الأقباط متحدون - أوهام القوة والنصر على الارهاب في الموصل والرقة تتناسى الكثير ومنها تواجد داعش في أكثر من موقع غير الموصل والرقة
  • ١٣:١٢
  • الخميس , ٢٣ فبراير ٢٠١٧
English version

أوهام القوة والنصر على الارهاب في الموصل والرقة تتناسى الكثير ومنها تواجد داعش في أكثر من موقع غير الموصل والرقة

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٠٩: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

  ميشيل حنا الحاج
تعبير "أوهام القوة والنصر"  مقتبس من كتاب للأستاذ محمد حسنين هيكل، نشره اثر الحرب الدولية ضد العراق عام 1991، وكان عنوانه :"أوهام القوة والنصر"، وهي ذات الأوهام بالنصر الكبير التي  ربما راودت عقل صدام حسين عندما فكر باجتياح الكويت، وذات الأوهام بالنصر على النظام العراقي وتصفيته نتيجة الحملة الدولية ضده التي نظمتها الولايات المتحدة بذريعة تحرير الكويت، التي كان تسهيل اجتياحها فخ نصب في حينه للرئيس العراقي فوقع فيه. وبوقوعه في الفخ، ظن الأميركيون أن أيامه على مقعد الرئاسة باتت معدودة، غير متوقعين أن أوهام القوة والنصر التي اجتاحت العقول الأميركية، سرعان ما ستسقط، تذوى وتضمحل، لدى اضطرارهم الى اعلان وقف مفاجىء للقتال ضد العراق،  للحيلولة دون سقوط بغداد  بايدي من وصفوا بالغزاة من حرس الثورة الايرانيين المؤيدين من بعض شيعة جنوب العراق، ولتمكين صدام من مقاتلتهم بعد أن أذنوا للسوفيات بتجديد أسلحته التي دمرت  خلال الحرب.  بل وقطعوا لصدام تعهدا بعدم التعرض لنظامه مما أبقاه في مقعد القيادة لاثني عشر عاما أخرى، خلافا لكل أوهام القوة والنصر التي راودت الرئيس جورج بوش الأب وقائد الحملة على العراق الجنرال نورمان شوارزكوف.

ولكن ها هي أوهام القوة والنصر تراود عقول الاميركيين مرة أخرى، مقدرة النصر السريع والحاسم  على الارهاب، وخاصة على تلك الشريحة منه الموصوفة بالدولة الاسلامية المتواجدة خاصة في سوريا والعراق، حيث توجد القيادات الأم لذاك التنظيم، سواء في الموصل أو في الرقة.

لكن طروحات النصر السريع على الارهاب، والتي بنيت على أساس تحرير الموصل وكذلك الرقة من سيطرة الدولة الاسلامية الداعشية، هي طروحات واهمة ومتسرعة، متناسية بقاء عدة عوامل  تنذر بتجدد الحياة في الارهاب، وبقائه ناشطا... وربما عودته الى نشاطه العلني أو السري في وقت اقرب من المتوقع. 

هذه العوامل الكثيرة هي:
أولا)  أن الدولة الاسلامية ليست متواجدة فحسب  في الموصل أو في الرقة، اذ لها تواجد في أكثر من موقع سواء في العراق أو في سوريا.

أ)   فعلى صعيد العراق، للدولة الاسلامية تواجد في جنوب الحبانية، ووجود قوي في منطقة القائم القريبة من مفترق طرق  تقود الى العراق والأردن. كما أنها متواجدة وبقوة في تلعفر وكذلك في جبل سنجار وفي الحويجة. والأهم من ذلك تواجدها الكثيف في بغداد ذاتها على شاكلة خلايا نائمة غالبا ما تفاجيء العراقيين بتفجيرات انتحارية تحصد عددا من الأبرياء، سواء في بغداد أو في مدن عراقية أخرى. علما أن هذه الدولة معروفة بقدرتها على الحركة والتنقل السريع والمفاجىء، مما يضفي صعوبة كبرى على تحرير الجزء الجنوبي للموصل المكتظة بالسكان والمتداخلة في أحيائها الضيقة، رغم مشاركة خمسة الف جندي وخبير أميركي الى جانب القوات العراقية في العملية القتالية، اضافة الى بضع مئات من الجنود والخبراء البريطانيين.  وها هم يحاولون عبثا منذ عدة اسابيع، الوصول الى مطار الموصل الموجود في اطراف المدينة التي وعد بتحريرها كاملة قبل نهاية العام الماضي، وجرى لاحقا تمديد موعد اكتمال التحرير لبضعة شهور أخرى. 

ب) وعلى صعيد سوريا، فان الرقة ليست معقلها الوحيد. اذ هناك مدينة الباب التي للدولة الاسلامية تواجد كثيف فيها جعل من المتعذر سقوطها بالسرعة التي كانت متوقعة، رغم مشاركة القوات التركية منذ شهرين بمهاجمتها من ناحية، والقوات السورية من ناحية أخرى.  فرغم الادعاء التركي بأنهم يقتربون من وسط البلد، يرجح المرصد السوري لحقوق الانسان المشهود له حتى الآن بالمصداقية، أنهم ما زالوا في أطراف المدينة رغم كل الاغارات الجوية التركية والاميركية على ذاك الموقع. وهذه المعركة تذكرنا بمعركة سرت في ليبيا التي استغرق تحريرها عاما كاملا، ومع ذلك لم  تزل فيها بعض جيوب المقاومة. واضافة  الى تواجد الدولة الاسلامية القوي في الباب، لديهم تواجد في تدمر، وفي محافظة دير الزور، وفي عدة مواقع أخرى يصعب حصرها، وخصوصا في بادية حمص الجنوبية وريف درعا الجنوبي، حيث توجد كتيبة خالد بن الوليد المكونة من كتيبة اليرموك وكتائب أخرى مسلحة تسليحا جيدا. وهي تضم 1800 مقاتل كما قيل مرة،  و 1200 مقاتل في قول آخر. وهذه  تنتهز الآن فرصة انشغال جبهة النصرة (فتح الشام) بمعركة ضد القوات السورية في منطقة منشية درعا، فتشتبك مع الطرفين في مسعى لتعزيز موقفها في المنطقة، بغية احكام السيطرة على المناطق الحدودية في درعا، وكذلك في القنيطرة والجولان حيث التواجد الاسرائيلي، ربما رغبة في الهيمنة على تلك الحدود مع اسرائيل كحدود احتياطية قادرة على ايراد الذخيرة والسلاح لها اذا ما استمر اغلاق الحدود التركية في وجهها. ولكن مع اشتعال القتال في درعا أيضا وعلى مقربة من الحدود الأردنية،  اضطر حكومة الأردن لوضع قواتها المتواجدة على الحدود في حالة الانذار. ولكن الخبير العسكري الأردني فايز الدويري يقول أن مهمة هذه القوات الداعشية الرئيسية، هي التوجه شمالا وليس جنوبا. فالتوجه جنوبا مجرد مهمة مؤقتة تسعى لتحقيق مكاسب في جنوب سوريا وخصوصا في درعا، مستغلة انشغال جبهة النصرة (فتح الشام) بالقتال مع اطراف أخرى. ويرجح البعض، أنها ربما تسعى لملاقاة جيش سوريا الدمقراطي الذي يزحف نحو الرقة، لمواجهته في منتصف الطريق،  والحيلولة دون وصوله الى الرقة ابتداء، مما يعني تأخير تحرير الرقة ولو لبعض الوقت.

ثانيا)  لو سلمنا جدلا  بامكانية تصفية داعش تصفية تامة ليس في الموصل والرقة فحسب، بل أيضا في المواقع الأخرى التي لهم تواجد فيها سواء في الاراضي السورية أو العراقية، فان ذلك لن يؤدي الى استئصال أذرعهم وتواجدهم في المواقع الاخرى من العالم. اذ لهم تواجد في نيجيرها باسم بوكو حرام، وفي الفلبين باسم مجموعة أبو سياف، وفي مواقع كثيرة أخرى كاليمن وسيناء حيث توجد مجموعة المنتسبين لولاية سيناء الارهابية، ومجموعة أخرى باسم بيت المقدس التي أعلنت ولاءها للدولة الاسلامية فور ظهور تلك الدولة. ولا ينبغي أن ننسى تواجد الدولة الاسلامية في ليبيا، حيث لها بقايا في سرت، وتواجد قوي في بعض مناطق بنغازي، ودرنة، بل وفي اقصى غرب ليبيا القريبة من حدود الدول الأفريقية، حيث توجد قواعد ناشطة لهم.

ثالثا) لو افترضنا جدلا النجاح في استئصال الدولة الاسلامية وتحجيم أو استئصال فروعها أيضا، فلا يجوز أن ننسى أصل الدولة الاسلامية الذي نشأت وتفرعت منه وهو تنظيم القاعدة: الأم الرؤوم للحركات الارهابية والتي انبثقت منها العديد من تلك التنظيمات. فتنظيم القاعدة حي وناشط في سورية باسم جبهة النصرة، وفي الصومال باسم جبهة شباب الصومال، وفي المغرب العربي باسم تنظيم القاعدة في المغرب العربي، ومثلة تنظيم القاعدة في اليمن وفي مواقع أخرى عديدة، علما أن كل محاولات القوات الأميركية  منذ غزو افغانستان عام 2001 وعلى مدى ستة عشر عاما، لم تفلح في استئصال تنظيم القاعدة أو حاميها وراعيها حركة طالبان أفغانستان، والتي نشأ لاحقا غلى غرارها حركة طالبان باكستان التي فجرت مؤخرا موقعا، بل مزارا شيعيا للصوفيين في باكستان وتسبب بمقتل تسعين شخصا من رواده.

وهنا لا بد من التساؤل عن سبب التفاؤل والتحلي بأوهام القوة والنصر لدى الأميركيين الذين يبشرون بنصر قريب على الدولة الاسلامية في كل من العراق وسوريا، وهم الذي أثبتوا عجزا ملموسا وفي مدى ستة عشر عاما، في القدرة على تصفية نوع آخر من الارهابيين في أفغانستان، هما تنظيم القاعدة وتنظيم طالبان، علما بأنه قد يكون هناك مبالغة في وصف حركة طالبان بالحركة الارهابية.

رابعا) لو فرضنا جدلا النجاح في استئصال الدولة الاسلامية أو حتى تنظيم القاعدة أيضا، فهل يؤدي ذلك الى انتهاء وجودهما، أم هو انتهاء مؤقت بانتهاء تواجد ممثليهما، لكن مع بقاء أفكارهما حية وناشطة وقابلة للانتشار.  فالفكر المرفوض لا يحارب فحسب بالقذائف واغارات الطائرات والجنود على الأرض، بل بفكر مقابل في محاولة للتغلب على الفكر السابق الذي انتشر سريعا منذ انتشار الوهابية التي لم تزل للأسف تحظى بحماية الدولة السعودية. وكان أمراء آل سعود قد عقدوا اتفاقا في نهايات القرن الثامن عشر مع الداعية الديني الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تم فيه الاتفاق على أن تكون السلطة الدينية وقراراتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب، على أن تكون السلطة السياسية والادارية لآل سعود.  وكان هذا الاتفاق قد عقد في مرحلة ضعف آل سعود وعدم قدرتهم على السيطرة على كامل الأراضي السعودية (والحجاز لاحقا). أما الآن وقد استقر الأمر لآل سعود في المملكة السعودية، حيث بسطوا سلطتهم التامة على كافة أراضي المملكة... ترى ألم يحن الوقت للتخلي عن هذا الاتفاق، وعن ترك السلطة الدينية بشكل مطلق في يد الوهابيين الذين نشروا تحت رعاية وحماية السعودية، افكارا في غاية التشدد،  وتسببت بنشر الكراهية للآخر، وفي انتشار الأفكار الظلامية التي ولد الارهاب والارهابيون في كنفها.  فاذا استعادت الدولة السعودية بعض هيمنتها على مقاليد الأمور الدينية، لن يكون عندئذ بوسعها فحسب منح مزيد من الحرية للمرأة بما فيها حقها في قيادة السيارة، بل أيضا في توجيه الأفكار الدينية نحو تشدد أقل، وتعصب أقل، وامتناع تام عن التوجه  نحو مزيد من الأفكار الارهابية الوهابية.

عودة الفرع الى الاصل  اي الى تنظيم القفاعهدة الذي فكت ارتباطها به.  .

الكاتب، المفكر والمحلل السياسي
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب - برلين.
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع