الأقباط متحدون - أين مؤسسة الذاكرة العراقية؟
  • ٠٤:٢٨
  • الأحد , ١٢ مارس ٢٠١٧
English version

أين مؤسسة الذاكرة العراقية؟

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

٥٦: ٠٩ ص +02:00 EET

الأحد ١٢ مارس ٢٠١٧

صورة ارشفية
صورة ارشفية

كتب : د.عبدالخالق حسين

الشعب، كما الإنسان الفرد، له ذاكرة تربطه بماضي حياته و تاريخه، وجميع الأحداث التي مر بها مخزونة في ذاكرته. وبدون الذاكرة يكون قد أصيب بمرض الألزهايمر (مرض النسيان، أو الخرف المبكر). وبدون تاريخ يكون الإنسان بلا هوية. ومن نافلة القول، أن الفرق بين الإنسان والحيوان هو العقل الذي هو نتاج الدماغ (المخ)، والأخير هو العضو المادي في الجسم، وظيفته التفكير والوعي والعواطف والمشاعر والذاكرة. فالإنسان يختلف عن الحيوان، لكونه لا يعيش الحاضر فحسب، بل و يتذكر الماضي وآلامه وأفراحه، و ويتعلم منه باستخلاص الدروس والعبر، ويخطط للمستقبل المجهول الذي يقلقه. بينما الحيوان يعيش لحظة الحاضر فقط، بلا ماض يزعجه ولا مستقبل يقلقه، إذ تحركه الغريزة فقط، بدون عقل و ذاكرة.
 
فالإنسان يولد جاهلاً، ومنذ لحظة ولادته يبدأ بالتعلم من بيئته ومن أخطائه إلى شيخوخته ووفاته. فحياة الإنسان عبارة عن سلسلة من أخطاء وإخفاقات ونجاحات يتعلم منها، وبدون الذاكرة لا يتعلم أي شيء، فلولا الذاكرة لما نشأت الحضارة أصلاً.

والجدير بالذكر أن للشعب العراقي تاريخ دموي حافل بالمآسي والمصائب والكوارث نتيجة جور حكامه عبر التاريخ. ولا نغالي إذا قلنا أن أسوأ عهد عاشه الشعب هو عهد حكم البعث الصدامي الجائر. ويمكن القول أن ما أصاب الشعب العراقي من كوارث خلال حكم البعث لا يقارن إلا بغزو المغول التتار للعراق بقيادة هولاكو، بل و أسوأ منه بكثير.

فقد تعرض هذا الشعب خلال حكم البعث إلى أبشع أنواع الاضطهاد والجوع والإذلال، لا يقل عن اضطهاد النازية الألمانية لليهود في عهد حكم هتلر. فقد عاش الشعب العراقي مرحلة عصيبة من الحروب العبثية والحصار الاقتصادي، والمقابر الجماعية، والقتل الجماعي بالأسلحة الكيمياوية، والأنفال، والتشريد، والهجرة القسرية المليونية، وسراديب وزنزانات التعذيب، والتصفية بأحواض الأسيد، لم يعرفها أي شعب آخر من قبل. وقد بلغ الأمر حداً لا يطاق بحيث لم يكن لهذا الشعب الأعزل أي أمل في الخلاص من هذا النظام الجائر إلا بالاستنجاد بالمجتمع الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا، وهذا ما حصل، حيث تم إسقاطه يوم 9 نيسان/أبريل 2003، بسقوط الصنم في ساحة الفردوس ببغداد، وأقيم النظام الديمقراطي البديل، يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في الحكم، وتبادل السلطة بالوسائل السلمية عن طريق صناديق الاقتراع كل أربع سنوات.

ولأجل وضع حد لهذه الكوارث، ومنع تكرارها، أقامت السلطة الجديدة مؤسسة باسم (مؤسسة الذاكرة العراقية)، وتم تعيين السيد مصطفى الكاظمي رئيساً لها، وتجهيزها بالوثائق والمصادر والأفلام وكل المتطلبات التي تفضح جرائم النظام البعثي ضد الشعب العراقي، ليكون أشبه بالمتاحف التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية في ألمانيا والدول الأوربية الأخرى عن جرائم النازية، وخصصت لها مجلة أسبوعية لنشر نشاطاتها. والغرض من هذه المؤسسة ليس للثأر والانتقام من أحد، ولا لإثارة الأحقاد والصراعات بين مكونات الشعب، بل لمنع تكرار تلك المصائب.

ومما يجدر ذكره أني شاركت في ملتقى فكري ببغداد عام 2009، كنت قد أكدت في ورقتي على مسألة استخلاص الدروس والعبر من تاريخنا الدموي، وأن نفعل تماماً كما فعلت أوربا بعد الحرب العالمية الثانية لفضح جرائم النازية وإبقائها بارزة في ذاكرة الشعوب الأوربية لكي لا تتكرر في المستقبل. اعترض عليَّ أحد الزملاء المشاركين، أنه يجب التخلص من التاريخ، واستشهد بمقولة لمفكر غربي نسيت اسمه، مفادها، أنه (من أجل أن نعيش بسلام، يجب إطلاق رصاصة على التاريخ والتخلص منه).

هذه المقولة قد تكون صحيحة ضمن سياقها في حالة إصرار البعض لإبقائنا سجناء الماضي، والمطالبة ببناء الحاضر والمستقبل على مقاسات الماضي الذي فات زمانه، كما يدعو إليه دعاة الإسلام السياسي الآن، ومطالبتهم بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لألف وأربعمائة سنة. بينما الدعوة لتنشيط ذاكرة الشعب ليس الغرض منها أن نبني حاضرنا على مقاسات الماضي ونسجن أنفسنا فيه، بل العكس تماماً، أي يجب أن نقرأ التاريخ لا لإثارة العصبيات العنصرية والطائفية والقبلية وغيرها، بل لنستخلص منه الدروس والعبر، لتلافى أخطاءه. وفي هذا الخصوص يقول الفيلسوف الأمريكي، جورج سانتيانا: "الذين لا يتذكرون الماضي، محكوم عليهم بتكرار أخطائه ".

فالحكومات الأوربية ووسائل إعلامها ومؤسساتها التعليمية والثقافية على مختلف مستوياتها، ليسوا أغبياء عندما بدؤوا حملتهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى الآن، يعيدون على أذهان شعوبهم باستمرار، يذكرونهم بمآسي الحرب وجرائم الفاشية الإيطالية، والنازية الألمانية، ومحارق الهولوكست، بلا توقف، ليس من أجل أن يعيشوا في الماضي، أو لإثارة الأحقاد والمشاعر الثأرية، بل لغاية واحدة فقط، وهي منع تكرار تلك الكوارث مرة أخرى. وقد حقق الأوربيون نجاحاً باهراً في هذا المجال.

بينما الذي يجري في العراق الآن هو العكس تماماً، فقد اختفت مؤسسة الذاكرة العراقية ولم نسمع عنها أي شيء، سوى موقع على الانترنت، ليس فيه ما يوحي بنشاط ملموس(1). وربما كان إلغاؤها أحد شروط المصالحة الوطنية مع البعث!! أو ما يسمى الآن بـ"التسوية التاريخية"، إذ هناك صمت مطبق في الإعلام العراقي عن جرائم البعث ضد الإنسانية، يقابله هجوم عنيف ونشاط محموم من فلول البعث وأجهزته الإعلامية باختلاق الأطنان من الأكاذيب يومياً ضد العراق الجديد، وحملة تشويه صورة الديمقراطية، وإلصاق جميع جرائم البعث بالحكومة الديمقراطية المنتخبة، وتشويه صورة كل من يشارك في السلطة، والمبالغة بالسلبيات، واختلاق الكثير منها، والإدعاء أن رجال الحكم اليوم هم عملاء أمريكا وإيرن، دمروا الدولة العراقية(2).
والغرض من حملتهم المسعورة هذه خدع الجماهير بأن أفضل عهد شهده الشعب العراقي هو عهد "سيد شهداء العصر الرئيس صدام حسين" ، على حد تعبير صلاح المختار في تعليقه على الوثيقة المفبركة التي تحدث عنها السيد حسن العلوي في مقابلة له مع قناة (الرشيد) قبل أيام، أدعى أنها مرسلة له من عزت الدوري(يرجى فتح الرابط رقم 3 في الهامش). فعزة الدوري على الأغلب قد قُتِل قبل عامين في منطقة جبال حمرين كما أفادت الأنباء آنذاك، ولو كان حياً لظهر على شاشات القنوات البعثية أو المتعاطفة مع البعث لتكذيب الخبر. وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول حسن العلوي استغفال الناس والضحك عليهم لأغراضه الخاصة، فقد نبهني صديق وهو كاتب متميز متابع للشأن العراقي، (أن العلوي هذا هو نفسه الذي أدعى أن صدام حسين اتصل به تلفونياً بعد فترة من اعدامه. ..).
والغريب أن صلاح المختار في تعليقه على هذه الرسالة المزيفة، يتحدث بمنتهى العجرفة والعنجهية وكأن حزبه مازال في السلطة ومن موقع القوة !!، فيطالب بالقضاء على حكام بغداد المجوس، عملاء إيران، وإبادة حتى ذرياتهم في الأجيال القادمة !!!. فتصور اللغة الثأرية، وبهذه العنتريات الفارغة يريد أن يطمئن الشعب العراقي بـ"حزب العودة !!!". لا أعرف بأي وجه قبيح يريد البعثيون مواجهة الشعب العراقي وإعادة حكمهم، وهم الذين دمروا كل شيء جميل في العراق، وأدخلوه في هذا النفق المظلم؟

والمفارقة أن أغلب الذين يقومون بتعميم هذه الأكاذيب والتلفيقات هم من ألد أعداء البعث، لأن مؤلفي هذه الافتراءات يتمتعون بقدرات كتابية مهنية عالية في التضليل، يسوِّقون أكاذيبهم بشكل منمق يسهل تمريرها على الناس ومهما كانوا من الثقافة. وهناك أمثلة كثيرة في هذا الخصوص تمر علينا يومياً عبر الإيميل ومواقع التواصل الاجتماعي. ولإضفاء المصداقية على فبركاتهم، غالباً ما يدَّعون أنها صدرت من صحف غربية المشهورة ، ولكن دون أن يكلفوا أنفسهم بنشر رابط التقرير من مصدره الأصلي كما يدعون. 

خلاصة القول، المطلوب من الحكومة العراقية إعادة الحياة والنشاط لـ(مؤسسة الذاكرة العراقية)، والدعوة لمشاركة جميع مؤسسات الدولة، وبالأخص التعليمية والإعلامية والثقافية، بتذكير أبناء شعبنا باستمرار عن جرائم الفاشية البعثية الصدامية، وإلا ستنقلب الأمور، وينجح فلول البعث في إقناع ضحايا الشعب بأن مأساتهم لم تكن من البعث، بل من الحكام الجدد الفاسدين "عملاء أمريكا وإيران"، وأنه لا خلاص لهم إلا بالقضاء على الحكومة "العميلة" التي فرضتها أمريكا وإيران على حد زعمهم.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- موقع مؤسسة الذاكرة العراقية
http://www.daleeliq.com/civil_Details.php?ID=786

2- د.عبدالخالق حسين: من دمر الدولة العراقية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=880

3-  جمعه عبد الله: دعاية رخيصة لحزب البعث
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/225374.html

****************
ملحق
وصلني منذ مدة، تعليق من قارئ كريم ، فضل عدم الإشارة إلى اسمه في حالة النشر، ونظراً لأهميته رأيت من المفيد نشره كملحق لهذا المقال، وذلك لتعميم الفائدة، جاء فيه ما يلي:

بعد سقوط صدام صرح البعثيون بانهم سيدمرون العراق وبأن العراقين سيندمون على اسقاط صدام حسين،. والتقارير الدولية تشير الى ان صدام حرص على تحويل العراقيين الى اسلاميين متشددين بدءاً من كتابة القرآن بدمه، ومن ثم الحملة الايمانية الاسلامية التي اطلقها بنفسه بشكل واسع واستخدام جلاوزته في المقابر الجماعية ضد الشيعة وضد البقية ...كل هذا كان للتحضير لفترة ما بعد اسقاطه، و من اجل ان يحضِّر لفترة ما بعد سقوطه للتدمير, وهو الذي قال حرفيا "أن الذي يحكم العراق من بعده سيحكمه أرضاً محروقة بلا بشر".
وبعد سقوطه قام البعثيون بالتفجيرات واجراء اختطاف للبشر وقتلهم وهم يعترفون به... وجرت معارك في مناطق معروفة بأنها بعثية لحد النخاع ومنها الفلوجة والرمادي بحيث حتى قرية بعيدة في اليابان اصبحوا يعرفون اسماء هذه المناطق(...). وفي كل هذه التصريحات كان البعثيون يتساءلون ويطرحون اسئلة للعراقين بالشكل التالي: هل هذه هي الديمقراطية التي جاءت بها امريكا؟ هل هذا هو التغيير نحو الافضل الذي ارادته امريكا؟ هل هذا ما كان يتمناه العراقيون، حيث في كل يوم تفجيرات وقتل واختطاف الخ؟
انظر الآن الى قذارة البعث: من قام بالتفجيرات غير البعثين انفسهم ، ومن ثم يسألون العراقيين فيما اذا كانوا قد تمنوا هكذا ديمقراطية التي وعدتهم بها امريكا؟ وما اراده البعثيون كان شيئاً واحداً وهو ان يردد العراقيون بعدها بان فترة صدام كانت افضل من هذه الفوضى والتفجيرات اليومية...طيب ولكن هذه الفوضى والتفجيرات اليومية خلقها ومارسها البعثيين انفسهم.
واذا جئنا الى الداعشيين فان التقارير الدولية تقول بانه صحيح هناك الآلاف من المقاتلين الاجانب الاسلاميين، واسلاميين عراقيين، ولكن من يصنع العبوات الناسفة ويستخدم الاسلحة الثقيلة ويقوم بتدريب كل هؤلاء؟ أليسوا هم اشخاص خبراء في الحروب وهم البعثيون وخاصة هؤلاء من كل من الفلوجة والرمادي وتكريت والموصل الذين كانوا مختصين سابقا في التصنيع العسكري؟

لذلك فان اي شخص يمتلك ذرة من العقل فانه لن يسمح بان يصل هؤلاء الأوغاد البعثيون القذرون الى غرضهم. ولهذا فانني اعتبر اي مرحلة في العراق بانها افضل بألف مرة من مرحلة قذارة البعثيين ومرحلة قبل سقوط صدام.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع