المعضلة الاستراتيجية للمستشارة ميركل
مقالات مختارة | د.جهاد عودة
السبت ١١ مارس ٢٠١٧
فى عام 2013، فازت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بواحد من أكثر الانتصارات حسماً فى تاريخ بلادها، وحققت أفضل نتيجة لحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحي/الاتحاد الاجتماعى المسيحى منذ إعادة التوحيد. ومع ذلك وبسبب فشل الشريك المفضل فى الائتلاف، الحزب الديمقراطى الحر، فى الدخول للبرلمان للمرة الأولى منذ عام 1949، تحول حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحي/الاتحاد الاجتماعى المسيحي، إلى الحزب الاشتراكى الديمقراطي، وهو ثالث ائتلاف موسع فى التاريخ الألمانى بعد الحرب العالمية الثانية، والثانى تحت قيادة ميركل.
أدت حكومة ميركل الثالثة اليمين الدستورية فى 17 سبتمبر عام 2013، فى بداية أغسطس 2015، قالت مجلة دير شبيجل إن ميركل “ أخذت قرارا واضحا للترشح مرة أخرى فى 2017”، ولكن الوضع السياسى والاستراتيجى لميركل تغير وصارت تواجه الآن معضلة استراتيجية متعدده الأبعاد وهى كيف تتعامل بنظام يسمح لها بتقليل الخسائر السياسية والاستراتجية من أجل إعادة انتخابها وفى استمرار تماسك الاتحاد الاوروبى وإعادة إحياء الأطلسية والحفاظ على حلف الناتو.
بعبارة أخرى، تواجه ميركل، اليمين المتطرف فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، والنفوذ العالمى البريطانى المتصاعد بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى وخطر الرئيس الروسى فلادمير بوتين، من الشرق وخطر الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب فى الرغبة فى تحطيم النفوذ الصناعى والمالى الأوروبى بقيادة ألمانيا وفرنسا.
ميركل فى الأصل كانت عالمة أبحاث سابقة تحمل شهادة دكتوراه فى الكيمياء الفيزيائية، ولدت فى ألمانيا الغربية ورحلت مع والدها إلى ألمانيا الشرقية، ثم دخلت السياسة عقب ثورات 1989، وخدمت فترة وجيزة نائبة للمتحدث باسم أول حكومة منتخبة ديمقراطياً فى ألمانيا الشرقية، برئاسة لوثر دى مايتسيره فى عام 1990.
وبعد إعادة توحيد ألمانيا فى عام 1990، تم انتخاب ميركل فى البوندستاج عن ولاية مكلنبورج-فوربومرن، وتم إعادة انتخابها منذ ذلك الحين، وتم تعيينها بمنصب وزيرة المرأة والشباب فى الحكومة الاتحادية تحت قيادة المستشار هيلموت كول فى عام 1991، وبعدها أصبحت وزيرة البيئة فى عام 1994، وبعد خسارة حزبها الانتخابات الاتحادية فى عام 1998، انتخبت ميركل لمنصب الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحي، قبل أن تصبح أول زعيمة للحزب بعد عامين فقط فى 2000. أطراف المعضلة الاستراتجيه كالتالي: اليمين المتطرف الألمانى: لم يظفر حزب البديل من أجل ألمانيا، بأصوات كافية للسيطرة على الحكومة فى أى من الولايات الألمانية الثلاث، لكنه أضحى الآن يحوز حضورًا قويًا ضمن السلطة التشريعية فى كل ولاية من الولايات الثلاث، وفى الواقع، تمثل النتائج الأخيرة أفضل نتيجة يحصل عليها حزب يمينى متطرف فى أى انتخابات ألمانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وسيطالب الحزب بإجراء استفتاء لخروج ألمانيا (دويتشلاند) من الاتحاد الأوروبى إذا تمكن من دخول البرلمان بعد انتخابات 2017، بالإضافة إلى الحزب اليسارى الألمانى الذى طالب أيضاً بـ«بداية جديدة» فى الاتحاد الأوروبى وفتح “النقاش والتصويت حول مستقبل أوروبا”.
وتوجد عقبات دستورية أمام إجراء استفتاء فى ألمانيا مشابه لذلك الذى أجرته بريطانيا، فألمانيا لن تكون قادرة على مغادرة الاتحاد الأوروبى إلا إذا استطاعت تغيير دستورها ليتضمن نمطا من “الديمقراطية المباشرة” على المستوى الوطني، حيث تسمح الولايات الألمانية الـ16 بالمبادرات الشعبية غير المباشرة، ولكن وبسبب الماضى النازى للبلاد، لا يسمح الدستور الفيدرالى بتصويت وطنى لمباشر سوى فى حالتين: 1- تغيير التوزيع الترابى من حيث تغير حدود الدولة وتغير فى حدود أقاليم الدولة،2- إجراء إصلاحات دستورية فيدرالية. ولكىلا تتفتت ألمانيا يجب تأكيد القدرة الاستثمارية العالمية الألمانية المباشرة فى الخارج بما يسمح لميركل بالفوز فى الانتخابات فى ضوء ضعف اليورو وبطء نمو اقتصاد الاتحاد.
ودعت المستشارة الألمانية ميركل -بمناسبة الذكرى الـ 26 للوحدة الألمانية- الألمان للدفاع عن شعار الحرية “نحن الشعب” -الذى رفعته الحركة الحقوقية فى ألمانيا الشرقية سابقاً- ضد احتكاره من قبل حركات ألمانية يمينية متطرفة حالياً.
خروج بربطانيا من الاتحاد الأوروبى سيسمح لبريطانيا بالعمل على المستوى العالمى، بشكل مستقل الأمر الذى يسبب تنافسا صناعيا وتجاريا واستراتيجيا حادا ألمانيا أوروبيا مع بريطانيا. أما فى مواجهة بوتين وترامب فتتمسك ميركل بأساس إستراتيجية المحافظين والليبراليين.
إن المستشارة من المدافعين عن سلامة الاتحاد الأوروبي، وتعتقد بأن السلام العالمى يعتمد على ذلك. ولذا فإنها تعمل أيضاً على حماية الاتحاد الأوروبى من السياسات القومية الانفصالية من روسيا والولايات المتحدة والأحزاب اليمينية الأوروبية، خصوصا تلك الموجودة فى هولندا وفرنسا.
وتبدى المستشارة حذرها من محاولات كل من الرئيسين الأمريكى ترامب الروسى بوتين لإضعاف الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى (الناتو)، وتعطى الأولوية لمحاربة الإرهاب بالتنسيق مع الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة.
وتعتقد ميركل أنه ينبغى التمسك بحل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين، والذى ترى أنه يساعد على تحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، وفيما يتعلق بمشاكل الإرهاب، فإن ألمانيا تبدى اهتماما خاصا لمكافحته، عن طريق محاربة تنظيمى “داعش” و”القاعدة” حيث أسهمت ألمانيا بإرسال 650 جندياً لحلف الناتو لمكافحة “داعش” ضد عمليات التهريب فى البحر المتوسط خلال عام 2017.
وكانت الحكومة الألمانية لاعباً مهماً فى تطوير السياسات الأمنية للاتحاد الأوروبي، وفى هذا السياق، تهدف ألمانيا إلى الحفاظ على علاقات جيِّدة مع الدول العربية المعتدلة، خاصة المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والجزائر والعراق، وتنتقد ميركل بشدة سياسة الاستيطان التى يتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو فى الضفة الغربية.
نقلا عن الأهرام