بقلم: ماريا ألفي إدوارد
لقد اعتاد الإنسان المصري منذ صغره على ثقافة الصمت، وذلك لظروف ترجع إلى نشأته وبيئته التي تربَّى عليها؛ فمثلاً في المدرسة- وهي أول أشكال تعرف الطفل على المجتمع حوله- كان يسمع دائمًا "سكوت.. قيام.. جلوس"، وفي المنزل "اسكت يا حبيبي عشان بابا يجيبلك حاجة حلوة"، وإلى غير ذلك من كلمات جعلت منا كثيري الصمت والسكوت.

وفجأة حدثت المعجزة؛ حيث قام الشباب المصري الهمام بالخروج عن صمته وذلك بعمل انتفاضة شعبية، أعتبرها تمردًا مشروعًا للمطالبة بحقوقه في العيش بكرامة.. تمرُّد على ثقافة قمع واستبداد استمرت معه لسنوات طويلة..
تمرُّد على ظروف صعبة عانى منها المصريون جميعًا كبارًا وصغارًا في مجتمع لا يحتويهم، وفي كثير من الأحيان لا يحميهم!

بدأ الموضوع ببساطة بعد ثورة "تونس" التي أعتبرها أداة لتنبيه الشعوب العربية بشكل عام، والشعب المصري بشكل خاص، حيث بدأ البعض بصياغة عبارات تعظِّم من الشأن التونسي وتقلل بعض الشيء من شأن الشباب المصري، منها:
* "تونس اختارت التغيير، و"مصر" اختارت شيبسي بالجمبري".
* "الحرية لا تأتي هوم ديليفري".
* "الشعب التونسي أراد الحياة فاستجاب القدر، ولكن الشعب المصري أراد الحياة فوجدها على تردد 12255 أفقي".

بعدها أيقن الشعب المصري بضرورة قيامه بثورة مماثلة للتخلُّص من النظام الاستبدادي الذي يشهده دومًا، فجاءت الدعوات الإليكترونية التي تعلن عن ثورة وانتفاضة شعبية يوم 25 يناير، كنت من ضمن الكثيرين الذين قالوا إنها ستكون مظاهرات بسيطة- إن حدثت- وبعدها لا يتغير شيئ، فما الذي سيستطيع الشباب عمله؟!

ولكن خيَّب الشباب ظني، وفُوجئ الجميع بانتفاضة شعبية هزَّت أركان "مصر"، وراح ضحيتها الكثير من الشباب الذين استشهدوا في سبيل منح الحرية لنا، وفي سبيل العزة والكرامة الإنسانية.

وجاء بعد هذه الثورة خطابان للرئيس "مبارك"؛ أولهما كان يوم الجمعة 28 يناير، والذي في تقديري جاء متأخرًا جدًا، ولا يتناسب مع ضخامة الحدث.
والثاني يوم الثلاثاء الذي يليه، والذي ركَّز فيه الرئيس- في وجهة نظري- على الجانب العاطفي، حيث جاءت فيه كلمات مثل "سأعيش وأموت على تراب أرض مصر"، وغيرها من كلمات ركَّزت على الجانب العاطفي. ولأن الشعب المصري عاطفي بطبعه؛ نتج عن ذلك تعاطف الكثيرين مع النظام والرئيس.

كنت أنا أول المتعاطفين معه، ولكن عند بحثي بالإنترنت لأرى ما قُدِّم لنا خلال السنوات الماضية، للأسف وجدت الأكثرية تتمثل في "ذل- مرض-موت- فقر-
فساد- ظلم".

ووجدتُ أيضًا إحصائيات قام بجمعها أحد شباب الثورة، وتقول هذه الإحصائيات، ما يلي:
*هناك 30 مليون مصري مريض بالاكتئاب، منهم مليون ونصف مريض بالاكتئاب الجسيم، من بينهم 15% يلجئون إلى الانتحار.." (المرجع: د. أحمد عكاشة في ندوة المصري اليوم).
* تحتل "مصر" المركز (57) من بين (60) دولة في تقرير البؤس العالمي.."
(المرجع: مؤشر بلومبيرج).
*هناك (48) مليون فقير، و(1109) منطقة عشوائية.. (المرجع: تقرير صندوق النقد الدولي للتنمية الزراعية).
*هناك مليونان ونصف يعيشون في فقر مدقع.. (المرجع: تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإدارية).
*هناك 45% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر بأقل من دولار في اليوم..
(المرجع: لجنة الإنتاج الزراعي في مجلس الشورى).
*هناك 12 مليون مصري دون مأوى، منهم مليون ونصف يعيشون في المقابر..
(المرجع: الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء).
*هناك ما لا يقل عن 46% من الأسر المصرية لا تجد الطعام الكافي للحركة والنشاط.. (المرجع: تقرير شعبة الخدمات الصحية والسكان في المجلس القومي للخدمات والتنمية الإدارية).
*هناك 88 ألفا و779 قتيلا، و279 ألفًا و223 مصابًا في حوادث الطرق عام 2006، وهو ما يمنح "مصر" المركز الأول على مستوى العالم في ضحايا حوادث الطرق.. (المرجع: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء).
*هناك (7294) حادثًا في الفترة من 2000 إلى 2006 أسفرت عن مصرع (573) شخصًا وإصابة (805) آخرين. كما أن لدينا أربعة مليارات جنيه خسائر سنوية بسبب حوادث الطرق.. (المرجع: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار).
*هناك 39 مليارًا و373 مليونًا و542 ألف جنيه، 370441 فدانًا دار حولهم فساد مالي وإداري وإهدار مال عام من أبريل 2008 إلى يناير 2009..
(المرجع: تقرير عام 2008 لمركز الدراسات الريفية).
* "مصر" تحتل المركز الأخير بين (134) دولة في معدل تعيين الأقارب والأصدقاء في المناصب المختلفة.. (المرجع: تقرير التنافسية العالمية).
* "مصر" تحتل المركز (115) بين (134) دولة، وفقًا لمؤشِّر مدركات الفساد الذي يقيس درجة انتشاره بين المسئولين في الدولة.. (المرجع: تقرير التنافسية العالمية).
* "مصر" تتراجع من المركز (72) عام 2006 إلى المركز (105) عام 2007 إلى المركز (115) عام 2008 في مؤشر الشفافية والنزاهة.. (المرجع: منظمة الشفافية العالمية).
* يوجد في مصر 8 مليون مصاب بالسكر، و9 مليون مصاب بفيروس سي.. (المرجع:
د. مديحة خطاب رئيس لجنة الصحة بأمانة السياسات).
* هناك (20) ألف مصري يموتون سنويًا بسبب نقص الدماء.. (المرجع: تقرير لوزارة الصحة).
* هناك أكثر من 100 ألف مواطن يصابون بالسرطان سنويًا بسبب تلوث المياه..
(المرجع: د. أحمد لطفي استشاري أمراض الباطنة والقلب في مستشفى القصر العيني).
* يوجد سيارة إسعاف لكل 35 ألف مواطن.. (المرجع: د. حاتم الجبلي، الأهرام، 3/7/2008).
* تقدّر ثروة الرئيس من 40 إلى 70 مليار دولار (المصدر: تقرير الجارديان).

وعندها، وبعد قراءة هذه الإحصائيات، استيقظت من غفلتي، وقرَّرت الآتي:
لا أتعاطف مع:
- نظام تفنَّن في إذلال وقمع شعبه.
- نظام راح ضحيته الكثير من الشهداء، قُتلوا بيد المنوط بهم حمايتنا.
- نظام جعل شبابه وأبنائه يفرون خارج البلاد في هجرة غير شرعية؛ بحثًا عن لقمة العيش.
- نظام عذب وسجن واعتقل.
وإلى غير ذلك من قائمة طويلة.

فلا تعاطف بعد اليوم إلا لمن يستحق..