الأقباط متحدون - ما بعد الغرب
  • ١١:٠٤
  • الأحد , ٢٦ فبراير ٢٠١٧
English version

ما بعد الغرب

مقالات مختارة | بقلم :أحمد المسلمانى

٢٢: ٠١ م +03:00 EEST

الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٧

أحمد المسلمانى
أحمد المسلمانى

 إن العنوان العريض الذى يصِف مستقبل العالم هو «الغموض».. حيث تسود مساحة المجهول على المعلوم.. والقلق على اليقين.

 
نحن إزاء «نظام عالمى جديد»، أو أنّنا إزاء «لا نظام عالمى جديد».. وحين قرأتُ الاسم الذى أطلقه وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف على النظام الجديد «ما بعد الغرب».. قلتُ: كلّ ما أخشاه أن تكون البشرية إزاء نهاية وبداية جديدة.. على نحو ما يرى بعض العلماء والفلاسفة.. وأن يكون «ما بعد الغرب» هو مقدمة لما يمكن وصفه بـ«الأطروحة اليائسة».. أو «ما بعد العالم».
 
(1)
 
لقد تشرفتُ بإلقاء محاضرة فى «قصر العينى» قبل أيام.. وكان عنوانها «الهندسة السياسية.. مصر والعالم فى مفترق الطرق».. وفيها عرضتُ جوانبَ من «مثلّث القلق» فى العالم.
 
الضلع الأول فى مثلّث القلق: السياسة الدولية.. حيث يطغى الغموض على مستقبل الولايات المتحدة والصين وأوروبا والعالم الإسلامى.
 
لا يزال المسلمون يعانون من معادلة التطرف البائسة: الإسلام ضد الإسلام، والإسلام ضد العالم، كما لا تزال الدول الإسلامية الرئيسية فى العالم تعانى حرب استنزاف بالعقل أو بالدم.. من إندونيسيا وماليزيا وباكستان.. إلى تركيا وإيران ونيجيريا.. ومن بينها تحاول مصر ترميم بعض ما تكسّر وتشقّق.. وطرح مشروع حضارى جديد.
 
أما أوروبا، فهى تعيش نظرية المؤامرة الخارجية عليها.. وهى عند بعض عواصم أوروبا مؤامرة أمريكية خالصة، وعند البعض مؤامرة أمريكية روسية.. لضغطها فى المنتصف.. وإنهائها.. من الأطراف وصولاً إلى المركز.
 
وتعيش الولايات المتحدة هى الأخرى أجواء المؤامرة عليها.. وهى عند الديمقراطيين مؤامرةٌ روسية، وعند الجمهوريين مؤامرةٌ صينية، أما الصين التى باتت تواجه مشكلاتٍ اقتصادية.. فإن كبير المخططين الاستراتيجيين فى البيت الأبيض ستيفين بانون يتحدث عن حربيْن مقبلتين.. إحداهما فى بحر الصين الجنوبى، ويتحدث الصينيون عن أن الحرب الصينية - الأمريكية قد باتتْ واقعاً أكثر من أىّ وقت مضى.
 
وربما تكون أولى الخطوات الساخنة فى الحرب الباردة بين واشنطن وبكين.. هى الغزو الأمريكى لكوريا الشمالية.
 
(2)
 
الضلع الثانى فى مثلث القلق: الاقتصاد العالمى.. إن أمريكا المرتبكة تقود العالم إلى مزيد من الارتباك.. وبينما يتحدث علماء اجتماع عن الطبقية التى باتت تعصف بالقوة العظمى.. وأن (1%) من السكان يملكون أغلب الاقتصاد.. فإن البعض فى واشنطن راحَ يتطلّع سراً وعلانيةً إلى ما فى أيدى الآخرين. ويتحدث الرئيس ترامب عن مشكلات أمريكا.. وكأنها أصبحت فى اقتصادها ومرافقها وإعلامها ومؤسساتها جزءاً من العالم الثالث.
 
يتوازى مع ذلك أزمة خانقة فى أوروبا.. تمتد من اليونان إلى البرتغال.. حتى يبدو جنوب المتوسط وكأنّه حزام ناسف يطوّق أوروبا.
 
وضِمن المشهد.. صراع شركات عالمية.. يطيح كل جيل منها بالآخر.. من جيل الشركات الأوروبية إلى جيل الشركات اليابانية إلى جيل الشركات الصينية.. أو.. من جيل «فيليبس» إلى جيل «سونى» إلى جيل «هواوى».. ثم إلى محاولة أمريكا ترامب لإنهاء أجيال الصناعة غير الأمريكية وإعادة امتلاك المشهد الصناعى من جديد.
 
وضمن المشهد أيضاً.. دخول العالم العربى حقبة ما بعد النفط.. وحديث وزراء سعوديين عن تفادى احتمالات إفلاس المملكة.. وصعود منحنى الخوف فى المجتمعات النفطية من حقبة ما بعد الثراء.
 
(3)
 
الضلع الثالث: الفلسفة السياسية.. حيث تواجه «النظرية الديمقراطية» خطر الاندثار.. وصعود «الوطنية» فى مقابل «الديمقراطية».. بعد أن توازت عمليات «التحول الديمقراطى» فى دول عديدة مع انهيار الأمن أو انهيار الدول.. ومع إدراك المواطنين فى الدول الديمقراطية أن الانتخابات ليست إلا «المال والإعلام».. وكذلك مع فقدان ثقة الشعوب فى الصحافة والإعلام.. وسطوة الإعلام الشخصى عبر شبكات التواصل. وقد ساعد الرئيس ترامب فى الحط من شأن الإعلام وصعود موقع «تويتر» ليصبح عنواناً على حقبة «ما بعد الصحافة».
 
إلى جوار انكسار «النظرية الديمقراطية».. تواجه أطروحات «الوحدة» التى طالما سيطرت على النظرية السياسية.. بعد أن خاضت الولايات المتحدة حرباً أهلية راح ضحيتها أكثر من نصف مليون شخص لتوحيد أمريكا من الأطلسى إلى الهادى.. أو من «الماء إلى الماء».. وبعد أن خاض الأوروبيون مراحل متعاقبة من أجل تأسيس وتوسيع الاتحاد الأوروبى.. تواجه هذه الأطروحات الوحدوية انكساراً واضحاً.. من احتمالات تفكك «أوروبا» إلى احتمالات تفكك «الدولة» فى عدد من دول أوروبا.. إلى مشاريع التقسيم فى الشرق الأوسط.. وهى كلها معالم «فى «نظرية التفكيك» بعد تراجع «نظرية الوحدة». يضاف إلى ذلك الملامح الاشتراكية فى فكر ترامب.. وتراجع العولمة.. ثم تراجع الرأسمالية ذاتها.. والعودة إلى ما قبلها.
 
(4)
 
هنا «مثلث القلق» الذى يشكل «أيديولوجيا الغموض».. ومساحة «اللا يقين» فى مستقبل العالم.
 
كانت هذه محطات من محاضرتى فى «قصر العينى».. عن إعادة تشكيل العالم.. أو ما بعد الغرب.
 
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
نقلا عن الوطن
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع