المؤرخ المصرى: مشكلات مصر بدأت مع «السادات».. ومبارك أكمل «الانفتاح والخصخصة».. وأمريكا لن تسمح بـ«ناصر» آخر فى الوطن العربى
أخبار مصرية | الوطن
الاربعاء ٨ فبراير ٢٠١٧
قال المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى إن العالم يشهد خللاً فى موازين القوى العالمية، وإن الحرب الباردة عادت للظهور مرة أخرى بين المعسكرين الشرقى والغربى، والنظام العالمى الجديد يقوم على أساس تقسيم العالم إلى قوميات على أسس طائفية ومذهبية، ودينية. وأضاف «الدسوقى» فى حوار لـ«الوطن» أن تركيا وقطر تنفذان الأجندة الأمريكية فى المنطقة، وأن واشنطن لم تعد بحاجة إلى السعودية فى الوقت الراهن، وأن مطالبة الأخيرة باستعادة جزيرتى تيران وصنافير من مصر جاءت بإيعاز أمريكى إسرائيلى، رغبة من «تل أبيب» فى أن تكون لها حدود مشتركة مع المملكة يتم بمقتضاها توقيع معاهدة بين البلدين، وأوضح أن مشكلات مصر بدأت مع عهد الرئيس أنور السادات، حينما اعتقد بأن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، وأن الرئيس عبدالفتاح السيسى لديه مقومات الرئيس جمال عبدالناصر من حيث الرغبة فى تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقلال الحقيقى عن التبعية لأمريكا، مشيراً إلى أن هناك محيطين به يحذرونه من عداء أمريكا ويخوفونه من ذلك.. وإلى نص الحوار:
«الدسوقى»: إسرائيل وراء مطالبة السعودية بـ«تيران وصنافير» لتوسيع «معاهدة السلام» والتعاون المشترك فى مواجهة إيران
■ كيف تقيم الأوضاع فى مصر؟ هل أنت مطمئن على مسار السياسة الخارجية لمصر بما يكفل حماية حدودنا ومواردنا فى ظل الاضطرابات الإقليمية الحالية؟
- مشكلة مصر بدأت مع «السادات»؛ لأنه وضع مصر فى الأجندة الإسرائيلية الأمريكية، منذ أن صرح قائلاً فى نهاية 1971 إن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، وفى عام 1972 تلقى «السادات» رسائل مخابراتية عن طريق رئيس رومانيا اليهودى، وشاه إيران، مفادها: «إن كنت بحاجة إلى مساندة أمريكية لتحرير سيناء هناك شرطان: طرد السوفيت من الجيش المصرى، والإفراج عن الإخوان»، وبالتالى ما هى مصلحة أمريكا فى الإفراج عن الإخوان؟ وهو ما حدث، وأفرج «السادات» عن الإخوان. فى مارس 1974 التقى «السادات» رئيس البنك الدولى للإنشاء والتعمير، وعرض الأخير على «السادات» مساعدته فى الخروج من مأزق الحرب بشرط أن يسير الاقتصاد فى مصر «على الطريق السليم» بعدها أُعلن أن الرئيس الأمريكى نيكسون سيأتى لزيارة مصر فى 1974، وفى يونيو 1974 جهزت الحكومة مشروع قانون لحماية رأس المال الأجنبى من التأميم، وبالفعل جاء نيكسون ومعه وزير المالية الأمريكى، واستكمل «مبارك» ما بدأ به «السادات» فى الانفتاح الاقتصادى وخصخصة القطاع العام.
■ البعض يرى فى الرئيس عبدالفتاح السيسى تكراراً لتجربة «عبدالناصر».. هل تتفق مع ذلك؟
- الناس أحبت الرئيس عبدالفتاح السيسى، ووضعوا صورته إلى جوار جمال عبدالناصر، حينما سدد عن الغارمات «الناس حست إن ده عبدالناصر»، كما أنه تصدى لمشكلة ديون الفلاحين، وقام بإسقاطها حينما كان وزيراً للدفاع. كذلك قام بحل مشكلة التاكسى الأبيض. يد «السيسى» مغلولة، هو فى طريقه لأن يصبح ناصر آخر، والأمريكان لن يسمحوا له بذلك، هو لديه مقومات جمال عبدالناصر، هو مع الدولة الوطنية، وبالتالى له موقف رافض لتفكيك سوريا وكذلك له موقف مناهض من الحرب البرية فى اليمن، وهذا يثير خلافاً بينه وبين أمريكا، وبالتالى فهى تحاصره بأشكال أخرى، من واقع تجربتى مع الوثائق الأمريكية، نجد أن أمريكا حينما كانت ترغب فى إرسال رسالة لرئيس دولة ما، لم تكن ترسل له سفيرها، أو وزير خارجيتها، حتى لا تعلم الصحافة، وهذا حدث فى أيام «مبارك» حينما زار رئيس شركة كوكاكولا العالمية «مبارك» فى منزله، لم يفعلها السفير أو وزير الخارجية الأمريكى، وأمريكا هنا لا تود من «السيسى» أن يتحول إلى «ناصر» آخر، كلامه للناس: «أنا منكم» إلا أن إجراءاته لا تشير إلى ذلك، وهذا يعنى أنه محاصر اقتصادياً ويده مغلولة، وأنا أعذره.
المحيطون بـ«السيسى» حذروه من عداء الولايات المتحدة.. وأعذره لأنه مغلول اليد ومحاصر اقتصادياً.. ولديه الرغبة فى تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقلال عن التبعية لأمريكا
■ قلت إن لـ«السيسى» نفس مقومات «عبدالناصر».. كيف ترى ذلك؟
- بالطبع، ودليلى على ذلك اهتمامه بالعدالة الاجتماعية، وفكرة الاستقلال الحقيقى من التبعية، إذ لم يتبع موقف أمريكا فى سوريا، وكذلك الأمر فى ليبيا، هناك من المحيطين به من يحذره من عداء أمريكا ويخوفه من ذلك.
■ كيف ترى الموقف المصرى من الأزمة اليمنية؟
- موقفنا أساسه المصالح القومية، ومصر دخلت حرب اليمن ليس دعماً للموقف السعودى المناهض للحوثيين فقط، وإنما حماية لأمننا القومى بشأن الملاحة فى البحر الأحمر. أعتقد أن اليمن قد تتحول إلى فيتنام للسعودية، تستنزف قواها، وقد التقيت بأحد المسئولين السعوديين، وأخبرنى أن عدد قتلى السعودية فى اليمن لا يعلن عنه، وأعتقد أن هذه الحرب قد تكون شرارة لإنهاء الدولة. السعودية فى اليمن تحارب لمصالحها لا عن قضية عادلة.
■ وهل ترى أنه يجب على مصر أن تلعب دوراً كبيراً فى اليمن؟
- بالطبع، حينما يتجاوز الخطر الإيرانى حدوده، الخطر الإيرانى يتعاظم حال انتصار الحوثيين، والأمريكان راغبون فى تقليم أظافر إيران عبر ضرب الحوثيين.
■ كيف يمكن لإيران المحاصرة منذ أكثر من ثلاثة عقود الاشتباك على كل هذه الجبهات فى الوطن العربى؟
- هذا هو بناء القوة، إيران قوة نووية ويحسب لها ألف حساب منذ حلف بغداد 1958، والشاه كان حليف أمريكا، وعلماء إيران النوويون لهم سمعة طيبة، وطهران لديها محطة نووية منذ حلف بغداد، ولو لم تكن إيران قوة نووية لكانت قد ضُربت منذ زمن.
لا أستبعد عقد معاهدة سلام بين إسرائيل والسعودية بهدف توجيه ضربة عسكرية لإيران حفاظاً على حدودهما
■ كيف ترى العلاقة بين الرياض وواشنطن بعد قانون «جاستا»؟
- قانون «جاستا» لن يطبق، هو فقط يستخدم لتخويف للسعودية إذا ما فكرت فى الخروج عن التبعية الأمريكية. نحن عاجزون عن سحب الودائع العربية لدى الولايات المتحدة دفعة واحدة، أمريكا بطبيعة الحال لن تسمح بانهيار النظام المالى، وحدوث أزمة مالية عالمية، وأعتقد أن واشنطن لم تعد بحاجة إلى السعودية.
■ بخبرتك الواسعة.. كيف ترى السلوك القطرى فى المنطقة العربية؟
- السلوك القطرى الحالى بدأ منذ 1995، حينما انقلب أميرها السابق حمد على والده خليفة، الأخير كان حريصاً على تنمية قطر، وكان حريصاً على تنمية حقول الغاز بالشمال بسواعد أبناء البلد، وهنا أطيح به بعد خروجه من البلاد فى رحلة للخارج، وبعد الانقلاب تم منح أمريكا امتياز تنمية حقول الشمال، وفى نفس الأسبوع تم تدشين مكتب اتصال إسرائيلى فى الدوحة، وهنا قطر تنفذ أجندة أمريكية.
تركيا تنفذ أجندة أمريكية فى المنطقة ولها مطامع فى كركوك والموصل باعتبارهما محافظتين تركيتين سابقاً وبهما ثروات بترولية و يجب على مصر أن تؤدى دوراً فى اليمن عندما يتجاوز الحظر الإيرانى حدوده والولايات المتحدة تريد تقليم أظافر طهران فى المنطقة بضرب الحوثيين
■ ما قراءتك الحالية لأزمة تيران وصنافير؟
- المعروف أن جزيرتى تيران وصنافير تاريخياً تتبعان مملكة الحجاز، حتى غزة كانت معروفة باسم غزة بنى هاشم، لأنهم أول من غزوها، حينما ضمت السعودية الحجاز عام 1926 أصبح ما كان يتبع الحجاز يتبع السعودية، وفى حرب 1948 احتلت إسرائيل ميناء «أم الرشراش» المصرى على خليج العقبة، وتخوف عبدالعزيز آل سعود آنذاك من احتلال إسرائيل جزيرتى تيران وصنافير، وأوكل حمايتهما لمصر، وبحلول 1950 أصبح أمن الجزيرتين جزءاً من أمن مصر رغم سعوديتهما.
السؤال هنا: لماذا بدأت السعودية المطالبة بالجزيرتين؟ وهنا نجد أن السعودية تجاهلت الجزيرتين حتى عام 1981، لم تطلبهما فى الستينات والسبعينات، وذلك بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وبعد ضم إسرائيل للجولان المحتلة بعد وفاة الرئيس أنور السادات، وأعتقد من واقع خبرتى وتكهناتى أن من يقف وراء المطالبة بالجزيرتين هى إسرائيل عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية، لأن هاتين الجزيرتين تقعان فى جنوب المنطقة (ج) بين مصر وإسرائيل، وبعودتهما للسعودية تصبح «المملكة» ذات حدود مشتركة مع إسرائيل، وبالتالى توسيع معاهدة مصر وإسرائيل لتشمل السعودية، بحجة حماية حرية الملاحة، يؤكد ما أقوله تصريحات عادل الجبير، وزير الخارجية السعودية، فى عنفوان الأزمة فى مايو الماضى، قال إن السعودية لم تعقد معاهدة مع إسرائيل. وأنا شخصياً لا أستبعد أن تعقد معاهدة، وهنا ستستفيد السعودية من إسرائيل فى ضرب إيران، وأعتقد أن إيران قد تتعامل مع فزاعة التفتيش النووى بلعب لعبة الأمريكان عبر الابتسامة و«تعالوا فتشوا، ويتم نقل المواد النووية من هنا لهناك ولا يجدون أى شىء فى النهاية»، وجود حدود مشتركة بين السعودية وإسرائيل عن طريق الجزيرتين قد يوفر الدعم العسكرى للرياض فى مواجهة طهران فى أى لحظة، وبالتالى نستطيع القول إن مطالبة السعودية باستعادة جزيرتى تيران وصنافير ترجع إلى وجود رغبة لدى الرياض، استشعاراً لخطر إيران، فى توجيه ضربة عسكرية سعودية إسرائيلية إن تطلب الأمر، بحكم الحدود المشتركة بين السعودية وإسرائيلية.
■ وهل ما زلت مقتنعاً بسعودية الجزيرتين؟
- دون أدنى شك، هما سعوديتان، وحسنى مبارك ماطل فى إرجاعهما حتى لا يتهم بالتفريط فى الأرض. وإعادتهما اليوم للسعودية ليس تنازلاً وإنما رد للأمانة. أستاذى فى الجامعة، الدكتور أحمد عبدالرحيم مصطفى، أقَّر أمامى ذات مرة بسعودية الجزيرتين. مصر فى عهد الفراعنة، تحديداً فى عصر تحتمس الثالث، وصلت لأعالى الرافدين «ينفع أقول دى أرضى؟!». واحة جغبوب مصرية، وأعطاها الإنجليز أثناء احتلال مصر للإيطاليين وتم ضمها إلى ليبيا. كذلك أم الرشراش مصرية، واحتلتها إسرائيل وسمَّتها إيلات. أى تحكيم دولى اليوم كفيل برد الجزيرتين للسعودية ودعم أحقيتها فيهما.
■ ما تقييمك لما يجرى عالمياً فى الوقت الراهن من صعود وبروز لقوى وخفوت أخرى؟
- هناك خلل فى موازين القوى العالمية، الحرب الباردة عادت للظهور مرة أخرى بين المعسكرين، بدأت أول مرة حينما خطب الرئيس الأمريكى ترومان فى الكونجرس عام 1947، وطلب 500 مليون دولار لإعطائها لتركيا واليونان على وجه الخصوص، لملامستهما للاتحاد السوفيتى. عقب ذلك قام وزير الخارجية الأمريكى آنذاك، مارشال، بإطلاق مشروع إعادة إعمار أوروبا، كان هدفه الحيلولة دون تسرب الأحزاب الشيوعية إلى الحكم، ومن هنا كانت المواجهة بين المعسكرين فى العالم الثالث. هذا العراك أفاد دول العالم الثالث ومنها مصر، إذ إن ثورتها اندلعت فى 1952، وكان الغرب يريد اجتذاب الثورة إلى جانبه، ووقتها كان جمال عبدالناصر يرغب فى التحرر من التبعية لبريطانيا، الأخيرة كانت تود استغلال أى قلاقل فى مصر لإطالة أمد بقائها، وهنا كان دور للإخوان وفقاً لما اعترف به رئيس الوزراء البريطانى أنتونى إدين فى مذكراته حينما قال: «كنا نعتمد على الإخوان فى إثارة القلاقل التى تمكننا من الاستناد إليها، لإطالة بقائنا فى مصر، والتوقف عن مفاوضات الجلاء، بدعوى أن البلد غير مستقر»، وحينما طلب «عبدالناصر» إتمام صفقة سلاح معقودة بين مصر وبريطانيا منذ زمن الملكية، رفضت بريطانيا استكمال الصفقة، ما دفعه لتقديم الطلب إلى أمريكا، التى رفضت هى الأخرى، ثم أبدت موافقة لإرسال السلاح مع بعثة عسكرية أمريكية، فتذكر «عبدالناصر» البعثة البريطانية التى جاءت لمصر عام 1937 للإشراف على سلاحها للقاهرة، وفقاً لأحد بنود اتفاقية 1936، التى فرضت على «القاهرة» عدم شراء أسلحة إلا من بريطانيا وعدم توجيه هذا السلاح إلى إسرائيل عقب 1948، من هنا لجأ «عبدالناصر» إلى الاتحاد السوفيتى، الأخير الذى وافق على تسليح مصر عن طريق تشيكوسلوفاكيا. لماذا؟ لأن هذا زمن الحرب الباردة، وحتى لا يجد «عبدالناصر» اعتراضاً مباشراً من الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت الصفقة تأتى من أواخر 1955.
■ وكيف كان رد فعل الغرب آنذاك؟
- لم يصدق الغرب أو الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأمر. حتى من بين الوثائق الأمريكية، التى نشرت مؤخراً، مذكرة قدمتها لجنة الأمن القومى بالبيت الأبيض إلى الرئيس الأمريكى إيزنهاور فى يناير 1956 تنصح بضرورة توجيه ضربة عسكرية للجيش المصرى قبل أن يتدرب على السلاح الجديد. مصانع «عبدالناصر» لم تكن قد أنتجت أى سلاح فى هذا الوقت بالرغم من المعاونة التشيكية المقدمة إليه، وتخوف آنذاك من رفض الاتحاد السوفيتى بعد ذلك تسليح الجيش المصرى، وقد هداه تفكيره إلى الاتجاه إلى الصين الشيوعية، التى لم تكن عضواً آنذاك فى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن. وهنا رأى «عبدالناصر» أن اعتراف مصر بالصين الشعبية يضمن له توريدها السلاح لمصر فيما لو رفض الاتحاد السوفيتى ذلك.
هذه الحرب الباردة جرت فى أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، حتى إن أى انقلاب كان يقع فى بلد ما ويحظى باعتراف أمريكى كنا نعلم أنه انقلاب أمريكى، وإذا حظى بالرعاية السوفيتية فكنا نعلم أنه انقلاب موالٍ للسوفيت. عقب هذه المرحلة بدأ الإعداد لتفكيك المنظومة السوفيتية، وهذا ما حدث فى نوفمبر 1991، وكان للمخابرات الأمريكية دور فى ترشيح «جورباتشوف» رئيساً للاتحاد السوفيتى، إذ كانت زوجته يهودية تدعى ريسه، وبدأ «جورباتشوف» فى الحديث عن التطوير وإعادة النظر فيما يشبه حديث أنور السادات عن إعادة تصحيح المسار. فكان «جورباتشوف» هو «سادات» مصر وكان «السادات» هو «جورباتشوف» الاتحاد السوفيتى آنذاك. وبالفعل، فى عام 1989 بدأ تحطيم سور برلين وتوحدت ألمانيا، قبل أن يتفكك الاتحاد السوفيتى على يد «يلسن»، خلف «جورباتشوف» فى إطار التعامل الخفى مع المخابرات الأمريكية. هنا أعلنت الولايات المتحدة نهاية الحرب الباردة، وتبع ذلك الحديث لأول مرة عن النظام العالمى الجديد.
■ نفس العام الذى شهد اجتياح العراق للكويت.
- الاجتياح كان مشروعاً عراقياً قديماً يعود لأيام الملكية العراقية، تحديداً أيام الملك غازى، الذى خلف الملك فيصل، نظراً لأن الكويت كانت قضاء يتبع لواء البصرة فى عهد الخلافة العثمانية، وخرجت الكويت من لواء البصرة عقب الحرب العالمية الأولى وكانت تحت الحماية البريطانية إلى أن استقلت عام 1961. خروج بريطانيا من الكويت قابله مطالبة عراقية للكويت باعتبارها تابعاً للواء البصرة. وفى 1991 قامت الولايات المتحدة بتجييش العالم ضد عراق صدام حسين، وفى يناير 1991 أعلن الرئيس بوش الأب أن المسألة ليست الدفاع عن دولة صغيرة احتلتها دولة أكبر، إنما الدفاع عن النظام العالمى الجديد، وكانت كلمته مبهمة ثم مضى وخلفه بيل كلينتون من الحزب الديمقراطى.
■ برأيك ماذا كان يقصد بالنظام العالمى الجديد؟
- يقصد تقسيم العالم إلى قوميات على أسس طائفية ومذهبية ودينية، وعلم الاستشراق خدَّم على هذا النظام الجديد. وهنا جاءت أول محاولة لتفكيك القوميات على أسس مختلفة فى إندونيسيا تحديداً جزر تيمور الشرقية التى يسكنها 750 ألف مسيحى. وهنا دخل الأمريكان على أساس حق تقرير المصير، وتم إعلان دولة تيمور فى عهد بوش الابن. وقال بيل كلينتون آنذاك والذى كان حاضراً حفل إعلان الدولة: «هذه هى ثمرة نضال الشعوب». بينما نجد فلسطين بلا دولة ولا تستحق دولة للأسف.
■ إذا كان للحرب الباردة الثانية نقطة بداية.. فمن أين؟
- يمكننا وضع نقطة البداية من لحظة غزو أمريكا للعراق فى 2003، هذه كانت البداية، روسيا استشعرت آنذاك الخطر الأمريكى، الذى اقترب من أراضيها سواء فى العراق أو فى أفغانستان. وهذا يفسر موقف روسيا المؤيد لإيران فى سوريا حالياً نكايةً فى الولايات المتحدة الأمريكية. روسيا توفر لها حالياً مساحة من رد الفعل خلافاً لما كانت عاجزة عنه فى 1991.
تأييد روسيا لسوريا وإيران نكاية فى أمريكا.. والصراع السعودى الإيرانى على الهيمنة مغلف بالطائفية
■ التحركات التركية فى العراق وسوريا يمكن تفسيرها باعتبارها تأتى مدفوعةً بالأخطار الإقليمية التى تحدق بها أم أطماع إمبراطوريتها السابقة فى المنطقة؟
- تركيا تقوم بدور أمريكى فى المنطقة. تساعد على التفكيك، ولا تنسَ أنها ضد إقامة دولة كردية، والموقف التركى من «داعش» فى العراق تغير تماماً لأنهم لو سمحوا بإقامة دولة كردية ستكون أنقرة أول المضارين لأن بتركيا 20 مليون كردى، وموقفهم من سوريا أساسه طائفى. وتركيا وإيران كانتا ضمن مخطط الشرق الأوسط الكبير فى 2004، وبالتالى الأخطار تحدق بهما من كل جانب.
■ لكن يقال إن لأنقرة مطامع فى العراق.
- لتركيا مطامع فى كركوك والموصل باعتبارهما محافظتين تركيتين سابقاً، وكركوك بها مناطق البترول، وبريطانيا ضمتها لحدود العراق طمعاً فى ذلك.
الجزيرتان سعوديتان دون أدنى شك.. وأى تحكيم دولى كفيل بردهما للرياض.. و«مبارك» ماطل فى إرجاعهما
■ هل السعودية فى خطر من التوسع والأطماع الإيرانية أم تتوهم ذلك؟
- هناك صراع نفوذ بين البلدين، منذ ثورة الخومينى 1979، وقبل ذلك لم يكن الصراع السنى الشيعى ظاهراً قبل هذا التاريخ. الشيعة العرب يتحدثون الإيرانية بينهم البعض، رغم أن اللغة الرسمية هى العربية فى منطقتنا. هم شيعة «الهولة» قدموا من إيران واستوطنوا فى منطقة الخليج، ويمكن النظر إلى هؤلاء باعتبارهم عصب أى احتجاج يهدد دول الخليج. انظر للبحرين كمثال، الصراع هناك سنى - شيعى، الحكم سنى والمواطن شيعى، ورغم استفادة المواطن الشيعى بثروات الخليج فى التعلم والابتعاث للخارج يظل بلا تأثير، لأن القبيلة هى الحاكمة.
■ استبعدت فى حوار سابق لك قبل عامين اندلاع حرب عالمية ثالثة.. هل ما زلت عند توقعاتك السابقة؟
- اندلاع حرب عالمية ثالثة فى وجود سلاح مدمر وفتاك كالقنبلة الذرية أمر صعب الحدوث، فعند شعور أى طرف بالهزيمة لن يتورع عن استخدامه. الرهان الآن على قدرة أى الأطراف على إنهاك الطرف الآخر، وحلب مثال على ذلك. انظر ماذا حدث منذ اندلاع الثورة الإيرانية.. إيران أعلنت عدم اعترافها بإسرائيل وأغلقت سفارتها فى طهران، وبالتالى اليوم قد تجد أن السعودية أقرب لإسرائيل نظراً لأن العدو هو إيران بمنطق «عدو عدوى صديقى».