الجيل الثاني لحقوق الإنسان ورسالة حنان فكري
سعيد السنى
الاثنين ٦ فبراير ٢٠١٧
سعيد السني
تزامناً مع توصيف الرئيس عبدالفتاح السيسي، لحالنا بأننا «فقرا أوي أوي»، يزحف «الفقر» وتوابعه من مرض واكتئاب وانحدار اجتماعي وثقافي وخلقي وقيمي، سريعاً متوحشاً، ساحقاً غالبية المصريين، بفعل رعونة «السياسات الاقتصادية» الحكومية الحمقاء، التي هي مجرد تنفيذ أعمى لشروط وإملاءات صندوق النقد الدولي، وغياب فقه الأولويات في إدارة موارد البلاد، بإنفاق مليارات الدولارات على مشروعات، مُختَلف حول جدواها وعوائدها الاقتصادية والاجتماعية، حتى أن الموت يختطف «مرضى» يومياً، نتيجة افتقادهم الرعاية الصحية، وجنون تكاليف التشافي، وأسعار الدواء، وغيرهم يتضورون جوعاً وتشرداً، فيما كشفت مؤخراً دراسة للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن 12 مليوناً و600 ألف نسمة يسكنون العشوائيات، نصفهم تقريبا محروم من المياه النظيفة والطرق والصرف الصحي.. كما أن 21% من سكان الجمهورية بلا مياه نقية، وهناك 30 مليون مواطن تحت خط الفقر (دخل الفرد أقل من دولار يومياً)، عام 2015م، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وهذا العدد للفقراء جدا، لابد أنه قد زاد عدة ملايين في العام المنقضي (2016م).
وسط هذه الأجواء الغائمة، من التهميش الواسع لملايين المصريين، خارج الحياة الآدمية والإنسانية.. كانت الزميلة حنان فكري عضو مجلس نقابة الصحفيين، على موعد بمعهد الدراسات والبحوث البيئية بجامعة عين شمس، لنيل درجة الماجستير.. تكمن الأهمية هنا في «رسالة حنان فكري»، إذ تُلقي الضوء ساطعاً على حزمة من الحقوق يطلق عليها «الجيل الثاني من حقوق الإنسان»، منصوص عليها في «العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، الساري ضمن قوانينا المصرية، منذ 14 إبريل عام 1982م، بعد التصديق عليه.. تتلخص بنود هذا العهد، في «جودة الحياة»، والتي تعني بدورها، ارتفاعاً ورُقياً بمستوى الخدمات المادية والصحية والاجتماعية والتعليمية، المُقّدَّمة للفرد، بما يمنحه شعوراً بالرضا عن حياته والسعادة بها.. بعبارة أخرى، فإن «جودة الحياة» من شأنها، لو توفرت، أن تحفظ للمواطن الكرامة والآدمية والسكن الملائم والرعاية الصحية والتعليم الجيد.. لكن المواطن المصري المنكوب بحكومته وبرلمانه، فاقد لهذه الحزمة الحقوقية، مثلما هو مُتنازل جبراً وقهراً أو طواعية عن أكثرية حقوقه «المدنية والسياسية» (الجيل الأول من حقوق الإنسان)، بحجة «الحرب على الإرهاب»، مع أن كسب هذه الحرب، يستلزم إعلاء سيادة القانون والعدالة، واحترام الحقوق الإنسانية، وليس مصادرتها، حظراً للتظاهر، وإقصاءً لمنظمات المجتمع المدني، وإبعاداً للمواطن سياسياً، وهيمنةً سلطوية على الإعلام، وإدارةً للبلاد برؤية أمنية محدودة الأفق والمجال.
عودة لـ«حنان فكري»، ورسالتها للماجستير، فهي بعضويتها لمجلس نقابة الصحفيين، منذ مارس عام 2013م، معروفة بمواقفها المهنية والنقابية الصلبة، فلا تعرف الخوف والمهادنة، ولا أنصاف الحلول.. حين تكتب، تنطق سطورها بالتحيز والانحياز للمواطن المهمش، و«الإنسان» الضعيف.. فآلام المعذبين بالفقر والعوز والمرض، هي قضيتها وشاغلها.. باختصار، هيّ صحفية، وثورية، قضيتها هي الكرامة والعيش والحرية للإنسان.. من هنا كانت «جودة الحياة» والحق فيها موضوع رسالتها، بعنوان «المعالجة الصحفية لقضايا الحق في جودة الحياة»، تقييما للتغطية الصحفية لعناصر هذا الحق الضائع (جودة الحياة)، وما إذا كانت المعالجة الصحفية ملائمة أم قاصرة؟.. تبين من البحث الميداني واستمارة تحليل المضمون أن التوفيق لم يحالف «الصحف» في معالجة قضايا الواقع الاقتصادي والاجتماعي المترتبة على غياب هذا الحق وعناصره.. توصلت «حنان»، إلى أن هذا الإخفاق الصحفي، يرجع إلى أسباب عديدة منها غياب حرية تداول المعلومات والملاحقات الأمنية والمناخ السياسي عموماً، كونه غير ملائم ومؤثر بالسلب على تغطية هذه النوعية من القضايا، إضافة إلى ضغوط المناخ الإداري من طبيعة الملكية للصحيفة، وسياسات التحرير، ومن ثم قدمت مجموعة من التوصيات.. لمزيد من التفاصيل: http://gate.ahram.org.eg/NewsContentPrint/1/244/1383998.aspx).
حنان فكري، قالت في تقديم البحث «إن كرامة العيش تُستمد من نوعية الحياة التي نحياها، و(جودة الحياة) هدف يسعى إليه الناس، عبر المواثيق والعهود الدولية، والقوانين المحلية التي تؤسس لكافة الحقوق، وجميعها لخدمة هذا الحق».. في موضع آخر أشارت إلى أن «الصحافة وعلى مدار عقود مضت، كانت هي المنبر الأعظم للمناداة بهذه الحقوق والتوعية والمطالبة بها، وخاضت معارك حقوقية عديدة مصرياً وعربياً ودولياً، ثم انتقل الاهتمام إلى وسائل الإعلام المختلفة».
رسالة حنان فكري للماجستير، كاشفة عن انحيازها لقضية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لفتت إليه، الدكتورة نجوي كامل، الأستاذ بكلية إعلام القاهرة، أثناء مناقشة الرسالة.. وهو انحياز يُحسب لحنان، وليس عليها.. فما أحوجنا إلى الكثير من الصحفيين والإعلاميين ينحازون إلى هذه الطائفة من الحقوق، لجماً لهذه السياسات الاقتصادية المتعسفة، وبعثاً للأمل في حياة إنسانية وآدمية أجود، ولو بعد حين.