حين يصمت اللسان
د. مينا ملاك عازر
الاثنين ٢٧ فبراير ٢٠١٧
د. مينا ملاك عازر
ظننت كثيراً أنني ذو قدرة على الكلام والتعبير عما بالقلب والعقل، بيد أن هذا بات واضح أنه ليس صحيح على الإطلاق، فها أنا أشعر أني عاجز عن الكلام، آلام هائلة تفوق القدرة والاحتمال تعتصر قلبي، وأفكار متلاحقة تعصف بعقلي، ولكنني لا أعرف ماذا أقول؟ وماذا أفعل؟ لساني يختار الصمت كلما هممت بالحديث، كلما حاولت التعليق أختار أن أضع يدي إلى جانبي صامتاً، وكأني أشعر أنه لا فائدة أبداً ممن يسمعون ويوهمونني في كل مرة أنهم يفهمون، الأخطاء تتكرر كل مرة بنفس الطريقة، بنفس الأشخاص، قد يحاولون تجميل أخطاءهم لتبدو في ثوب مختلف لكن النهاية والمحصلة واحدة، أن الخطأ يحدث والكارثة أنه في كل مرة الجميع مقتنع أنه غير مخطئ والباقي لا يفهم، وعلي أن أبدأ في محاولات متكررة ومتلاحقة في إفهام كل واحد حقيقة الموقف .
ولكنني في هذه المرة كللت ومللت، فقررت الصمت، قررت أن أترك الجميع يتجرع جرعات من نتائج إصراره على أن يرى الحياة بمنظاره هو، ذلك المنظار الأحادي الذي لا يجعله يرى الآخر، قررت ألا أعلق عن كارثة تتكرر كل يوم، نبذ للآخر ومعاناة له، واستضعاف للمستضعف، وصمت للدولة، وعجز أمني ومواءمات وتوازنات كنت أظنهم يفعلونها فقط في الصعيد والدلتا فقط، فيهجرون المستضعف ليرضوا الإرهابيين، الآن الوضع تغير وازداد سوءاً وخطورة، فهم يصمتون ويعجزون أمام رافعي السلاح، وليس المهددون برفعه، كنت أظنهم جادين طوال السنوات السابقة في حربهم على الإرهاب، وأنهم حققوا إنجازات وكنت أتهلل بمعاملات قوات إنفاذ القانون مع أولئك الخارجين عن القانون، لكن وفي عاصمة المحافظة يجري تهجير ليس في قرية ولا في مدينة نائية في قلب شمال سيناء، يغادر مواطن مصري أيا كانت ديانته نزولاً على رغبات غريزية بالبقاء والهرب من وجه الشر، قرر أن يبصر الشر فيتوارى ويفر بحياته، قرر ألا يواجهه ليس عجزاً منه لأنه ليس دوره ولكنه في الحقيقة عجز من الدولة التي بررت لنا كل جرائمها الاقتصادية والسياسية والأمنية بزعم محاربتها للإرهاب، فها نحن نرى ثمار حربها المزعومة هذه على الإرهاب.
ألم أقل لكم أن الصمت كثيراً يكون أفضل، النقاش مع أصحاب العقول المنغلقة لا طائل منه إلا الشجار والصوت العالي والتنابذ، بل وقلة القيمة في بعض الأحيان للأسف، الصمت أفضل لنفسك، ولعله يجعلهم يستفيقون وهم يواجهون بأنفسهم ثمار اختياراتهم السلبية البعيدة عن أرض الواقع وعن تفهم الآخر واحتياجاته الرافضة لأن تبرز ضعفه وتتعامل معه، النائية عن احتوائه بداعي أن الاعتراف بالحق ليس فضيلة، فكانت النتائج هكذا مؤسفة محزنة.
صدقوني، هذه التجربة التي أمر بها الآن تكاد تثبت لي أن الصمت أفضل وأقوى السبل لهز عرش السماء، لعلك في صمتك تعترف بأنك فشلت بينك وبين نفسك في أن تجعل القلوب القاسية تلين، والعقول الفارغة تمتلأ، والعيون الجامدة تدمع، ويطرحون على أنفسهم سؤال، وماذا بعد؟
المختصر المفيد يصمت اللسان، ليتكلم القلب في حضرة الله " قداسة البابا شنودة الثالث".