الأقباط متحدون - قصة الأيام الأخيرة في حياة زينات صدقي: طلبت أكل «الكريز» وكتبَت على مدفنها «لعابري السبيل»
  • ٢١:٥٨
  • الثلاثاء , ٢٨ فبراير ٢٠١٧
English version

قصة الأيام الأخيرة في حياة زينات صدقي: طلبت أكل «الكريز» وكتبَت على مدفنها «لعابري السبيل»

منوعات | المصرى اليوم لايت

٠٤: ٠٩ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠١٧

زينات صدقي
زينات صدقي

قصة الأيام الأخيرة في حياة زينات صدقي: طلبت أكل «الكريز» وكتبَت على مدفنها «لعابري السبيل»

داخل شوارع الإسكندرية الدافئة، ولدَت زينب محمد سعد، 20 مارس 1913، لأسرة متواضعة لا تعرف طُرق المسارح والكازينوهات، إلا أنّ زينب نبتت بداخلها موهبة فنيّة كجنين لا يُمكن وأده أبدًا، فبعد أنّ حصلت على الشهادة الإبتدائية، كمّا توكد أغلب المصادر التاريخية، لاحظت والدتها أن جسد ابنتها «يفور»، أي ينضُج ولكن بلغة أولاد البلد، ليصبح أكبر من سنها، فخافا عليها من نظرات القناصة ومنعاها من أن تكمل تعليمها وجلست زينات فى منزلها فى انتظار العريس.

وفي سن الـ 15 عشر، تزوجت زينات بالفعل من أحد أقاربها، والذى كان يعمل كطبيب، ولكن الزيجة لم تتم، وانفصلت عنهُ بعد 11 شهرًا من الزواج، دون أنّ تنجب طفلاً، التجربة التى جعلتها لا تُريد تكرارها مرةً أخرى، وبرغم أنه تم إطلاق لقب «عانس السينما المصرية»، لم يكُن ذلك حقيقي بدليل زيجاتها الأولى، والتى أكدت أحد أقاربها في أكثر من مناسبة.

لم تستوعب أسرة زينات موهبتها الفنّية، لكن جوانب مدينة الإسكندرية كانت الأصدق، حيثُ استطاعت تقبُل ذلك، بدأت زينات تُشارك صديقة لها، تُدعى خيرية صدقي، والتى يقال أن زينات أخذت لقب «صدقي» من صديقتها المُقربة، والتى جابت معها شوارع الإسكندرية، للغناء داخل الأفراح الشعبية.

وبعد فترة، اكتشفت أسرة زينات ما يحدُث، فلم يكُن أمام الصبيّة الموهوبة إلا أن تهرب بعيدًا عن شاطئ البحر، فذهبت إلى الشام، وتحديدَا، لبنان الأخضر، حيثُ بداية ازدهار موهبة زينات صدقي، فأصبحت تغني على مسارح البلدة بأطرف المونولوجات، قائلة: «أنا زينات المصرية، أرتيست ولكن فنية، أغني وأتسلطن يا عينيا، تعالى شوف المصرية».

وبعد فترة من العمل داخل لبنان، جاءت فرصة لعمل زينات وصديقتها خيرية في فرقة أمين عطا الله، وكان من المفترض في إحدى الليالي، أنّ تؤدي زينات دورًا تراجيديًا، ولكن على خشبة المسرح، تحول أداء زينات إلى كوميدي بدلاً من جرعة الشجن، فانفجر الجمهور من الضحك، وتحولت المسرحية الدرامية إلى أخرى هزلية، فطُردت زينات من الفرقة بعد انتهاء العرض.

وفي ليلةٍ أخرى، ذهبت زينات، لتغنى داخل على خشبة أحد المسارح، دعيت المطربة الشهيرة فتحية احمد للغناء فى نفس المحل الذى تغنى فيه زينات، كانت فتحية تجلس فى الكواليس حينما صعدت زينات صدقى لتؤدى فقرتها المعتادة، التى تؤديها كل ليلة، وكان الملحن الذى يعمل معها فى فرقتها قد أعد لها هدية وهى بعض الألحان التى جعلها تحفظها عن ظهر قلب وكانت هذه الألحان أحدث ما ظهر للنور فى مصر لكن الحظ العاثر أنها لم تكن تدرى أن صاحبة تلك الأغنيات تجلس فى الكواليس انتظاراً لتقديم فقراتها التى تضم نفس هذه الأغنيات، وفقًا لمجلة «ديوان الأهرام».

زينات صدقي 1

وبعد أن غنت زينات وصلتها الأولى، ابتسمت فتحية أحمد فشعرت زينات أن الست فتحية أحبت الغناء، فألحقتها بالأخرى، فيما جلست الست فتحية تنتظر الوصلة أن تنتهي، لكنها لم تنتهِ، فشدت الأولى شعر الثانية وأعطتها علقة ساخنة ولم يوقف الست فتحية إلا دورية الشرطة التى خلصت الفتاة زينات من براثن فتحية أحمد المعتدى على حق ملكيتها الفنية وذلك وسط اندهاش وضحكات رواد الصالة.

وبعد تلك الواقعة، غادرت زينات صدقي لبنان، وذهبت إلى مصر بعد أن تعرّفت على الراقصة، بديعة مصابني، والتى طلبت منها العودة للعمل في الكازينو، وعندّما جاءت اختارت لها الرقص إلى جانب تحية كاريوكا وسامية جمال، وفيما بعد اختارها نجيب الريحاني، لكي تُشارك في فرقته المسرحية، قائلة: «أنا بحب التمثيل ومن الإسكندرية ولا يوجد عندى مكان فى القاهرة وتركت منزل أهلى من أجل عيون الفن«.

 

وبعد تألُقها على مسرح الريحاني، فتحت السينما أبوابها أمام زينات صدقي من خلال فيلم «بسلامته عايز يتجوز»، وتوالت أدوارها في السينما حتى أصبحت الكوميديانة الكبيرة التى عرفناها، كمّا تزوجت أحد الضباط الأحرار، ولكن لم يُكتب لتلك التجربة النجاح، ولم ترزق زينات صدقى بأولاد من زوجيها ولكنها أعطت حنان الأم لأبناء وأحفاد شقيقتها.

كانت زينات صدقي ثريّة بأخلاقها، فعندّما كان هُناك كومبارس يُدعى، محمد فوزي، يعمل داخل فرقة الريحاني، توفى على المسرح ولم يجدوا لهُ مدفن، فقالت سأتكفل بكل المصاريف وسأدفنه فى مدفنى الخاص وخرجت إلى مقاهى شارع عماد الدين، كمّا حضرت الجنازة وهى ترتدى الأسود وركبت السيارة مع الجثمان حتى المدفن.

2014-08-19_00177

وبعد ذلك بأيام،  طلب منها أحد عمال المسرح المدفن لكى يدفن فيه والدته التى لم يجد لها مدفنا وظلت فى المستشفى يبحث عن مكان يدفنها فيه. فوافقت وأعطت تعليمات للتربى بفتح باب المدفن للصدقة، وكتبت عليه «مدفن عابرى السبيل» وليس مدفن زينات صدقي. بل وطلبت منه وضع حنفية مياه لأهل المنطقة الذين كانوا يشترون جراكن المياه للشرب منها، وفقًا لمجلة «ديوان الأهرام».

ورغم أنها كانت على قيد الحياة، كتبت زينات صدقي على المدفن «لا تنسوا قراءة الفاتحة على روح زينب محمد سعد»، ومع مرور الأيام، كانت الأيام تمُر ثقيلة على زينات صدقي، حيث جلست في بيتها دون عمل، وعندّما قرر الرئيس جمال عبد الناصر تكريم نخبة من الفنانين ومن بينهم زينات صدقى، لم يستطع المعنيين العثور عليها فما كان من الرئيس جمال إلا أن طلب من جهة أمنية إيجادها ونجحت بالفعل فى العثور عليها فى أطلال منزل متهالك فى إحدى القرى وبدت فى حالة رثة فكرمها الرئيس جمال عبدالناصر وأمن لها مسكناً ومعاشاً.

زينات صدقي 3

وفي 1976، تذكرّها الرئيس أنور السادات بدرع عيد الفن، ودعاها لحضور حفل تكريمها واستلام شيك بألف جنيه حلت كل مشاكلها ومنحها معاشاً استثنائياً قيمته 100 جنيه أعانها على تحمل أعباء الحياة، وكان السادات يحبها ودعاها إلى فرح ابنته وأعطاها رقم تليفونه الخاص وقال لها: «أى شيء تحتاجى إليه أطلبيه فوراً يا زينات».

تعرضت زينات صدقي لشائعات تقول إنها اعتنقت اليهودية، نظرًا لتعرضها لظروف مادية قاسية، وقال الدكتور محمد أبو الغار، أثناء حواره في إحدى حلقات برنامج «البيت بيتك» الذي كان يذاع على شاشة التليفزيون المصري، إن الفنانة الراحلة اعتنقت اليهودية في أواخر أيامها، أثناء حديثه عن كتابه «اليهود في مصر»، ولكن حفيدتها، نادرة، أكدت أن خالتها توفيت على دين الإسلام، وأنها في آخر أيامها كانت تؤدي الصلاة في وقتها، وتحرص على الاستماع بشكل دائم إلى إذاعة القرآن الكريم.

لم تكُن تغيير الديانة هي آخر الشائعات التى طالت زينات، ففي أيامها الأخيرة، أُشيع عن زينات أنها باعت أثاثها كي تُنفق على علاجها حيثُ أصيبت بداء على الرقبة، لكن ذلك لم يكُن صحيحًا، حسبمّا روت حفيدتها، صحيح أنها مرت بضائقة مالية، جعلتها تبيع بعض من ممتلكاتها لتسديد الضرائب المُتراكمة عليها، ورفضت أيضًا دخول المستشفى، فطلبت فقط أن تأكلُ فاكهة «الكريز»، علّها تجعل أيام القاسية الأخيرة ورديّة اللون كمّا كان قلبها دائمًا.

10891432_10204647695085058_732390268308800777_n