الأقباط متحدون - استهداف الأقباط.. أم استهداف الوطن؟!
  • ٠٦:٠٢
  • الاثنين , ٢٧ فبراير ٢٠١٧
English version

استهداف الأقباط.. أم استهداف الوطن؟!

مقالات مختارة | مصطفى بكرى

١٤: ٠٨ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٧ فبراير ٢٠١٧

مصطفى بكرى
مصطفى بكرى

لم تكن حوادث استهداف الأشقاء المسيحيين فى العريش هى الأولى، ولن تكون الأخيرة. تعددت الحوادث والفاعل واحد، وفى كل مرة ترتفع لغة الشجب والإدانة، ويجلل السواد صفحات حياتنا، ثم سرعان ما نهدأ، حتى نفيق على كارثة أخرى جديدة. قد يفاجأ البعض بالقول، إن الإرهاب لا يفرق بين المسلم والمسيحى، وبين المدنى والعسكرى، وبين الرجل والمرأة، وبين الطفل والشيخ، وكل ذلك صحيح، ولكن ما يحدث فى مدينة العريش هذه الأيام، يمثل جرس إنذار قوياً، ويكشف عن خطة ممنهجة، هدفها أكبر بكثير من تهجير عشرات أو مئات الأسر إلى خارجها.. إن الرسالة التى توحدت خلفها التنظيمات الإرهابية فى سيناء، وفى مقدمتها تنظيم «أنصار بيت المقدس» تؤكد: إظهار الدولة المصرية بمظهر العاجز عن حماية المواطنين المصريين فى هذه المنطقة الهامة التى تتعرض للإرهاب المنظم منذ أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، التى تزايدت حدتها بعد الثورة الشعبية التى أسقطت حكم جماعة الإخوان فى الثالث من يوليو 2013.

إن اختيار المسيحيين فى منطقة العريش هدفاً للإرهابيين، إنما يستهدف الرد على الانتصارات التى حققتها قوات إنفاذ القانون فى سيناء خلال الأيام الماضية، التى وصلت إلى حد السيطرة الكاملة على منطقة «جبل الحلال».. والقبض على عشرات الإرهابيين والعثور على مخازن للأسلحة والمخدرات فى هذه المنطقة التى ظلت عصية على السيطرة منذ سنوات طويلة مضت، وكذلك الحال عودة مئات الأسر إلى مساكنها فى الشيخ زويد ورفح بعد تطهيرهما من العناصر الإرهابية.

لقد ظن الإرهابيون أن عمليات القتل البشعة التى جرت داخل بعض المناطق التى يقطنها المسيحيون فى العريش من شأن إثارة الرأى العام وإحداث فتنة فى البلاد والتحريض ضد الدولة المصرية إلا أن بيان الكنيسة الأرثوذكسية رد على ذلك بالقول «إن الأحداث تتعمد ضرب الوحدة الوطنية، وتمزيق الاصطفاف فى مواجهة الإرهاب الذى يتم تصديره من الخارج، استغلالاً لحالة التوتر المتصاعد فى كافة أرجاء المنطقة العربية».

وفى نفس السياق جاء رد د.أكرم لمعى، المتحدث باسم كنائس مصر، الذى قال فيه: «إن جيش مصر والدولة المصرية قادران على دحر الإرهاب الذى يستهدفنا مسلمين ومسيحيين، ونثق فى الجيش والشرطة وقدرتهما على حماية المواطنين فى شمال سيناء، فالدولة القومية قادرة على وأد الفتن وحماية شعبنا من خطر الإرهاب»، وأن الرئيس السيسى نجح فى إعادة مصر لمكانتها الدولية والإقليمية، وهناك مؤامرات ضد مصر، كما أن الإرهاب يسعى إلى تدمير ما وصلنا إليه. السعى إلى تكرار النموذج العراقى فى التهجير، خاصة أن ذات التنظيم «داعش» وامتداداته قام بهذا السيناريو فى مناطق عديدة داخل العراق، حيث استهدف المسيحيين وبيوتهم وكنائسهم، وبدأ فى إطلاق الإنذارات التى دفعت بالكثير من العائلات إلى الهجرة داخل البلاد وخارجها، وبات التنظيم فى مصر أكثر اقتناعاً بهذا الأسلوب الذى يستهدف إثارة الذعر من خلال القيام ببعض العمليات الإجرامية «القتل حرق الجثث حرق المنازل» ظناً منه أن ذلك كفيل بتحقيق أهدافه وتحريض الخارج ضد الداخل فى مصر. وإذا كانت هذه الأحداث الإرهابية، قد تسببت بالفعل فى نزوح عشرات العائلات من العريش إلى الإسماعيلية والمحافظات الأخرى، إلا أن هناك أعداداً كبيرة من الأشقاء المسيحيين لا يزالون يعيشون على أرض العريش، رافضين مغادرتها، رغم استمرار التهديدات التى تلقوها عبر هواتفهم المحمولة. وقد كان رد الموطن المصرى المسيحى مينا ناصف هو الأبلغ فى التعبير عن هذه الحالة عندما قال لوسائل الإعلام «لقد اتخذت قراراً بعدم مغادرة العريش والبقاء أنا وأسرتى فيها، فنحن عشنا فى العريش طيلة العمر، ولا نؤذى أحداً، نعم نتخوف مما يجرى، ولكننا لن نغادرها لنتركها للإرهابيين».

إن الأشقاء المسيحيين يدركون تماماً، أن هذا المخطط إذا ما حقق النجاح، فقد ينتقل إلى مناطق أخرى، ولو بعمليات إرهابية خاطفة، فالمطلوب هو بث الذعر فى النفوس وتحقيق ما عجز الإرهابيون عن تحقيقه طيلة الفترة الماضية. وإذا كانت الدولة المصرية قد اتخذت من الإجراءات الفاعلة على الأرض لحماية الأسر المسيحية، وتحديداً فى أماكن إقامتها فى أحياء السمران والمساعيد وضاحية السلام والزهور والعبور، فإنها وجدت حولها التفافاً شعبياً من كافة الفئات المجتمعية التى تعيش على أرض العريش وسيناء، باعتبار أن ما يحدث يستهدف الجميع، وأن الإرهاب لم يستثن أحداً، وأن كافة القبائل السيناوية قدمت مئات الشهداء والشيوخ والعواقل، ممن كانوا هدفاً لعناصر التنظيم الإرهابى طيلة الفترة الماضية، تارة بحجة تعاونهم مع الجيش والشرطة، وتارة بحجة رفضهم تنفيذ تعليمات التنظيم وأوامره. لقد جاء التسجيل المصور، الذى تمت إذاعته الأحد قبل الماضى، وتحديداً مع بدء أيام الصوم الكبير أو المقدس بعرض رسالة لمن سمى «أبوعبدالله المصرى» المسئول عن عملية تفجير الكنيسة البطرسية فى مصر 11 ديسمبر الماضى، يحذر فيها الأقباط ويطالبهم بمغادرة العريش، ليؤكد أن هذا المخطط لا ينفصل عن الأحداث السابقة الموجهة ضد المسيحيين، التى كان آخرها الاعتداء على الكنيسة البطرسية، وسقوط عشرات الشهداء والجرحى أثناء تأديتهم الصلوات فيها.

إن المصريين بكافة أطيافهم باتوا على يقين أن المستهدف هو الوطن بأسره، وليس فئة معينة، فإن ذلك يوجب على الجهات المعنية، وفى المقدمة منها مجلس النواب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإصدار القوانين الرادعة للإرهاب وللإرهابيين، فليس معقولاً أن يبقى قانون الإجراءات الجنائية دون تعديل أو تبديل لتحقيق العدالة الناجزة والسريعة، فمنذ استشهاد النائب العام السابق المستشار هشام بركات، والرئيس يطالب علناً بضرورة تحقيق العدالة الناجزة، ولا أحد يحرك ساكناً، ويتكرر هذا الأمر بعد الحادث الإرهابى الذى شهدته الكنيسة البطرسية وتعلو نغمة الحديث عن تعديل قانون الإجراءات الجنائية، وفجأة تخفت الأصوات وتتبدد الوعود، وننتظر كارثة جديدة، حتى نكرر ذات الأسطوانة المملة والسخيفة، والتى تعبر عن غياب الإرادة الحقيقية للمواجهة القانونية. لقد قيل لنا إن مشروع القانون الجديد، سيأتى كثمرة لمؤتمر الإرهاب الذى سيتم عقده بين مجموعة من المتخصصين، ولكن المؤتمر انتهى من أعماله منذ أكثر من شهر، ولم يظهر مشروع القانون بصيغته النهائية حتى الآن، ويتم التعامل معه شأنه شأن أى من القوانين العادية، بالرغم من المطالبات البرلمانية العارمة بضرورة نظره والانتهاء منه بأقصى سرعة ممكنة.

إن مجلس النواب مطالب بالإسراع فى إصدار هذا القانون، وإذا لم تتقدم الحكومة سريعاً بالمشروع المنتظر، فأعتقد أن هناك بعض الزملاء قد تقدموا بهذه التعديلات إلى اللجنة التشريعية، ما يستوجب التعامل معها وإصدارها على الفور.. إننا يجب أن نثق بأن المستهدف من وراء هذه الأحداث الإرهابية التى طالت أشقاءنا الأقباط، تؤكد أن المستهدف هو الوطن بالأساس، وأن المؤامرة تبحث عن كل الوسائل التى تمكنها من النفاذ إلى جسد هذا الوطن، هذا الوطن الذى استعصى على السقوط، برغم كافة التحديات التى واجهها ولا يزال من الداخل والخارج على السواء.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع