بقلم: شمعي أسعد
نعرف أننا شعب عاطفي، ندرك ذلك جيدًا، وكان الرئيس "مبارك" يُدرك ذلك أيضًا وهو يلقى الخطاب الذي أعلن فيه عدم ترشيحه مرة أخرى، خصوصًا فى الفقرة التي قال فيها: إنه قدَّم لـ"مصر" الكثير، ويريد أن يموت في أرض "مصر"، ونجح فعلاً في كسب أكبر "سوكسيه" ممكن، ونجح أيضًا في أن ينقسم المصريين على أنفسهم بسببه ما بين مؤيد
لاستمرار المظاهرات المطالبة بتنحيه تمامًا، وبين معارض لذلك، والاكتفاء بما تحقَّق، فضلاً عن من هم من مؤيدي بقاء الرئيس على كرسيه للنفس الأخيرـ فى الغالب كانوا يقصدون النفس الأخير لـ"مبارك" وليس لـ"مصر".
ثم دارت الخلافات على أشدها بعد هذا الخطاب، وصلت إلى حد التخوين والإتهام بالعمالة، حتى جاء لقاء "وائل غنيم" مؤسِّس صفحة "كلنا خالد سعيد" على "فيس بوك" الذي شاهدناه على قناة دريم، وقد كان مؤثرًا أيضًا
أبكى الجميع معه، ليعيد بذلك بعض الوئام للصفوف، ويجدِّد حماس من قد فتر، ويعيد تدفق المئات مرة أخرى لميدان "التحرير".
ولكن، ما الفرق بين التأثير العاطفي للرئيس "مبارك" والتأثير العاطفي لـ"وائل غنيم"؟
يأتي أول تلك الفروق وأهمها، أن الرئيس كان يتحدَّث عن نفسه، بينما "وائل" كان يتحدث عن "مصر".
كان الرئيس يقرأ من ورقة كتبها له أحدهم، بينما كلمات "وائل" كانت تتدفق من قلبه مباشرة، لتصب في قلوب مستمعيه أيضًا.
كان الرئيس يتحدَّث عما قدَّمه لـ"مصر"، بينما "وائل" كان يتحدَّث عما كان ينقص "مصر"، ولم يقدِّمه الرئيس.
كان الرئيس يتحدَّث عن رغبته في الموت في أرض "مصر"، بينما "وائل" كان يريد الحياة لـ"مصر" ذاتها.
كان الرئيس يتحدَّث في نفس اللحظة التي كان رجاله ومناصروه فيها يسحلون ويقتلون المتظاهرين، ولم يعتذر الرئيس ولم يتأسف، بينما "وائل" حاول أن يعتذر نيابة عنهم، رغم كونه أحد الضحايا.
أما عن دور الداخلية، فلا شك أنها ساعدت في نجاح المظاهرات عدة مرات، مرة بمحاولة قمعها في البداية وإطلاقها الرصاص الحي على المتظاهرين فزاد ذلك من حدة الغضب، وحرَّك الغضب الدولي أيضًا ضد نظام "مبارك"، ومرة أخرى باعتقالها لكثير من النشطاء والمتظاهرين ومنهم "وائل غنيم"، ليخرج بعدها بذلك اللقاء المؤثِّر الذي أفقد الرئيس بعض التعاطف الذى ناله بعد خطابه، فضلاً عن أن صفحة "خالد سعيد" التي حرَكت تلك المظاهرات تأسَّست أصلاً بسبب الجريمة المعروفة لاثنين من المخبرين حينما قتلا الشاب "خالد سعيد" في الطريق العام.
ويأكلني الفضول حقًا لأعرف، هل يدركون الآن ما سبَّبوه لنظامهم بالكامل من انهيار بسبب غبائهم؟!
كم صرت على يقين بأن وزارة الداخلية لم تكن أبدًا أكثر ذكاءًا من الدبة التي قتلت صاحبها.