حصانة المشرعين ولائحة الحقوق الإنجليزية
سعيد السنى
الخميس ٢ مارس ٢٠١٧
سعيد السني
مُزعج ومُحبِط ومثير للأسى والحُزن، وخيبة الأمل، هذا الأداء البرلماني المُخجل، والصادم.. فالذي جرى بجلسة مجلس النواب (الإثنين الماضي)، من «إسقاط لعضوية النائب محمد أنور السادات»، على خلفية اتهامات هزلية، متهاترة، عقاباً له على تأديته لواجباته ووظيفته النيابية، ممثلاً للشعب، وتهديد الدكتور على عبدالعال رئيس المجلس، وتلميحه لـ«حسام الرفاعي» نائب العريش، بأن الدور عليه، لرفضه إسقاط السادت، ومداخلاته في النقاشات البرلمانية العديدة، مخالفاً الحكومة ومؤيديها، وكذا ما حدث في اليوم التالي من قيام مرتضى منصور بشن هجوم عنيف على جريدة المقال ورئيس تحريرها الزميل إبراهيم عيسى، مؤيداً من «عبدالعال»، ومُهدِداً كل مُنتقِد للبرلمان، بـ«الجذمة القديمة»، انتهاءً بالتصويت على إبلاغ النائب العام ضد «المقال»، ومروراً بإساءة «عبدالعال» لجريدة الأهرام العريقة، وقبل هذا كله، غياب الشفافية، وفرض السرية على مايدور بالمجلس ولجانه، ومنع البث التليفزيوني المباشر للجلسات، بينما يمكن لأي مواطن من العوام، حضور جلسات مجلس العموم البريطاني، والجلوس في المكان الشاغر، ولو على المنصة، مالم يكن محجوزاً لعضو بالبرلمان، بخلاف الاستكانة التامة لما تريده الحكومة على حساب المواطن الذي لطالما عَلقَّ آمالاً كبار على هذا البرلمان لتحقيق أهداف ثورتي 25 يناير، و30 يونيو.. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
هذا البرلمان يضرب «حصانة المشرعين» في مقتل، ويُهدرِها، مُجرِداً النواب المُعارضين، من هذه الحصانة المقررة بدستور 2014م، وهي من شقين أولهما، قاعدة (عدم المسؤولية)، وتعني «عدم جواز مسألة عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله في المجلس أو لجانه» (مادة 112)، وثانيهما (الحصانة البرلمانية)، ومعناها «عدم اتخاذ أي إجراءات جنائية ضد العضو، في غير حالة التلبس إلا بعد استئذان المجلس» (مادة 113).. فبرلمان عبدالعال يرفض إلا نادراً، طلبات «النائب العام»، برفع الحصانة البرلمانية عن مرتضى منصور وآخرين من النواب الموالين للحكومة، في إساءة بالغة لاستعمال السلطة.. بل إن رئيسه تركَ الحبل على الغارب لـ«منصور» في الهجوم على الصحافة، وكأن البرلمان «مُقدَس»، ولا يجوز انتقاده.. وهذا ناهيك عن الانتهاك الصريح للدستور، برفض الدكتور عبدالعال لقرار محكمة التقض، الواجب النفاذ، ببطلان عضوية أحمد مرتضى منصور، وأحقية الدكتور عمرو الشوبكي في هذا المقعد البرلماني.
قاعدة «عدم المسؤولية»، لها جذور تصيبنا بالحسرة على مجلسنا النيابي الملكي أكثر من الملك نفسه.. فهذه «القاعدة» التي داس عليها البرلمان بالنعال، إشهاراً لسيف «إسقاط العضوية»، على رقبة كل نائب خارج عن السيطرة.. ظهرت في القرن السابع عشر الميلادي، تحديداً عام 1689م.. أصدرها ويليم الثالث ملك إنجلترا ضمن وثيقة دستورية مهمة، أعدها وأقرها البرلمان الإنجليزي (مجلس العموم + مجلس اللوردات)، وهي المعروفة باسم «لائحة الحقوق»، وبموجبها انتهى الحكم الملكي المطلق في إنجلترا، وولدت الملّكية البرلمانية، وأتت بمبدأ مهم، وهو أن «حرية الرأي والتعبير في الحوارات البرلمانية، مكفولة ومصانة»، أو بعبارة أخرى «عدم مسؤولية أعضاء مجلس العموم الإنجليزي، عما يبدونه من أفكار وآراء وهم يؤدون أعمالهم النيابية»، بهدف بث الطمأنينة لـ«عضو العموم»، وهو يبدي آراءه بحرية مطلقة، منتقداً للحكومة بعنف وقسوة، ناقلاً نبض المواطنين، ومعاناتهم من السلطة، وأخطائها دون خشية من عقاب، لأن التربص لأقوال النائب وآرائه، يجعله عاجزاً عن أداء مهامه البرلمانية في الرقابة على المالية العامة والإنفاق ومسلك الحكومة.
مجلس العموم الإنجليزي ظلَ في صراع مع المُلوك، منذ القرن الرابع عشر وحتى صدور لائحة الحقوق (1689م)، منادياً بهذه القاعدة (عدم المسؤولية) لحماية أعضائه من ملوك إنجلترا وتعسفهم.. فكان سهلاً اقتياد العضو إلى التحقيق متهماً بإهانة التاج الملكي، إذا نطقّ بما لا يُرضي الملك.. وصل الحال أن ساقوا عضواً بمجلس العموم للمحاكمة والإدانة بتهمة الخيانة، في عهد الملك ريتشارد الثاني، لمجرد انتقاده ضخامة نفقات القصر الملكي، مثلما هاجم «السادات» فخامة وتكلفة سيارات عبدالعال ووكيليه، ومن الطريف أن الاتهامات بالخيانة تطايرت بحق «السادات» داخل قاعة البرلمان وخارجه على منصات إعلامية.. وكان الأجدر بهم أن يحاكموه جنائياً لو كان خائناً أو متورطاً في جريمة، وليس إسقاط عضويته (!!).
مؤلم جداً أن تكون مُضطراً للتذكير بما هو بديهي ومُستقر طوال أكثر من ثلاثة قرون، على شاكلة قاعدة «عدم مسؤولية النائب»، التي هي من بديهيات الوظيفة البرلمانية.. لكننا في مصر، لدينا مُبدعين في التربص والتلفيق والتحايل على الدستور وانتهاكه.
نسأل الله السلامة لمصر.
Saidalsonny2@gmail.com