة الأولى التي صدرت سنة 1978 ، حيث يدعو الكورس في نهاية المسرحية إلى مواجهة المحتل بكل قوة وضربه وطرده وتحرير الأرض وهذا ما تحقق بحرب أكتوبر الظافرة التي حطمت خط بارليف وحطمت معه أسطورة الجيش الذي لا يُقهر ، فحررت سيناء وفتحت طريق السلام والتعمير .
وفي ضوء هذه الأوضاع الجديدة أصبحت حماية السلام
هي مسئولية الجميع ، وأصبح واجب الكتاب والمبدعين هو تدعيم أسس السلام القائم على العدل ، ونبذ كل دعوات التطرف والتعصب والانتقام . وهذا ما تبشر به هذه المسرحية في صورتها الجديدة .
والمؤلف حين يعيد هذه المحاكمة الخيالية إلى الأذهان ويعمل على تحقيق واقعة صلب المسيح وتحديد هوية المجرمين الحقيقيين ، فإنه يسعى لكي يفتح أفقاً جديداً لرؤية القضية ومناقشتها مناقشة عقلانية في ضوء نصوص الإنجيل المقدس وفي ضوء الأوضاع الحالية .
لكن الصيغة الجديدة لا تتخلى عن شيء من ركائز المسرحية الأولى في الرؤية والمضمون الكلي وهو الدعوة لتحرير الأرض وتحقيق السلام مع إسرائيل بل والعالم كله إذا أمكن ذلك . ولم يطرأ التغيير إلا على البناء المسرحي بدمج الفصل الأول ضمن الفصل الثاني تحقيقاً لمتطلبات الصياغة المسرحية .
ويشرفني ، أن موقعنا الرائع " الأقباط متحدون " كان له المبادرة الطيبة لدعوة كاتبنا الكريم لمحاورته والاحتفاء بإنتاجه الفكري الرائع على شاشته وبرنامج " مجلة الأقباط متحدون " أكثر من لقاء قبل حصول مبدعنا الكبير على تلك الجائزة الرفيعة ..