![](http://www.copts-united.com/uploads/3445/50_20180807153533.gif)
«الجهاد فى الإسلام»: لا يجوز القتل على أساس الجنسية وتفجير المسلم لنفسه من أعظم الآثام
أخبار مصرية | الوطن
السبت ١١ مارس ٢٠١٧
حاول الدكتور ناجح إبراهيم فى كتابه «الجهاد فى الإسلام غاية أم وسيلة.. دفاع أم عدوان» الدفاع عن فريضة الجهاد ورد الاعتبار لها وتقويم مسارها، وناقش خلال كتابه الشباب المتشدد فى تصوراتهم الخاطئة للجهاد، فقال: «لم تتم الإساءة إلى فريضة من فرائض الإسلام مثلما أسىء إلى فريضة الجهاد، رغم أنها فريضة عظيمة من فرائض الإسلام استفاضت الآيات والأحاديث فى بسط وشرح فضلها وأثرها العظيم فى الدفاع عن الأمة ورد العدوان عليها وردع كل من تسول له نفسه هضمها أو ظلمها مثل قوله تعالى «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ»، ولكن هذه الفريضة بالذات أساء إليها بعض أهل الإسلام وأنصاره، حينما وضعوا السيف فى غير موضعه وحولوا الجهاد من وسيلة إلى غاية، متناسين أن الجهاد وسيلة فقط لإعزاز الدين والدفاع عن بلاد المسلمين، وليس باباً لقتلهم وتفجيرهم أو اغتيالهم، كما أساء إلى هذه الفريضة الكثير من خصوم الإسلام وأعدائه الذين صوّروا الإسلام كدين وحشى يريد القتال والمواجهة المسلحة مع خصومه وأعدائه».
ويجيب «إبراهيم» عن سؤال: «هل القتال فخر فى نفسه؟» قائلاً: «القتال ليس فخراً فى حد ذاته.. فالوحوش فى البرارى تتقاتل ويقتل بعضها بعضاً.. ولكن الفخر الحقيقى هو أن تقاتل فى سبيل الله نصرة للدين وإعزازاً للإسلام ودفعاً للفتن ودفاعاً عن الأوطان، أما القتال والتكفير وتفجير المدنيين وخطف المسلمين فلا ثمرة له سوى إراقة دماء الأبرياء وسفك الدماء المعصومة وزرع الأحقاد وإضعاف الأمة أمام أعدائها الحقيقيين وزرع الخوف من كل ما هو إسلامى، وهذا يلحق بقتال الفتنة الذى حرمته الشريعة ومنعته نصوص الكتاب والسنة» وأضاف: «إن أمة الإسلام لها أخلاق وسيوفها أيضاً لها أخلاق، وقد بلغ من أخلاق سيوف أمتنا أنها تحمى المساجد التى يذكر فيها اسم الله كثيراً وتحمى الكنائس ومعابد اليهود فى بلاد المسلمين رغم اختلاف العقيدة، وتدافع عن حرية عقائدهم وأموالهم وأعراضهم، فالجهاد فى الإسلام ليس اعتداء على الآخرين أو تسلطاً عليهم أو فرض الإسلام أو الرأى والفكر عليهم بالقوة، ولكنه الدفاع عن بلاد المسلمين والذود عن حرماتهم».
الجهاد فريضة أساء إليها البعض حينما وضعوا السيف فى غير موضعه وحولوها من وسيلة إلى غاية
وحول حقيقة الجهاد قال إبراهيم: الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، وهو أعظم الأعمال وأزكاها، وهو أيسر الطرق إلى رضوان الله تعالى والجنة، ولقد تواترت الآيات والأحاديث التى تدل على عظيم فضل الجهاد، وسمو مكانته ورفعته، التى تحث عليه وترغب فيه، وحول مفهومه قال: أحكام الجهاد الحق فى الإسلام تنطلق من قوله تعالى: «اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» ومن قول النبى الكريم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله»، ومن عدل الإسلام ورحمته أن جعل الجهاد رداً للعدوان وصداً له وليس عدواناً على الآخرين «وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ» ثم ضبط القتال بقوله «وَلاَتَعْتَدُواْ»، فالعلة فى الحرب والجهاد هى المقاتلة والعدوان وليس اختلاف الدين أو العرق أو اللون، فمن قاتلك تقاتله ومن اعتدى عليك ترد عدوانه، ومن عدل الإسلام ورحمته أن جعل الجهاد نصرة للمستضعفين والمظلومين، فقال تعالى: «وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان».
وتحت عنوان «الجهاد غاية أم وسيلة» أكد المؤلف أن أكبر إشكالية يمر بها الفكر الإسلامى المعاصر هى عدم التفريق بين الغايات والوسائل أو الخلط بينهما، لأن الجهاد لم يكن يوماً من الأيام هدفاً فى ذاته ولا غاية، فلم يشرع الإسلام القتال من أجل القتال وإنما كان الجهاد فى سبيل الله وسيلة لحفظ الدين وإعزازه، وأن الجهاد يلزم إذا ما توافرت الشروط والأسباب وانتفت الموانع. وحول موانع الجهاد قال: يحرم إنفاذ الجهاد إذا لم تتوافر مقتضياته، أو شروطه، أو كان إنفاذه سيؤدى إلى أضرار أخرى بمقاصد الشريعة تكون أهم وأولى منه، كأن يكون إنفاذه سيؤدى إلى تضييع الدين لا حفظه، أو إضاعة وإهلاك الأنفس فى غير فائدة، أو حينما تترتب عليه مفاسد أكبر من المصالح التى يرتجى تحقيقها عبره، أو يكون مهدراً للأنفس لا حافظاً لها، أو يكون فتنة للناس لا درءاً للفتنة أو يكون صاداً عن سبيل الله لا مرغباً الأنفس فى طريق الله، ومن ضوابط الجهاد أنه لم يفرض على الأطفال ولا النساء ولذا لا يجوز الزج بهم فى الحروب، ومن أحكامه حرمة قتل المدنيين، وذلك بنص القرآن «وَلا َتَعْتَدُواْ» وأضاف أن المتأمل لمعظم ضحايا تفجيرات القاعدة تجدهم من المدنيين. وحول «حكم استهداف السائحين بالقتل» قال: حرمة قتل السياح تأتى من ثلاثة أبواب الأول: أن الأصل فى كل الدماء العصمة ولا يزول هذا الأصل إلا بدليل أنصع من شمس النهار، فهكذا أجمع علماء الإسلام، كما أن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية «حفظ النفس».. والنفس هنا مطلقة لأنها جميعاً معصومة، وقد سوى القرآن بين النفوس جميعاً فى قوله تعالى «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَو فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»، الثانى: أنه مدنى غير محارب ولا يجوز قتله أو قتاله لما ذكرناه من قبل فى حرمة قتل المدنيين، حتى لو كان من دولة فى حالة حرب معنا، الثالث: أنه دخل بلاد المسلمين بعهد وأمان وميثاق، والاعتداء عليه بأى صورة يعد غدراً وخيانة للعهد وخرقاً للأمان.
وحذر إبراهيم من انتشار ما أسماه بالقتل بالجنسية وعلى أساس الاسم، والقتل بالوظيفة والقتل بالهوية واصفاً إياها بالأنواع الجديدة والغريبة من القتل استحدثتها بعض الحركات التكفيرية فى السنوات الأخيرة ولم يعرفها المسلمون طوال عصورهم، ولم يعهدوها أو يتوقعوها أبداً، وأضاف: الأسوأ أن ينسبها فاعلوها للإسلام الرحيم العفو وللجهاد وأن أول من ابتدع القتل بالجنسية هو تنظيم القاعدة يوم إعلانه تأسيس ما سُمى «الجبهة العالمية لقتال الأمريكيين واليهود» فى نهاية التسعينات، وحضت وثيقته على قتل كل أمريكى، فى خرق واضح لكل أسس وثوابت الفقه الإسلامى.
الفخر الحقيقى أن تقاتل دفعاً للفتن أما القتل والتكفير وتفجير المدنيين فلا ثمرة له سوى إراقة دماء الأبرياء
وتابع: إن وضع شعب بأسره فى سلة واحدة وتعميم الحكم عليه يعد خطيئة فقهية وشرعية كبرى، وقد كرر القرآن معنى «ليسوا سواءً» وهو يتحدث عن خصومه فى العقيدة، إنصافاً وعدلاً، ولكن هؤلاء خرقوا جدار الفقه الإسلامى بـ«القتل بالجنسية»، وهذا الخرق لم يرتق حتى الآن، وجاءت المصيبة الأفدح وهى «القتل بالاسم» وذلك بعد أن انتشرت الميلشيات الشيعية المتعصبة المسلحة فى العراق بعد زوال حكم صدام، وكانت كلما لقيت شاباً عراقياًً اسمه أبوبكر أو عمر أو عثمان قتلته وذبحته ومثلت بجثته، وذلك فى سابقة فريدة من القتل بالاسم، وهو ما ولد فكرة القتل بالمذهب فكانت ميلشيات القاعدة وأتباعها يقتلون كل شيعى، بل وصل الأمر إلى تفجير كل منهما لمساجد الآخر.
وأكد إبراهيم تحت عنوان «القتل بالوظيفة.. جريمة العصر» أن هذا أمر لم يعرفه الإسلام طوال عصوره، فلا يمكن قتل إنسان «أى إنسان» لمجرد وظيفته، ولا يمكن إهدار روح إنسان لمجرد وظيفته ولا يمكن هدم الكيان البشرى الذى خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه واستخلفه على أرضه وحمله أعظم التكاليف هكذا بهذه البساطة، ولكن دواعش سيناء وكل الدواعش اخترعوا القتل بالوظيفة، فإذا رأوا ضابطاً فى الشرطة أو الجيش أو أمين شرطة يلبس الزى العسكرى أمطروه بوابل من الرصاص، دون أن يعرفوا عنه شيئاً، أو يعرفوا أى مبرر لقتله، ولا يعرفوا تدينه وصلاحه أو غير ذلك، ودون أى صلة سابقة تربطهم به، وهذا والله من أسوأ أنواع القتل وأحطه، ويلحق بهذا النوع قتل القضاة فهل يعقل أن يقوم قاتل بقتل قاض لا يعرف اسمه ولا رسمه ولا أى شىء عنه لمجرد الخصومة السياسية أو الفكرية مع آخرين، وهل قتل الناس أصبح سهلاً ميسوراً هكذا! ويضيف: أزمة تعميم الأحكام والعقاب أصبحت مستشرية الآن فى معظم شرائح المجتمع المصرى، ثم ألم تتعلم هذه الجماعات المسلحة من مغبة استهداف القضاء والقضاة والخصومة معهم؟! ألم تتعلم من درس قتل الخازندار فى الأربعينات الذى كان سبباً رئيسياً فى انهيار جماعة الإخوان ومقتل الشيخ البنا فى الأربعينات؟ بالإضافة إلى مقتل النقراشى باشا؟ ألم تتعلم من تحول سياسة الحكومة المصرية إلى منتهى الشدة والقسوة وتنفيذ أحكام الإعدام بعد مقتل المستشار هشام بركات «النائب العام السابق»، إن سياسة الدولة المصرية مع تحالف دعم الشرعية قبل اغتيال هشام بركات تختلف عما بعده، وطرح المؤلف سؤالاً: «هل يجوز للمسلم أن يفجر نفسه؟» عارضاً الرؤية الشرعية لذلك، مؤكداً أن الإسلام احترم النفس البشرية وصانها، ولم يستبح إزهاقها إلا بقدر ما يحتاج رد العدوان ودحر الظلم، وأنه لا يجوز له أن يقتل إنسان نفسه، ولا أن يقتل غيره من هؤلاء المدنيين الذين حَرَّمَ الله قتلهم، وأن قتله لنفسه وغيره يُعَدُّ من أكبر وأعظم الآثام والذنوب فى شريعة الإسلام، ولا علاقة له بالجهاد.