الأقباط متحدون - استهداف المسيحيين
  • ٢٠:٠٦
  • الجمعة , ١٠ مارس ٢٠١٧
English version

استهداف المسيحيين

مقالات مختارة | جمال طه

٤٤: ١٢ م +02:00 EET

الجمعة ١٠ مارس ٢٠١٧

 جمال طه
جمال طه

تعقُّد الأمور فى شمال سيناء بلغ حد «الحبكة»، حتى بات يستحيل تحليل التطورات بمجرد الارتباط الزمنى، أو استناداً للظواهر.. استهداف «داعش» لسبع ضحايا مسيحيين، وما أعقبه من مغادرة عشرات الأسر المسيحية، شكّل أحد مظاهر الضغط على الدولة المصرية، الإعلام المضاد جسّد البعد الطائفى للجرائم، والمؤيد ركَّز على أوضاع المهاجرين، بعدها بأيام قليلة أجبرت تهديدات «داعش» (38) عائلة قبلية مسلمة -رفضت التعاون معها- على المغادرة لقرية سرابيوم بالإسماعيلية، لتُذِّكر الجميع بأن التنظيم يستهدف «الشرطة، الجيش، والمتعاونين مع الدولة» لإضعاف إرادتهم فى مواجهة الإرهاب، «المسيحيين والقبائل» لإثارة الخلافات الطائفية والعرقية، «الصوفيين» تعبيراً عن تعصب مذهبى.. جرائم استهداف المسيحيين ومقدماتها تعكس دلالات مهمة.. «الداخلية» أعلنت تصفية (10) من عناصر التنظيم ينتمى خمسة منهم لعائلات العريش، 13 يناير، حمَّلتهم مسئولية التعدى على كمينى المطافئ والمساعيد، 9 يناير، وقتل 8 عناصر «شرطة ومدنى».. عائلات العريش عقدت اجتماعاً طارئاً بديوان آل أيوب، 14 يناير، ضم قرابة 2000 شخص، بينهم عناصر تحريضية؛ حسام رفاعى، عضو البرلمان، خالد عرفات، أمين حزب الكرامة بالعريش، وجمعيات تعمل خارج إطار القانون تعللت بالدفاع عن أسر القتلى، ووزعت تقاريرها المثيرة للاحتقان، «مركز النديم» حمّل النظام مسئولية 1100 حالة قتل غير قانونى للمدنيين خلال ثلاث سنوات، و«المركز المصرى للحقوق والحريات» أشار لمقتل 1347 مدنياً، اعتقال 11906، هدم وحرق 4430 منزلاً وعشة، تدمير 736 سيارة ودراجة بخارية، منذ 30 يونيو 2013.. لو عددت «داعش» خسائرها لما بلغت هذا الحد.. «سيناء لحقوق الإنسان» و«الإخوان المسلمين» طالبا بالتحقيق، والدعوة لخروج الجيش من المدينة، وإلغاء كمائن الشرطة!!.

اجتماع عائلات العريش اتسم بالخطورة فى دلالاته ونتائجه، الأهالى أكدوا أن أربعة من القتلى كانوا معتقلين؛ اثنان منهم منذ 20 أكتوبر 2016، وأرسلت زوجتاهما تلغرافات لوزيرى العدل والداخلية بإيصالات مسجلة، والثالث معاق يعانى من تيبس جزئى بالكوع الأيسر منذ طفولته، بشهادات طبية.. هل اختفوا بعد الانضمام لـ«داعش» أسوة بالحالات المماثلة؟!، أم أنها إحدى خطايا «الداخلية»، على نحو ما وقع للضحايا الخمس بقضية ريجينى؟!.. ولماذا ألزمت «الداخلية» الأهالى بالتوقيع على محضر الشرطة الخاص بأبنائهم، كشرط لتسلم الجثث؟! هل نتوقع رداً شافياً؟!.. فى نهاية الاجتماع أعلن تشكيل مجلس دائم من مشايخ العائلات لمتابعة الأزمة، إشهار الخصومة مع وزير الداخلية، المطالبة بالتحقيق ومحاسبة المسئولين عن تصفية أبنائهم، والإفراج الفورى عن المعتقلين، مطالبة نواب المنطقة بتقديم استقالاتهم من البرلمان، التهديد بالعصيان المدنى، والتقدم ببلاغات للنائب العام.. تزامن سلسلة الجرائم ضد المسيحيين مع تصعيد عائلات العريش ضد الدولة يعكس سعى الإرهابيين لشيطنة تلك العائلات، والإيقاع بينهم وبين الدولة المصرية، ما يفرض الانتباه.

بعد الاجتماع وقع الانقسام؛ القبائل السيناوية، على رأسها الترابين والسواركة وعائلات رفح والشيخ زويد، اجتمعت 28 يناير؛ لتأكيد دعمهم للجيش والشرطة.. وردت عائلات العريش باجتماع أواخر يناير مطالبة بتمليك أرض المنطقة لقاطنيها!!، وعودة المهاجرين والنازحين من رفح والشيخ زويد، وإلغاء حالة الطوارئ، ودعت لعصيان مدنى جزئى يوم 11 فبراير بالامتناع عن تسديد فواتير الكهرباء والمياه.. «داعش» والإخوان أثنوا على الدعوة، وحرّضت أبواقهم الإعلامية على التصعيد بقطع الطرق، والمواجهة المسلحة.. الغريب أن بعض خبرائنا الاستراتيجيين -المرحّب بهم فى ماسبيرو- عقّبوا على الموقف بالدعوة لتسليح القبائل للتصدى للإرهاب، فى استنساخ أعمى لتجربة «الصحوات»، متجاهلين استحالة عملية الفرز؛ لتحديد مَن مع الدولة، ومَن ينتمى للإرهابيين؟!، لو لم يكن الفرز بتلك الصعوبة لما تسلل الإرهابيون للعريش مندسين وسط مهاجرى رفح والشيخ زويد.. فكيف تسلح الدولة مجموعات قد تضم «دواعش»؟!

قبائل سيناء إحدى إشكاليات الوطنية المصرية، فهم دائماً أول رهانات الطامعين فى سيناء بداية للتشكيك فى وطنيتهم؛ الشيخ سالم الهرش، شيخ مشايخ سيناء وزعيم قبيلة البياضة، أكد انتماءهم وولاءهم لمصر بمؤتمر الحسنة 1968، بحضور موشى ديان، وممثلى الإعلام الدولى، فى الوقت الذى كانوا ينتظرون تبرؤه منها، لبدء إجراءات تدويل سيناء.. توسيع الفلسطينيين لشبكة الأنفاق، ونمو عمليات التهريب وتجارة البشر، وانخراط بعض أبناء القبائل فيها، دفع مشايخها لطردهم، تطبيقاً لقواعد التشميس، حتى لا يكونوا مسئولين عن أفعالهم، فأنشأوا القرى والتجمعات السكنية المجاورة للحدود الإسرائيلية، وتلك المحيطة بجبل الحلال، وانتشروا بالكهوف والمناطق الوعرة.. لكنهم عندما تدفق الإرهابيون والهاربون من السجون ومن صدرت لهم قرارات عفو إبان حكم الإخوان، غيَّبوا قانون التشميس، وتسامحوا مع مَن شاركوا فى تهريب الأسلحة والوقود ومواد التموين والإعاشة، خوفاً، أو طمعاً فى فرصة عمل لأبنائهم، ما أدى بهم لموقف لا يُحسدون عليه، قطاع بالدولة يتهمهم بالخيانة، و«داعش» راهنت على تحالفهم معها، ورغم تفضيلهم الحياد، فإنها بدأت فى استهدافهم، وذبحت عشرات الشيوخ، بينهم شيخ قبيلة الترابين ونجله، وقرابة 100 شاب، ما دفع 30 قبيلة للتحالف، وتفعيل تعاونهم مع الدولة، وهو أحد العوامل المهمة وراء الهزائم التى لحقت بالإرهابيين.. نجاح المنظومة الأمنية بالصحراء الغربية ومطروح يرجع لحسن إدارة الجيش للعلاقة مع القبائل، وفشلها بسيناء يرجع لقصور المعالجة من جانب «الداخلية».. تلك حقيقة ينبغى معالجتها حتى تنتهى أزمات المنطقة.

وسط ضباب الأزمة ينبغى الانتباه لدلالات بالغة الأهمية.. الأولى: أن استهداف الإرهابيين فى جبل الحلال يطرح التحسب لاحتمالات هروبهم لمدن القناة والدلتا لشن عمليات تخفف الضغط عن سيناء، وتوسع نطاق الاغتيالات، ما ينبغى معه فرض حصار محكم للجبل، وإغلاق دروبه ومسالكه.. الثانية: أن الإرهابيين كشفوا أن لديهم كشوف حصر تتضمن بيانات تفصيلية بالأسر المسيحية وأماكن إقامتهم وأعمالهم، هذه البيانات يمتلكها السجل المدنى، فلمَ تباطؤ عمليات تطهير مؤسسات الدولة رغم نزيف الدماء؟!.. الثالثة: أن التسجيل الذى نشرته «داعش» للتحريض على قتل المسيحيين 20 فبراير، حمل شعار «ولاية مصر» وليس ولاية سيناء، ما يعكس تسليمها بالفشل فى إنشاء ولاية إسلامية بسيناء، واتجاهها للذوبان داخل نطاق الدولة ككل، تجنباً للمواجهة التى لم تعد قادرة على خوضها، لضخامة خسائرها، فضلاً عن إعادة بناء التنظيم استناداً لبقايا عناصر الإخوان، بعد فشل رهانها على القبائل.. وأخيراً: فإن صياغة بيان إدانة الأزهر للإرهاب ضد المسيحيين، حفظت لـ«داعش» صفتى الإسلام والإيمان، بوصفها بـ«الفئة الباغية».. حذرنا الرسول، صلى الله عليه وسلم: «ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة».. يا شيخ أزهرنا الجليل: هذا من ظلم.. فما بالك بمن قتل؟!
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع