البهجة المصرية
مقالات مختارة | حلمى النمنم
الخميس ٩ فبراير ٢٠١٧
تؤكد معظم المؤشرات، حتى كتابة هذه السطور، أن الكتاب الأدبى هو الأكثر اجتذاباً للجمهور فى معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام، وجدنا رواية لمؤلف شاب تمثل عمله الأول -على الأغلب- يباع منها عشرة آلاف نسخة فى عدة ساعات، حتى إن الجناح الذى عُرضت به الرواية تعرض لبعض التلفيات من شدة الزحام، وتدافع المواطنين للشراء، ولم يكن سعر الرواية رخيصاً، ومعظم الكتب التى حققت معدلات بيع عالية كانت أعمالاً أدبية، الرواية بخاصة يليها مباشرة الأعمال التاريخية والسياسية، ولنلاحظ أن جمهور المعرض هم ملايين المواطنين من عموم المصريين، يأتون من مناحى مصر المختلفة وليس من القاهرة فقط، بالإضافة إلى أعداد من الإخوة العرب يزورون مصر سنوياً خصيصاً لمتابعة المعرض.
قبل ثورة يناير، كانت الغلبة لكتب جماعة الإخوان، وتلك التى تدور فى فلكها أو تتماشى معها، وبعد يناير 2011، تقدم الكتاب السياسى، خاصة من تلك التى تتعلق بنظام الرئيس السابق حسنى مبارك، أو يوميات وأحداث ميدان التحرير، والتحليلات حولها، وما جاء بعدها، يمكن أن نرصد هنا أنه فى فترة حكم الإخوان ظهرت عدة طبعات فى وقت واحد من كتب حسن البنا وسيد قطب، كتاب «معالم فى الطريق» صدرت منه ست طبعات فى وقت واحد سنة 2012، وكذلك رسائل حسن البنا، التى تقدم أفكاره وآراءه، فضلاً عن كثير من الكتب التى تعبر عن تلك الجماعة، لكن نشر هذه الأعمال يدخل فى باب «النشر الموجه» لفرض اتجاه معين على القراء وعلى المواطنين، أو خلق انطباع «كاذب» بأن هذه الأعمال مرغوبة، بتكرار عرضها على الأرصفة، هم برعوا فى خلق هذا الانطباع لسنوات، حتى تصور البعض أنه حقيقى وصحيح.. والآن نجد البوصلة تتجه فى المقام الأول إلى الكتب الأدبية، وبعضها يحقق أرقام مبيعات غير مسبوقة، لأسماء جديدة، تظهر فى الساحة الأدبية، بالإضافة إلى الأسماء التى رسخت فى ذهن القراء من الكتاب والمبدعين.
يمكن أن نضيف إلى ما سبق الإقبال اللافت من الجمهور على المعرض كله هذا العام، زوار المعرض حتى مساء السبت الماضى، 4 فبراير، تجاوز عددهم، كل الذين دخلوا المعرض فى دورته السابقة، أى عام 2016، واضطرت إدارة المرور يوم الجمعة، بعد الصلاة، إلى تغيير بعض المسارات من شدة الزحام فى شارع صلاح سالم، أمام منطقة المعرض، بين العباسية ومدخل مدينة نصر، وهناك ملاحظة أبداها مثقف عربى، زار القاهرة خصيصاً لحضور المعرض، واعتاد أن يحضره سنوياً، حيث لاحظ دخول أسر بأكملها، وهؤلاء يمكن ألا يشتروا كتباً، لكنهم جاءوا للفرجة وللمتعة فقط، وهذا يعنى، طبقاً لتفسير ذلك المثقف، أن المصريين بدأوا يشعرون بالهدوء ويمارسون الحياة بشكل عادى، بعد السنوات العاصفة التى مرت بهم منذ أحداث ثورة يناير 2011 وصولاً إلى ثورة 30 يونيو، والحملة الإرهابية الشرسة على مصر والمصريين.
والنسبة الغالبة من جمهور المعرض هم طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس، والشباب حديث التخرج، وأن يكون اتجاه هذه الشريحة، فى أغلبه، نحو الأعمال الأدبية، ثم التاريخية والسياسية، فهذا يعنى أننا بإزاء قطاع يريد أن يخرج من حالة الاستنفار والاستقطاب الحادة التى فرضتها علينا السنوات الماضية، حيث الارتباط بالواقع مع مساحة من الخيال والتأمل.
المصريون، طوال تاريخهم، محبون للحياة ومقبلون عليها، ولا يحتمل هذا الشعب أن يحيا فى توتر يريد البعض أن يفرضه عليه، ولا أن يعيش وسط الخوف والقلق، مللنا هذه الحالة، مللنا التوتر اليومى والهلع الذى يفرضه البعض علينا. لأسباب عديدة تخصهم هم.
باختصار، نحن نريد العودة إلى ما هو إنسانى وبسيط.
الآن، يدرك المصريون أنهم على الطريق الذى بدأت الأضواء تظهر عليه، وتبشر بما هو أحسن وأفضل، وبما حلموا به فى العيش بكرامة، ودون إهانة العوز، أو أى إهانة أخرى، وأن وطنهم يسترد عافيته، ويستعيد صورته البهية، ودوره الوضاء فى المنطقة.
لا يتعلق الأمر فقط بمشروعات قومية كبرى، تحققت أو فى طريقها للتحقيق، مثل مشروع ازدواج قناة السويس، لكن المصريين فى عمومهم يلحظون خطوات حثيثة إلى الأمام، نحو النهوض، وأن استقراراً يتحقق، وأمناً ينعمون به، رغم بعض العمليات الإرهابية فى شمال سيناء.
لم يعد معرض الكتاب مجرد مناسبة للبيع، وترويج عملية النشر، كما يريد له البعض، ويصرون على ذلك، ولم يعد كذلك مناسبة تخص المثقفين والكتاب وحدهم، لكنه صار حالة مصرية بامتياز، تحمل كل تجلياتنا الاجتماعية والثقافية والإنسانية والاقتصادية.
خيب معرض القاهرة الدولى للكتاب، هذا العام، توقعات البعض، وربما تمنيات البعض الآخر، من عدم النجاح أو الفشل، كما أنه بدد مخاوف كثيرين من عدم الإقبال بسبب ارتفاع الأسعار، جاء الإقبال مخيباً لهذه التوقعات، ومتجاوزاً كل المخاوف، وتلك واحدة من مفاجآت الحالة المصرية دائماً.
يمكن أن نضيف إلى حالة المعرض، كذلك، حالة الاهتمام والمتابعة المصرية لمشاركة المنتخب الوطنى فى كأس أفريقيا، وما صاحب ذلك من أفراح وأهازيج يرددها كثيرون، إنها حالة من البهجة الوطنية، إن صحت التسمية، وهناك مشاركة ومتابعة عربية كبيرة لها، الجميع يتابعون الحالة المصرية وسعداء بها، إلا من كان فى قلبه مرض، وهؤلاء قلة، لكن من المحيط إلى الخليج ابتهاج بالحالة المصرية، المصريون يعودون إلى طبيعتهم وحياتهم الطبيعية، أو كما قال لى الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، قبل أيام فى «الجنادرية»: «مصر قامت.. مصر عادت».
نقلا عن الوطن