- الكلمة لحقوق الإنسان يناقش كتاب "لا مؤاخذة يا مصر" مع "أماني موسى"
- والدة فتاة "المرج" تستغيث بالبابا شنودة للتدخل لعودة ابنتها المختفية
- لا مؤاخذة يا مصر.. الكتاب الذي فضح نظام مبارك بأسلوب ساخر
- أزمة أقباط بني أحمد الشرقية مع اشتراكات الخبز مستمرة، ونقص حاد في أنابيب البوتاجاز بالقرية
- كاهن كنيسة صول يؤكد الصلاة بالكنيسة غدًا
"وائل غنيم".. ثائر مصري سلاحه الكلمة
بقلم: جرجس بشرى
لا يمكن لعاقل أن ينكر أن ممارسات الحكومات المصرية المتعاقبة في فترات حُكم الرئيس "محمد حسني مبارك" الممتدة للبلاد، والتي قاربت على الثلاثين عامًا، ساهمت بشكل كبير في تجويع وإفقار المصريين وتدهور أوضاعهم الصحية والتعليمية والقيمية، حيث سيطرت مجموعة معينة تدور في فلك الرئاسة على ثروات البلاد، واستنزافها، كما ساهمت منظومة الفساد المتفشية والمتغلغلة في البلاد في استباحة أموال الشعب ومقدراته دون رادع، والأخطر من ذلك هو إطلاق اليد العليا لجهاز الشرطة وأمن الدولة في ملاحقة النشطاء الحقوقيين والكتُّاب والمطالبين بالتغيير، وإتِّباع الشرطة المصرية لسياسة ممنهجة في تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة والمعتقلات، مستخدمة في ذلك قانون الطوارئ المعمول به في البلاد منذ ما يقارب الثلاثين عامًا!!
كما ساهمت السياسات الغبية للحكومة المصرية في تهيئة الأجواء لإشعال مزيد من الفتن الطائفية بين مكوِّنات الشعب المصري، والتحريض ضد أتباع بعض الأديان والمعتقدات والمذاهب دون رادع ودون إعمال للقانون، وملخَّص القول، يمكننا أن نقول أن الحكومات المصرية المتتابعة رعت أنفسها ولم ترع الرعية!
لقد كانت كل هذه الأجواء كفيلة لتصعيد حدة الغضب الشعبي وزيادة الاحتقان في نفوس المصريين الذين صبروا سنينًا هذه مقدارها على الظلم والفساد والقهر والاستعباد.. وكانت حادثة قتل المصري "خالد سعيد" بداية حقيقية وشرارها لانتفاضة وثورة عارمة في الشارع المصري، فـ"خالد سعيد" بطل خفي من أبطال ثورة الغضب التي اندلعت شرارتها يوم الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث كشف مقتل هذا الشاب بطريقة بشعة لا إنسانية ولا أخلاقية على يد رجال الشرطة المصرية في عهد وزير الداخلية المُقال "حبيب العادلي"، عن مدى تجبُّر وطغيان وإذلال جهاز الشرطة المصرية للمواطنين المصريين في عهد ذلك الوزير..
كل هذه المعطيات دفعت كثير من الشباب المصري الواعي لليقظة والوقوف يدًا واحدة في مواجهة الظلم والقهر والطغيان، ومن بين هؤلاء الشباب الواعون، ذلك الشباب المصري الشجاع "وائل غنيم"، والذي أسَّس جروبًا على موقع الـ"فيس بوك" الشهير بعنوان "كلنا خالد سعيد" يدعو فيه الشباب المصري بأن يكون يوم 25 يناير يومًا لاسترداد الكرامة المُهدَرة على يد رجال السلطة والمتربحين من أقوات الشعب. وقد لقيت دعوته قبولًا هائلًا من شباب "مصر" بكل فئاته، وقرَّروا إعلان الثورة في ذلك اليوم، مطالبين بمطالب مشروعة لإحداث تغيير وإصلاح ديمقراطي حقيقي في "مصر"، وإسقاط هذا النظام غير الشرعي الجاثم على نفوس الشعب طيلة هذه المدة.
ولكن جهاز الشرطة لم يعبأ بهذه الثورة، وراح يُقمع بلا هوادة المتظاهرين والصحفيين، وقام بسحلهم واعتقال كثير منهم، وأطلق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع على شباب الثورة. وقد حدثت اشتباكات دامية بين الشرطة والمتظاهرين أودت بحياة ما يقارب الـ(300) شهيد من كافة أبناء الوطن، وإصابة الآلاف منهم واختفاء بعض المتظاهرين.
