الأقباط متحدون - هاجرت لأمريكا وتركت قلبى فى مصر
  • ١٤:٢٢
  • الاثنين , ٦ فبراير ٢٠١٧
English version

هاجرت لأمريكا وتركت قلبى فى مصر

منير بشاي

مساحة رأي

٤٧: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٦ فبراير ٢٠١٧

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
بقلم منير بشاى
اخذنا عن جدودنا الارتباط بالارض. وفى الوقت الذى انتشرت شعوب أخرى فى كل بلاد العالم سعيا للتجارة ظل المصريون مرتبطين بوطنهم يفلحون أرض مصر ويعيشون من خيرها.
 
عاشت اسرتى فى مدينة اسيوط بصعيد مصر وهى المدينة التى تفتخر باصولها الفرعونية. وارتبطت بهذه البقعة ولم تتركها الا عن اضطرار. وإلى وقت قريب كان هذا التقليد عرفا متبعا. وقيل ان احد أعمامى عاش ومات فى مدينة اسيوط دون ان يغادرها حتى الى المدينة المجاورة.
 
ولذلك عندما التحقت بجامعة القاهرة وبعدها قررت البقاء للعمل بمدينة القاهرة، تضايقت اسرتى واعتبرتنى قد هاجرت. ولكن الذنب الذى لم يغفروه لى كان يوم عرفوا اننى قدمت طلبا للهجرة. وكانت امى تنظر الى الأمر بحزن وكأننى قد مت. واذكر انه اقيم فى بيتنا فى الليلة السابقة لسفرنا ما يشبه سرادق العزاء بين الباكين والمواسين والفقيد الذى هو انا يشارك فى جنازته. وفى اليوم التالى كانت ارض المطار مليئة بالاقارب الذين جاءوا ليشيعوننى الى المثوى الأخير.
بعد الهجرة وعلى مدى سنوات لاحظ الكثيرون حولى اننى بينما كنت معهم كنت اسرح بفكرى بعيدا الى عالم آخر يبعد آلاف الاميال حيث توجد جذور شجرتى التى اقتلعت من أرضها ليعود غرسها فى ارض جديدة. كان جسمى فى امريكا أما قلبى فكان ما يزال يعيش فى مصر.
 
لم يكن قرار الهجرة لى سهلا. كانت هناك ظروفا قادت اليه تتعلق باكثر من مجرد الرغبة فى السعى نحو حياة افضل. واليوم اتوقف لأستعيد تتبع شريط القصة منذ بدايتها وادرك المخطط الالهى وراء هذا كله بعد ان اخذت قطع اللغز تتجمع والصورة تكاد تكتمل.
 
لا أعتقد ان كثيرين من الاقباط قد هاجروا مصر حبا فى الهجرة. ولكنها الاحوال التى جازوا فيها بداية بالحظر الطائفى فى مجال التعليم سواء فى تحديد نسبة المسموح بهم من الاقباط أو حظر دخولهم فى اقسام بالذات ومحاولة استبعادهم عن طريق الامتحانات الشفوية. وفى مرحلة التوظف يجد القبطى نفسه مستبعدا من سلك التدريس الجامعى رغم تفوقه، او يمنع او يحد قبوله فى الوظائف المرموقة مثل السلك الدبلوماسى وبعض الوظائف الأخرى مثل الامن القومى. ولن انسى التمييز الفج الذى وجه ضد الاقباط عند انشاء جامعة اسيوط. وتم تعيين د. سليمان حزين مديرا لتلك الجامعة بتعليمات صريحة من الرئيس عبد الناصر بان لا يقبل قبطيا واحدا ضمن هيئة التدريس. وكان هذا فى عصر لم ينفجر فيه التعصب الدينى بالقدر الذى رايناه بعد ذلك.
 
فى ظل هذه الظروف هاجر العدد الكبير من الاقباط عندما فتحت دول مثل كندا واستراليا والولايات المتحدة باب الهجرة فى ستينات القرن الماضى. البعض هاجر لاحساسه شخصيا بالظلم والغالبية هاجرت لتضمن لابنائها فرصة افضل بعيدا عن التحيّز فى التعليم والتوظّف وكافة مناحى الحياة. وعادة تبدأ الهجرة بطلب يقدم للسفارة ويقنع الانسان نفسه انها مجرد ورقة وليس هناك ما يلزم بالاستمرار فى الاجراءات. ولكن الخطوة تتبعها خطوات حتى يصل الامر الى الاستقالة من العمل ثم بيع اثاث الشقة وشراء تذاكر السفر. ويجد الانسان نفسه قد وصل الى نقطة اللاعودة.
 
بفضل الله واجتهاد هؤلاء المهاجرين نجحوا حيثما ذهبوا واحتلوا اكبر المناصب رغم حاجز اللغة ونقص الخبرة المحلية. وهذا انعكس على المستوى الاجتماعى الذى تمتع به غالبيتهم مما ادى الى تصنيفهم بواسطة مؤسسة امريكية بانهم ثانى الاقليات الامريكية نجاحا. هذا رغم حداثة هجرتهم، وكانوا متفوقين فى هذا على اقليات اخرى سبقتهم الى امريكا بمئات السنين.
 
نجاح المجموعة الرائدة من المهاجرين فى العالم الجديد قد شجع اخرين على ان يسلكوا فى نفس الطريق. ومن هاجروا ساعدوا اقربائهم واصدقائهم على الهجرة واليوم يوجد فى امريكا وحدها حوالى مليون قبطى.
 
ولكن الأقباط المهاجرون لم ينسوا يوما اصلهم. فاذا دخلت بيوتهم ستلاحظ انهم ما يزالوا يتكلمون لغة بلدهم وان تلفازهم يتكلم نفس اللغة ومبرمج على القنوات المصرية والقبطية العامة والدينية. واطعمتهم المفضلة ما تزال الاطعمة المصرية المعروفة فافطارهم غالبا يشتمل على الفول المدمس وغدائهم يمكن ان يكون الملوخية والرز والفراخ المطبوخة على الطريقة المصرية. والتحلية غالبا تشتمل على البقلاوة او الكنافة او البسبوسة التى اصبحت مطلب الامريكان المفضل.
اليوم يضم ارض المهجر ملايين الاقباط. هؤلاء لا ينغص حياتهم غير آلام مصر. ولذلك عندما نتألم لاخبار مؤلمة يمر فيها أخوتنا فهذا أمر طبيعى. كثير من اقباط الخارج قد غادروا مصر نتيجة غبن تعرضوا له ولذلك فهم يحسون بمسئولية خاصة تجاه من يتعرضوا للظلم فى مصر. وهم يرفضون الصمت فى وجه الظلم بحجة ان هذا يضر بسمعة مصر فمصر لا يجب ان تكون مرادفة للظلم بحيث ان من ينتقد الظلم كمن ينتقد مصر. ومع ذلك فان اقباط الخارج ليس لهم خصومة مع النظام فى مصر فموقفنا من تاييد ثورة 30 يونيو وانتخاب الرئيس السيسى لا يزايد عليه أحد.
 
ونحن نعتز باصلنا المصرى ونؤمن انه جزء اصيل من كياننا ببرهان بصماتنا الوراثية وملامحنا المميزة. وهذا يقول بأبلغ ما يكون الكلام اننا مصريون حتى النخاع. ولذلك عندما يسألنا الناس هنا عن اصلنا نقول لهم بكل الفخر "نحن مصريون"..نحن جزء أصيل من ذلك البلد العريق.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد