المسيحى و تاريخ الوطنية المصرية
مدحت بشاي
الأحد ١٢ مارس ٢٠١٧
كتب : مدحت بشاي
medhatbe@gmail.com
في مقال سابق أشرت إلى أن هناك حالة من الامتنان لدى المواطن المسيحي لقاء رد الفعل الرئاسي والحكومي والشعبي الإنساني والوطني عقب مأساة ــ أو بالحري قل كارثة ومجزرة ــ تفجير كنيسة البطرسية منذ اللحظات الأولى للحدث وحتى مشهد الجنازة المهيب بحضور رئيس الجمهورية متقدماً طابور المشيعين للجثامين ، وإلقاء كلمات التعازي والتطييبات المُبلسمة للجراح ، وذلك مقارنة برد الفعل " المُباركي " الهزيل والبارد عقب مذبحة كنيسة القديسين ، والتي لا تقل بشاعة ودموية وطائفية مقيتة عن حادث " البطرسية " ...
و أشرت إلى أهمية أن يوجه الرئيس البرلمان لسرعة سن القوانين التى أشارت إليها مواد الدستور المعنية بإعادة بعض حقوق المواطنة للمواطن المسيحي وفق عقد اجتماعي جديد بين الدولة ومواطنها الذي يقدم كل يوم على مذابح الوطنية أوراق اعتماد ممهورة بالدم والمرارة بطعم العلقم ، وفي مقدمة تفعيل تلك الخطوات الإسراع في إنشاء مفوضية عدم التمييز الدينى ، وقوانين الأحوال الشخصية ، والإنصات من جديد لصراخ الأقباط وعدم رضاهم عما جاء في قانون تنظيم بناء الكنائس الجائر !!!
حول الخطاب القبطي كان للكاتب الإسلامي جمال البنا ، ومستشهداً بالمونسنيور باسيليوس موسى وكيل الأقباط الكاثوليك في مصر وكتابه «الدين والوطنية» و الذي صدر في القاهرة سنة 1920 ،وقد استشهد المؤلف بحقيقة أن التجنيد في الجيش الروماني لم يكن إجباريًا ولكن عددًا كبيرًا من المسيحيين تطوعوا في الجيش الروماني وحاربوا تحت ألوية «النسر» ببسالة مع تمسكهم بدينهم، وأورد المؤلف حالات عديدة لفرق أو مجموعات من الجنود المسيحيين أراد الإمبراطور أو القادة إجبارهم على تقديم الذبائح للآلهة الرومانية ولكنهم رفضوا وتعرضوا للفناء، وكان لسان حالهم كما ذكر أحد أفرادهم «حضرت سبع مواقع شهيرة لم أتقهقر في واحدة منها وقت القتال، بل كنت مثال الهمة والشجاعة كما يشهد رؤسائي فهل تظن أني بعدما قمت بواجبي نحو الدولة بذمة وأمانة أخون واجبي الأسمى نحو الله»؟
وفي كل هذه الحالات لم يدفع المسيحيون محاولة الرومان بالقوة أو يدافعوا عن أنفسهم بحد السلاح رغم أنهم كانوا مدججين به ومحنكين في استعماله، ولكنهم آثروا أن يلقوا سلاحهم ويستسلموا لأعدائهم، وهذه الوقائع كلها تدل على أن «المسيحي خادم أمين لدولته كما أنه خادم أمين لربه ».
ويعيد المؤلف هذا الموقف إلى أساس مبدئي هو « دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله » وأن المسيح حقق في حياته ذلك بدفعه الجباية عندما طولب بها ، وَدَفـَعَ الجباية إقراراً واعترافاً منه بسلطان من يطلب الجباية ، ولما سأله الفريسيون هل يلزم دفع الجزية أم لا ؟ أجابهم بالإيجاب، وأضاف إلى ذلك الآية الشهيرة التي تدل صراحة على التمييز بين السلطة الدينية والسلطة المدنية وهى «أوفوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله "، ثم لما قصده أحد الناس وقال له : "يا معلم قل لأخي يقاسمني الميراث»، أجابه يسوع قائلاً : «يا رجل من أقامني عليكم قاضيًا أو مقسمًا» ؟، فصرح بكلامه هذا بأنه لم يأت إلى العالم ليكون ملكًا أرضيًا، بل ملكاً روحيًا، وأن كل خلاف يدور حول الأرضيات يجب رفعه للسلطة المدنية ..
ويضيف جمال البنا " إن ما عمله المسيح قد عمله الحواريون، قال ماربولس «لتخضع كل نفس للسلاطين العالية فإنه لا سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة إنما رتبها الله، فمن يعاند ترتيب الله، والمعاندون يجلبون دينونة على أنفسهم، فلذلك يلزم الخضوع للسلطان» .إن هذا النص لا يحتاج إلى تأويل، لأن معناه واضح، وهو أنه يتحتم على المسيحي ــ من باب الذمة وتبعًا لأوامر الضمير ــ أن يخضع للسلطة المدنية الشرعية، وقد جاءت هذه الآية في رسالة مار بولس الموجهة إلى المسيحيين الرومانيين الذين كان يحكمهم في ذلك العهد نيرون عدو النصارى والنصرانية، والذي طوح به الجنون إلى أن يحرق روما لينسب هذه الجريمة إلى المسيحيين حتى يهيج عليهم الرأي العام ويفتك بهم، فكأن بولس إذن يقول : «ليس لكم يا مسيحي روما عدو ألـد من نيرون، ولكن بما أنه صاحب السلطة الشرعية فيلزمكم من باب الذمة والضمير أن تخضعوا لـه ، وقد أمر مار بولس الأسقف «طيطي» أن يذكر الشعب بوجوب الخضوع للرئاسات والسلاطين» .وما علَّمه بولس فقد علَّمه بطرس رأس الحواريين، إذ قال : «فاخضعوا إذن لكل خليفة له عليكم سلطة شرعية، وأما للملك فكالأعلى (أي مثل الأعلى..
أخيراً ، أرى إن من يتعجبون على تلك القدرة الفائقة على تحمل المواطن المسيحي لكل تلك المحن بوطنية وتدين وولاء ،عليهم العودة لصفحات من تاريخنا المصري ، إنه التاريخ المنسي في مناهج التعليم على الطريقة المصرية الظالمة ، فمتى نعيد للتاريخ فصوله المحذوفة ؟!!