ضحايا يوسف إدريس
مقالات مختارة | خالد منتصر
الجمعة ١٠ مارس ٢٠١٧
أعتبر نفسى «يوسفاوى إدريساوى» متطرفاً، «كابو» فى ألتراس يوسف إدريس وعضواً مؤسساً فى حزبه الإبداعى، ندهتنى النداهة الإدريسية منذ أن تعرفت على قصصه فى إجازة صيف الصف الثالث الإعدادى، والتهمت معظم مجموعاته القصصية آنذاك فى غضون أسبوع حبست نفسى فيه فى بيت جدى فى دمياط، منذ تلك اللحظة وأنا مسحور بهذا البركان الفنى المتفجر الفياض، ترسخ هذا التعصب أكثر وأكثر حين دخلت كلية الطب وكنت أرى ظله فى كل ركن من أركان الكلية، فزاد رصيد العشق والهيام الإدريسى درجات ودرجات بسبب انحيازى للخلفية الطبية المشتركة، لم أحاول إسباغ المنطق على انجذابى إلى هذا المغناطيس الإدريسى الجبار، لدرجة أننى تجنبت لقاءً ثانياً معه بعد أن زرته فى بيته مع بعض الأصدقاء بعد واقعة الأزمة القلبية التى داهمته إبان الهجوم عليه واتهامه بالخيانة لإصداره كتاب «البحث عن السادات»، تجنبت تكرار هذا اللقاء بصراحة لخوفى من خدش صورته الذهنية التى رسمتها له ككاتب قصة موهوب والتى أحسست أنها اهتزت فى هذا اللقاء لأنه صدمنى بطريقة حواره وكلامه عن نفسه، أحسست معها أن هذه القلعة الإدريسية التى بنيتها فى وجدانى ستهاجمها الشروخ وتتصدع فاصطنعت تلك المسافة، لذلك كانت قراءة كتاب «ضحايا يوسف إدريس وعصره» لجبرتى الثقافة المصرية «شعبان يوسف» مغامرة كنت متخوفاً من خوض غمارها والدخول فى أحراشها، لكن شعبان يوسف بمهارته وأسلوبه ومنطقه الهادئ وتحليله الموثق ونظرته الشاملة وموضوعيته المحايدة، استطاع كما الكيميائى الحاذق أن يخفف محلول التعصب الإدريسى ويفتح بؤرة الكاميرا ويضعنا فى المشهد العام لهذا العصر وذلك الزمن الذى ضم إدريس وضم معه آخرين، لم ينكر مؤلف الكتاب موهبة إدريس الطاغية ولكنه طرح تساؤلاً وخلخل بديهيات كانت قد استقرت وهذا هو دور الناقد الحقيقى المؤثر، السؤال لماذا تصدر يوسف إدريس المشهد بكل هذا الحضور الطاغى وصار الآخرون برغم مواهبهم التى لا تقل عنه مجرد أشباح فى خلفية اللوحة الإبداعية؟!، يرصد شعبان يوسف بدأبه المعروف وذاكرته الفوتوغرافية الحادة المشهد السياسى العام الذى وجد فى إدريس ضالته ووجد فيه إدريس أيضاً ملاذه، المشهد النقدى الذى سيطر عليه اليسار كان له دور أيضاً، انسحاب بعض المبدعين من المشهد إما بالعزلة وإما بتحويل الدفة الإبداعية إلى منطقة إبداعية أخرى مثل المسرح كان لها دور أيضاً، تجديد بعض الكتاب مثل إدوارد الخراط وارتيادهم لمناطق وأساليب قص جديدة فى ظل سطوة طريقة القص الإدريسى عطلت ظهورهم حتى تنبه القراء بعد فترة كبيرة إلى أن هناك صوتاً مختلفاً فى أوركسترا الإبداع، هو صوت نشاز بالنسبة لأسلوب يوسف إدريس لكنه لحن أصيل وممتع بالنسبة لمن يطلب الاستمتاع بالفن لا الدروشة فى محراب كاتب بعينه، يلقى شعبان يوسف فى كتابه الضوء على أسماء لكتاب القصة القصيرة المصريين من الممكن أن تكون مجهولة للكثيرين مثل يوسف الشارونى وأبوالمعاطى أبوالنجا أو أسماء لا يعرف القراء خاصة الشباب منهم أن من ضمنهم مَن مارَس كتابة القصة بحرفية وتمكن مثل لطفى الخولى ومصطفى محمود ونعمان عاشور.
كتاب شعبان يوسف لم يخدش إعجابى بيوسف إدريس ولكنه وضعنى فى الصورة الشاملة وطرح قضية أكبر من مجرد الإعجاب بكاتب ألا وهى العلاقة بين الكاتب وبين السلطة وكيف أن ظرفاً سياسياً معيناً وشلة أصدقاء متماسكة ذات صوت وسطوة وحضانة إعلامية متمكنة من الممكن أن تصنع سوبر ستار وتدهس من هو فى نفس القامة والقيمة وتضعه للأسف فى مصاف الكومبارس!
أعرف أن تطبيق صرامة الرؤية العلمية فى النقد من الممكن أن تسبب صدمة للكثيرين، وواثق من أن حياد الناقد العاطفى تجاه مبدع أو كاتب أسلوب لم يعهده القراء المصريون ومن الممكن أن يجعلهم عدوانيين تجاه هذا النوع من الطرح وهم الذين تعودوا على التمجيد المطلق، لكن حاولوا قراءة الكتاب بعد نزع عباءة المريد الدرويش ستجدونه ممتعاً بقدر صدمته، دافئاً برغمة حياديته.
نقلا عن الوطن