الأقباط متحدون - جمهور يرفض الوصاية
  • ١٤:٠٠
  • الاربعاء , ٨ فبراير ٢٠١٧
English version

جمهور يرفض الوصاية

مقالات مختارة | بقلم : حلمي النمنم

٥٧: ٠٤ م +02:00 EET

الاربعاء ٨ فبراير ٢٠١٧

حلمي النمنم
حلمي النمنم

 أهم ما فى المباراة النهائية بين فريقنا الوطنى وفريق الكاميرون هو الجمهور، الذى تابع فريقه وشجعه عبر شاشات التليفزيون، فى الميادين العامة والمقاهى بمختلف المدن المصرية، جلس هؤلاء المواطنون مبكراً، وتحملوا برودة الشتاء، باستمتاع حقيقى وزهو نفس، وتعاملوا طوال الوقت على أننا فى مباراة تحتمل الفوز أو الخسارة، وأننا جميعاً نتطلع إلى الفوز، لكن لا نستبعد الخسارة، ونتقبلها إذا وقعت، ونقدر لفريقنا الوطنى أنه بذل الجهد، وقام لاعبوه بدورهم.

 
والحق أننا فى السنوات الأخيرة فوجئنا بقطاع من الجمهور فى المباريات يدخل بروح غير رياضية، روح لا ترضى بغير الفوز، فإن لم يتحقق لهم ذلك كان الاعتداء على اللاعبين، ومهاجمة النوادى، ومحاولة تحطيمها، والتحرش برجال الأمن، وغير ذلك من السلوكيات المعيبة، وتحول هؤلاء إلى أوصياء على لعبة كرة القدم وعلى الفرق والنوادى الكبرى، وأفسدوا على الجمهور الاستمتاع بالمباريات فى حالات كثيرة، وحيث إن كل مباراة لابد أن تنتهى بكاسب وخاسر، فإننا بتنا مع كل مباراة على موعد مع أزمة، وربما كارثة وأعمال شغب وعنف، انتهت أكثر من حالة إلى إسالة دماء وسقوط قتلى، الأمر الذى أدى إلى اتخاذ قرار بإقامة المباريات الكبرى بلا جمهور، أو بجمهور محدود للغاية. جمهور المنتخب، هؤلاء المواطنون، أعلنوا بوضوح أنهم متحضرون، وديمقراطيون، يقبلون بالنتيجة أياً كانت، وأنهم يتفهمون ظروف المباراة وطبيعة المسابقة، أما العقلية والنفسية الحادة والأحادية التى لا ترى ولا تريد سوى وجه واحد للمباراة فإنهم يرفضونها، ويرفضون كذلك وصاية أصحاب تلك العقلية عليهم، جمهور يرفض الوصاية عليه، ويصر على الروح الرياضية وعلى ديمقراطية اللعبة، أى «التداول» بين المكسب والخسارة. ولأنه جمهور ديمقراطى فهو كذلك جمهور وطنى، يحب أن يشجع وطنه، وأن يعبر عن حبه ذاك فى أبسط وأنقى صوره، لاحظ أن هذا الجمهور أطلق على «عصام الحضرى»، حارس المرمى، عقب مباراتنا مع «بوركينا فاسو»، لقب «السد العالى»، الذى يصد عن مصر الفيضان ويحميها من الغرق، ويجنبها كذلك الجفاف، إذا غاض النهر، كان يمكن أن يطلق الجمهور تسمية أخرى، لكنه اختار «السد العالى»، الذى يرتبط بمعركة وطنية كبرى فى الخمسينيات، خاضتها مصر بزعامة «جمال عبدالناصر»، الوطنية الخالصة تبدو فى مواقف بسيطة، قد يراها البعض مجرد مواقف للرفاهية وللمتعة، مرة أخرى، هذا الجمهور حُرم بسبب «الأوصياء» على المباريات من أن يعبر عن مشاعره الإنسانية والوطنية أيضاً.
 
الإدراك والوعى الوطنى العميق لدى هذا الجمهور أدرك أننا بسبب «الأوصياء» ومشاعرهم الديكتاتورية تعرضنا لمشكلة غير مبررة، ذات مرة مع بلدين شقيقين وعزيزين، السودان والجزائر، وليس من الوطنية أن نفقد علاقتنا ببلد وشعب شقيق أو صديق بسبب مباراة لا نريد أن نتقبل نتيجتها، هذا الجمهور، فى أعماقه، يدرك تلك التجربة المأساوية، التى أحدثها- آنذاك- بعض «الأوصياء»، وإن كانوا وقتها- على الأغلب- من خارج الدائرة الكروية والرياضية، وأرادوا أن يحققوا مكاسب سياسية معينة من وراء المباراة، ولما لم تحقق لهم المباراة ذلك افتعلوا أزمة سياسية.
 
والحقيقة أن المصريين تعرضوا إلى مجموعات قررت أن تفرض الوصاية عليهم فى كثير من المجالات، كرة القدم والرياضة، نعرف المجموعات الشبابية التى حاولت وتحاول فرض الوصاية على الجمهور وعلى الفرق والنوادى، وفى السياسة هناك بعض المجموعات الشبيهة حاولت أن تفعل ذلك، خاصة بعد ثورة 25 يناير، وانتهى الأمر بهم إلى فتح الطريق واسعاً أمام جماعة الإخوان لتستولى على البلاد، مما اقتضى الشعب المصرى إلى أن يهب فى 30 يونيو لإنقاذ وطنه ودولته، وهكذا فى مجالات أخرى، وفى كل مرة يبقى الشعب المصرى معلماً وعظيماً، فى لحظة ما يزيح هذا الشعب فى تحضر ورقى وديمقراطية حقيقية «الأوصياء»، حتى وإن تسربل هؤلاء الأوصياء أو بعضهم بالديمقراطية حيناً والشبابية حيناً آخر، كثير من الأوصياء المزعومين لا يدركون حنكة هذا الشعب وخبرته التاريخية الطويلة.
 
جمهور بلا وصاية، يرفض «الأوصياء»، أو حتى ادعاء الوصاية عليه.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع