تجاوزات لم نكن نعرفها
فاروق عطية
٣٠:
٠٤
م +02:00 EET
الاثنين ١٣ فبراير ٢٠١٧
بقلم : فاروق عطية
سألني صديق شاب قائلا: أعلم أنك عاصرت ما يطلق عليه الآن فترة الزمن الجميل (فترة ما قبل حركة ضباط 23 يوليو الغير مباركة) هل كانت هناك تجاوزات لضباط الشرطة كما نعايشه الأن ؟ وموضوع مقالتي اليوم هو الرد علي هذا السؤال:
ما قبل الخمسينيات إبّان الحكم الملكي كانت كلية ضباط الشرطة تنتقي طالبي الالتحاق بها من أبناء الطبقة الارستقراطية والطبقة الوسطي ولا تقبل أبناء الطبقة الفقيرة ليكونوا ضباطا. وكان تبرير ذلك أن المقبولين لابد أن يكونوا قد تربوا في أسر محترمة تمتاز بالنقاء والسمعة الطيبة ونظافة اليد. ليس ذلك معناه أن طبقة الفقراء جميعهم لا يمتلكون هذه الصفات، بل لأن بعضهم لشدة الفقر ينحرفون إلي تجارة المخدرات أو السرقة والغش وغيرها مما يخالف القانون. كما أن البعض ممن لا يقترف هذه الخطايا القانونية يشب أبناؤهم رغم التربية الحسنة علي بعض الحقد أو الكراهية لمن هم أغني منهم وربما هذا يجعلهم عندما يكونون في موضع السلطة ينحازون لمن هم في مستوي عوائلهم ضد من هم في مستوي أرقي. وكانت كلية الشرطة تعلّم طلابها احترام القانون وحقوق الإنسان والتعامل مع البشر بالحسني، وأن المتهم بريئ حتي تثيت إدامته.
أيضا كانت غالبية الشعب المصري يتحلون بالطيبة واحترام القانون ويبجلون رجال الشرطة ويعتبرون الضابط أو حتي العسكري هو ممثل الحكومة له كل الاحترام والتقدير. لذلك كان هناك انضباط تام ولم نسمع عن تجاوزات تذكر. وحين تدخل أحد أقسام الشرطة في تلك الأيام لأي سبب من الأسباب كُنت تعامل معاملة حسنة وتُجاب طلباتك بكل احترام وإنسانية.
ولكن للأسف بعد حركة ضباط 23 يوليو وتحولها إلي ثورة، انقلبت الموازين وأعطيت الطبقة الدنيا مميزات جعلتها تسود وتتفرعن، كما تم التنُكِيل بالطبقة الارستقراطية وغالبية الطبقة الوسطي وتقُلِيم أظافرها. وعلي هذا المنوال قبِلت كلية ضباط الشرطة طُلّابها من أبناء الطبقة الدنيا دون تمييز بين الصالح والطالح، وتسابق تجار المخدرات وعتاة المجرمين لإدخال أبنائهم كلية الشرطة ليتخرجوا ضباطا يدافعون عنهم إذا وقع المحظور وقُبض علي أحدهم. كما تغيرت المفاهيم التعليمية وأصبح من ضمن ما تلقّنه كلية الشرطة لطلّابها كيف تحصل علي اعتراف المتهم بأقصي أنواع القسوة الجسدية والنفسية، مع إدخال قاموس أقزع الألفظ وأحطها للتعامل مع المواطنين، وصارت الشرطة في خدمة النظام وحماية الحاكم ضد الشعب الأعزل، وخلق المبررات للتنكيل بمن يقع تحت قبضتهم، وأصبح الدخول لأحد أقسام الشرطة حتي للشهادة مغامرة غير محمودة العواقب.
كان في السابق يُختار وزير الداخلية من السياسيين وليس من الضباط المتقاعدين كما يحدث هذه الأيام، لذلك كان وزير الداخلية حازما في قراراته في الترقيات بعتمد علي الكفاءة الشُرطية. أما الآن يختار وزير الداخلية من الضباط المتقاعدين أو من الرتب العُليا للشرطة علي أن يكون منتميا للنظام أو الحزب الموالي للنظام، وتكون قراراته انعكاسا لتوجهاته، يُرقّي محاسيبه والمنتمين للنظام علي حساب الكفاءة الشرطية.
وبعد أن استتب الحكم الجملوكي في مصر عادت كلية الشرطة لاختيار طلابها من طبقة الأثرياء وأبناء ضباط الشرطة وامتنعت عن قبول أبناء الطبقة الفقيرة والطبقة الوسطي. وللأسف أثرياء هذه الأيام ليست الطبقات المثقفة عالية التعليم كما كان في الزمن الجميل ولكنهم أثرياء النظام الحاكم من الفاسدين ومستغلّي وظائفهم وتجار السوق السوداء والمخدرات وكافة الممنوعات. وبالطبع أبناء هذه الطبقة الثرية أكثر فسادا من آبائهم، فانعكس ذلك علي أداء ضباط الشرطة وأصبحوا أكثر انفلاتا وتجاوزا.
كانت طبقة الصف ضباط والعساكر تختار من رديف من أدوا الخدمة العسكرية الإجبارية، وكانوا في الغالب منضبطين عسكريا يؤدون عملهم بإخلاص واحترام لمن هم أعلي منهم رتبة. أراد النظام أن يرتقي بالخدمة لما تحت رتبة الضباط، فأنشأوا معاهد لتخريج من أسموهم بأمناء الشرطة يُقبلون من الحاصلين علي الثانوية العامة ممن لا تقبلهم الكليات الجامعية لانخفاض درجات تحصيلهم الدراسي، يتخرجون بعد تعليمهم العلوم الشرطية لمدة عامين.
هذه الطبقة من أمناء الشرطة رغم ما يتقاضونه من أجور كبيرة تفوق أضعاف مرتبات أترابهم ممن حصلوا علي درجات كبيرة بالثانوية العام ودخلوا كليات القمة وتخرجوا، لكنهم يشعرون بالغبن والحقد علي رؤسائهم ضباط الشرطة، وهم من أساءوا للنظام الشرطي أكثر مما أساء الضباط المتحاوزون. منهم من امتدت يده للحصول علي الرشوة ومنهم من انخرط في أعمال إرهابية ضد رؤسائهم من الضباط ومنهم من كون عصابات تعمل ضد القانون. وفيهم بالطبع الكثير من المنضبطين الصالحين.
بالرغم من كل التجاوزات التي نقرأها في الصحف يوميا لضباط الشرطة وأمنئها لكنها للحقيقة تحدث من أقلية فاسدة تُبقّع الثوب الأبيض للشرطة المصرية بالسواد، وتسيئ لسمعته محليا وعالميا، وتعطي مؤشرا خطيرا يؤثر علي السياحة العالمية إلي مصر رغم ما تمتلكة مصر من أروع مقومات السياحة العالمية من آثار تمثل ثلثي آثار العالم، وطبيعة خلابة وشواطئ ساحرة وطقس رائع طوال العام، وغيرها من المقومات الثقافية والدينية. ويكفي حادثين مشينين للشرطة تداولا عالميا كان لهم أثر واضح في تدني ألسياحة إلي مصر، أولهما حادثة تعذيب الطالب الإيطالي ريجيني وعدم الشفافية الكافية من الحكومة المصرية لإماطة اللثام حول هذه الحادثة أدت لتدني بل لانعدام السياحة الإيطالية إلي مصر. وتأتي أخيرا حادثة الثالث من فبراير ومحاولة الإرهابي المصري عبد الله رضا الحماحمي (29 عاما) الهجوم علي أفرد الشرطة الفرنسية الحرّاس علي متحف اللوفر مستخدما سكينين كبيرين (بطول 40 سم) ومحاولة اقتحام المتحف، أصاب أحدهم بجرح في الرأس مما اضطر آخر لأطلاق خمس رصاصات عليه وإصابته بإصابة خطيرة في أسفل البطن نقل علي إثرها للمستشفي. والغريب في الأمر أن هذا الإرهابي المنتمي لداعش من أسرة مصرية شّرطية من محافظة الدقهلية، والده لواء شرطة سابق في وزارة الداخلية المصرية تقاعد عام 1995، وأحد أشقائه يعمل فى جهة سيادية، والآخر يعمل ضابطا بقطاع الأمن المركزى، بدلا من أن يبثوا فيه الروح الشرطية وتقديس الأمن وسلامة البشر زرعوا فيه أو علي الأقل لم يثنوه عن الانتماء للغكر الداعشي الهدام. حاول الأب الدفاع عن نجله قائلا إن ابنه ليس متشددا إسلاميا وإن السلطات الفرنسية تتهمه بالإرهاب لتبرير الأسلوب العنيف الذي استخدم ضده، ولم يكن الوالد قادرا على تفسير التغريدات الموقعة باسم ابنه التي ارسلت قبل الاعتداء وتضمنت شعارات اسلامية متطرفة. جاء في احداها: " لا تفاوض، لا مساومة، لا مداهنة.. ثبات لا تراجع، حرب لا هوادة فيها" وفي أخري يصف فيها الدواعش: هم يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.. وفيم الخوف من لوم الناس، وهم قد ضمنوا حُب رب الناس؟ وفيم الوقوف". وفي اخري: "لماذا يخافون من قيام دولة للإسلام؟! لأن دولة الإسلام تدافع عن مواردها وأرضها وعرض المسلمين وكرامتهم، ترد الصاع”، ” بسم الله الرحمن الرحيم اللهمَّ أن لنا إخوة ً مُجاهدينَ فى سوريا وكل بقاع الأرض… ولنا اخوة مجاهدين"...الخ. وفي فترات استفاقته أعلن أنه لم يبايع داعش لكنه يميل لأفكارهم، وأنه كان يحمل في حقيبته بخاختين من الدوكو لتشويه بعض مقتنيات المتحف من اللوحات الثمينة انتقاما لما تم في حق المجاهدين بسوريا.
وأنا شخصيا لي واقعتين مع الشرطة المصرية، أولهما في فترة الشباب في مرحلة الدراسة الثانوية، كنت أتردد مع بعض الأصدقاء علي مكتبة فرع الأخوان بمدينة طهطا لاستعارة بعض الكتب الثقافية. وفي 26 يوليو 1954 حاول محمود عبداللطيف أحد أعوان الإخوان المسلمين إطلاق النار علي عبد الناصر أثناء إلقائه الخطاب بميدان المنشية، وتم القبض عليه وصدرت الأوامر بغلق مقرات الإخوان والقبض علي أفرادهم. ولما كان اسمي مدون ضمن مستعيري المكتبة، فقد تم القبض علي ضمن أعضاء الأخوان المقبوض عليهم في منتصف الليل، وقضيت باقي الليل مع المحتجزين بالمركز. وفي الصباح عندما حضر الضابط عبد العزير رئيس المباحث وكان يعرفني لأنه جار لنا، كان متعجبا للقبض علي ضمن عصابة الإخوان وأطلق سراحي.
والواقعة الثانية كانت منذ عدة شهور عند زيارتي الأخيرة للقاهرة، وكنت أسير في شارع عماد الين وسط القاهرة، شاهدت ثلاث فتيات خارجات من سينما كوزموس، ومجموعة من الشباب المنفلت يحاولون التحرش بهن، صرخت الفتيات واندفعن داخل صيدلية مواجهة للسينما طالبات الاحتماء بها. اندفع الشباب خلفهن يريدون جذبهم للخارج. أتصل الصيلي بالشرطة وحاول الدفاع عنهن فأوسعوه ضربا. وحين حضرت سيارة الشرطة قبضت علي الجميع بما فيهم الصيدلي بحجة الشغب ومحاولة التحرش بالفتيات. تدخلت بصفتي شاهد للواقعة من أولها لآخرها، حاولت تنبيه ضابط الحملة أن الصيدلي ليس متحرشا لكنه هومن دافع عن الفتيات ونال الضرب من المتحرشين. نظر إلي باحتقر قائلا: وانت كمان معهم يا روح امك، وجذبني بعنف وحاول إلقائي داخل البوكس فارتطم رأسي بالمقعد الحديدي فصرخت من الألم لأستيقظ من نومي مغزوعا.