لم ينس جهاز الشرطة البائد "وائل غنيم"، بل ترصَّد له، وقام بإلقاء القبض عليه واعتقاله ليلة 27 يناير 2011، بعد إعلانه عن المشاركة في الثورة على موقع "تويتر"، ونشره صورة له أثناء مشاركته في المظاهرات، فقام بعض الأشخاص الذين يرتدون زيًا مدنيًا باختطافه أو اعتقاله، وساقوه خلف مجموعة من جنود الأمن المركزي، ولم تعترف الحكومة المصرية باعتقاله، رغم الجهود المضنية التي بذلتها أسرته وشركة "جوجل" الذي يعمل كمدير تسويق بها، وظل مختفيًا لا يعلم عنه أحد شيئًا، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في الشارع، وأشعل الثورة وألهبا أكثر، ودفع المنظمات الحقوقية والإعلامية بالمطالبة بسرعة الإفراج عنه.
كما طالب رجل الأعمال المصري "نجيب ساويرس" بسرعة الإفراج عن "غنيم"، وأعقب ذلك اعتراف الحكومة المصرية بمسئوليتها عن اعتقاله، حيث ظهر رئيس الوزراء الجديد "أحمد شفيق" ليهدئ من ثورة الشارع، ويعلن بسرعة الإفراج عنه، وقد تم الإفراج عنه في السابع من يناير 2011، بعد أن قضى اثني عشر يومًا معصوب العينين.
ومما لا شك فيه، أن هذا الشاب المصري الواعي الذي أشعل الثورة باعتقاله، لم ينسب ثمار الثورة إلى ذاته، بل صرَّح لوسائل الإعلام بقوله عقب خروجه: "أولًا أعزّي كل المصريين في الذين توفوا، وأعتذر لهم، وأقول لهم: أرجوكم لا تجعلوا مني بطلًا أنا مجرد شخص كان نائمًا اثني عشر يومًا، والأبطال الحقيقيون هم الموجودون في الشارع، وأتمنى أن تلقوا الضوء عليهم. أنا الحمد لله بخير، وإن شاء الله سنغيّر بلدنا، وكلنا بيد واحدة لتنظيف بلدنا".
وفي حديثه مع الإعلامية "منى الشاذلي" على فضائية "دريم"، بكي "غنيم" على الضحايا من شهداء الثورة، وأوضح أن حبه لـ"مصر" وشعوره بتخلفها عن ركب الحضارة، هو ما دفعه إلى المطالبة عبر مجموعة "كلنا خالد سعيد" على الـ"فيس بوك" بالخروج يوم 25 يناير. نافيًًا أن تكون هناك أجندات خارجية أو اقليمية أو حتى وجود من يوجِّه هذا الشباب من خارج "مصر" للقيام بمثل هذه المظاهرات. مؤكدًا أن أجندة الشباب المصري الذي خرج للثورة هي فقط "حب مصر".
وعندما تطرق الحديث عن شهداء الثورة، وتم عرض صورهم على الشاشة، بكى، معتذرًا لكل أم وكل أب فقد ابنه، مشيرًا إلى أن هذا ليس خطأهم، بل خطأ كل من كان ممسكًا بالسلطة ومتشبثًا بها، ثم أعرب عن رغبته في مغادرة المكان، وترك البرنامج..
وبحسب موقع "المعرفة على شبكة الإنترنت"، وبعد ساعتين من ظهور "غنيم" على الشاشة، قال موقع "مصراوي" على الإنترنت: "دموع غنيم حركت الملايين، حتى إنها قلبت المواقف السياسية للبعض، حيث تحوَّلوا من موقف المؤيِّد لبقاء مبارك إلى موقف المعارض لمبارك!، كما انضم في تلك الفترة القصيرة حوالي 70 ألف شخص لصفحات الفيس بوك ليعبِّروا عن تأييدهم لـ"غنيم"، كما التحق 150 ألف شخص بصفحة جديدة على الموقع الاجتماعي حملت عنوان "أفوِّض وائل غنيم للتحدث باسم الثوار"، أعلن بعدها "غنيم" أن الثورة مستمرة.
وبرغم رفض الكثيرين من الشباب والنشطاء اختزال الثورة وثمارها في شخص "غنيم"؛ لأن الثورة قامت بسواعد كل المصريين، إلا أننا لا يمكن أن ننكر دور هذا الشاب ووعيه السياسي وشجاعته التي ساهمت في تعاطف الكثيرين مع الثورة وإظهار الشكل الحقيقي لمساوئ هذا النظام. وهذا الشاب الواعي ما هو إلا عيِّنة لشباب مصريين كثيرين لا يحملون في أيديهم سلاحًا غير سلاح الكلمة، الذي أثبت قدرته على الإطاحة برؤساء وملوك. فالكلمة هي الشرارة التي تنطلق منها أي ثورة، وقد أكَّد "غنيم" على ذلك بقوله: "إن سلاحه في هذه الثورة كان "الكيبورد"، أما الأبطال الحقيقيون فهم من ظلُّوا في الشارع.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :