بقلم: جوزيف جرجس
الإسلام والمسلمون
لقد عرضنا في المقالات السابقة لماذا يجب علينا أن نهتم بهذه المشكلة وما علاقتها بالقضية القبطية، ثم تعرضنا إلى دور المجتمعات والحكومات الأوربية، ثم بدأنا في عرض وتحليل دور الجاليات الإسلامية، لقد ذكرت أيضًا أني في التحليل أفصل بين الإسلام والمسلمين، فتعرضت لحقوق المسلمين ووجوب النظر إليهم كجزء من المجتمع الأوربي وكذلك حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية في إطار القانون والدستور، لقد ذكرت أيضًا من ناحية أخرى أنني أرى أن الأديان جميعًا غير منزهه عن النقد والتحليل، طالما أن هذا النقد أو التحليل يكون باحترام لأصحاب هذا الدين وليس بهدف الإقلال من شأن معتقديه، فالنقد يجب أن يكون موضوعيًا عن معرفة وقبل هذا وتلك باحترام لمعتقدي الدين، وقلنا أن الدين لا يحتاج إلى حماية لكن معتقدي الدين هم المحتاجين لحماية.
اليوم نتناول الإسلام في ألمانيا أو أوربا والتغيرات التي حدثت في الآونة الأخيرة وموقف المجتمعات الأروبية من الإسلام والمسلمين.
الإسلام والمجتمع الأوربي
إن المجتمع الأوربي حديث العهد بالإسلام، ولأن المجتمع الأوربي مجتمع في الغالب غير متدين فـ 25% من الشعب الألماني لا ينتمى رسميًا إلى أي دين الباقي موزع يكاد بالتساوي بين الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية بطوائفها المختلفة، جزء من المسيحيين الكاثوليك أو الإنجليين ينظرون إلى الدين على أنه مجرد جزء من التقليد وحضارة الدولة آخرين هم أكثر ارتباطًا بالكنيسة وأقول الكنيسة وليس الدين وقليلون يعرفون المعنى الحقيقى للدين إيماننًا وعملاً، (المجتمع المصري يختلف فقط في الشكل أما في المضمون فهو يكاد يكون أسوأ) ورغم هذا فما زالت الغالبية في المجتمع الأوربي محتفظه بالمبادئ التي رسختها المسيحية في أوربا وإن كانت الأغلبية لا تنظر لها على أنها مبادئ مسيحية وإنما على أنها مبادئ إنسانية، قد أكون غير دقيق أو حتى مخطئ في وصفي هذا ولكن هذا هو انطباعي الشخصي بعد 14 عامًا في ألمانيا، إن هذا ليس موضعنا اليوم، فنحن لسنا بصدد تقيم المسيحيين في أوربا ولكني أعتقد أن هذه النظرة السريعة عن علاقة المجتمع الأوربي بالدين المسيحي قد تكون مهمة لفهم رد فعل المجتمع الأوربي فيما يتعلق بالدين الإسلامى، فوسائل الإعلام لا تهتم في الغالب بالدين وحتى إذا تم تناول الدين المسيحي أو الكنيسة يكون ذلك في كثير من الأحيان بشكل نقدي، على هذا أيضًا لم تهتم وسائل الإعلام بهذا الدين الجديد
بعد أحداث 11 سبتمبر2001 والإعتداء على المدنيين في نيويورك بدأت الدول الأوربية تهتم بالدين الإسلامي، وسائل الإعلام حاولت تسليط الضوء عليه، لكنهم لعدم دراية ولعدم دراسة ولنقص الخبرة والمعرفة لم يفصلوا في تناولهم بين الإسلام والمسلمين فكانوا يستخدموا الفظين بمعنى واحد هذا من جهة، من جهة أخرى وكنتيجة لعدم التفريق بين الإسلام كدين وبين المسلمين كمواطنين في المجتمع كان وما زال لدى وسائل الإعلام والحكومات الأوربية خوفًا من أن يؤدي الحديث السلبي المتوالي عن الإسلام (بسبب تكرار الأعمال الإرهابية وغيرها من الأحداث السلبية الصادرة من مسلمين) إلى اتخاذ المجتمع لمواقف عدائية ضد المسلمين، فخرج علينا في وسائل الإعلام سياسيين ومحللين صحفيين وآخرون يطلقوا على أنفسهم أو يطلق عليهم خبراء في شئون الشرق الأوسط يحاولون أن يقنعوا المجتمع أن الإسلام دين سلام وأن هذه الأعمال الإرهابية هي من فعل قلة من المجانين وليس لها أي علاقة بالدين الإسلامي، هذا دون أن يكون لهم أي دراية أو أي معرفة بالدين الإسلامي وعما إذا كان بالفعل الأعمال الإرهابية ليس لها أي صلة بالدين الإسلامي أم أن هناك ما يعضدها في الإسلام، وأنا هنا لست في صدد إعطاء أي رأي أو إجابة على هذا، فهذا موضوع واسع يجب علينا نحن غير المسلمين أن نتناوله بحرص وبحترام لمعتقدي الدين الإسلامي ولا يجب علينا إقامة أي ادعاء بهذا أو بذاك، لكن يجب علينا أن نقرأ ونبحث في الدين الإسلامي ونتوجه إلى المسلمين بكل احترام ونسألهم عن هذا أو تلك، ولكنى من حيث المبدأ ضد أن يقوم شخص أيًا كان منصبه أو مكانته في المجتمع بتقديم رأي أو إجابة على سؤل وهو ليس أي معرفة أو خبرة بالمرة بالموضوع الذي يتحدث عنه حتى لو كان الدافع من وجهة نظر المتحدث نبيل.
في ألمانيا وأيضًا في الدول الأوربية الأخرى تأخرت المنظمات الإسلامية كثيرًا حتى أصدرت بيان يدين الإعتداء، على العكس ظهر في المجتمع مدى شماتة الكثير من المسلمين في أمريكا، وبعد أن ازداد النقد على المنظمات الإسلامية بدأت الكثير من المنظمات الإسلامية في إصدار بيانات تدين الإعتداء والعنف بشكل عام، هذه البيانات كانت موجهة للمجتمع الأوربي الغير مسلم وليس إلى المجتمع المسلم في أوروبا.
وأتذكر أنني قرأت في تحقيق صحفي أن رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير بعد الإعتداء على العاصمة لندن 2006 طلب من المظمات الإسلامية مجتمعين تقديم فتوى إسلامية تدين كل أعمال العنف وتؤكد رفض الإسلام لمثل هذه الأعمال، لقد اجتمعت هذا المنظمات على مدار ثلاثة أيام في محاولة للوصول إلى صيغة مناسبة، إن المجتمع كان يعتقد أن المظمات الإسلامية ستقوم من نفسها بمثل هذا على الأقل ستكون الإجابة سريعة، لكن ما حدث أنهم احتاجوا بعد طلب طوني بلير إلى ثلاثة أيام من التحاور والتشاور والخلاف وفي النهاية خرج إعلان منهم مجتمعين يدين كل أعمال العنف ضد مدنيين ولكنهم رفضوا أن يطلقوا عليه اسم فتوى، وسأترك للقارئ مهمة التفكير في السبب لماذا رفضوا تسمية ما أصدروه بالفتوى!
وسائل الإعلام بدأت تركز الضوء على المسلمين في ألمانيا وبدأنا نكتشف خطباء الجوامع الذين أطلق عليهم خطباء الكره وذلك لنشرهم للكره بين المسلمين ضد المجتمع الألماني الكافر من وجهة نظرهم، فخرج علينا خطيب الكره التركي كابلان الذي نصب نفسه خليفة لإحدى أكبر مدن ألمانيا كولن، ولأن ألمانيا دولة قانون لم تستطع الحكومة رغم كل الأدلة المتوافرة ضده أن ترحله بسرعة عن البلاد، لقد استغرقت القضية ثلاث سنوات حتى نجحت الحكومة في ترحيله إلى تركيا، هذا قد أصاب المجتمع الألماني بضيق من قصر يد القانون لعدم استطعاتهم ترحيله على الفور.
ثم جاءت الإعتداءات الإرهابية على المترو في مدينة مدريد بأسبانيا في 11-3-2004 التي راح ضحيتها 191 وأصيب بها 2051 منهم 82 حالة خطيرة، والتي أيقظت الذكريات الأليمة لأحداث 11 من سبتمبر في نيويورك.
ثم جاءت الإعتداءات الإرهابية على لندن في 7-7-2005 والتي راح ضحيتها 37 وأصيب 700 ومن جديد ترى المجتمعات الأوربية وتعايش هذه الأعمال الإرهابية من مهاجرين، وبدأت ترتفع الأصوات المطالبة بإدماج المهاجرين في المجتمع الأوربي.
ثم جاء اغتيال المخرج فان جوخ حفيد الرسام العالمي فان جوخ في هولندا بسبب إخراجه لفيلم يعرض فيه من وجهة نظره لسماح الإسلام للإعتداء البدني على المرأة.
ثم جاء اكتشاف محاولة إرهابية في ألمانيا في المقاطعة التي أعيش فيها في 7-2006 حيث خطط إثنان من لبنان إلى تفجير أنبوبتان للغاز في القطار الذي يقله عدد كبير من الموظفين والعمال للذهاب إلى أماكن عملهم في الصباح الباكر، لحسن الحظ فقط لم تنفجر الأنبوبتان وتم اكتشافهم، وتم القبض بعد ذلك على المنفذين.
ثم تم إحباط أكبر محاولة إرهابية في ألمانيا في 5-9-2007 حيث تم ضبط 12 برميل مملوئين بسائل قابل للإنفجار وكذلك المعدات الازمة لصنع المتفجرات، الجديد في هذه المرة هو أن إثنين من المشتركين في العملية هم مواطنين ألمان الأصل تحولوا إلى الإسلام منذ فترة.
هذا ناهيك عن الأخبار السلبية التي تأتي من العراق عن الحرب بين الشيعة والسنة ومن أفغانستان باكستان الهند مصر تركيا وغيرها، ولا ننسى أيضًا الرسوم الكاريكاتيرية وطريقة الرد عليها وكذلك رد الفعل على محاضرة بابا الفاتيكان في ألمانيا.
نضيف إلى ذلك حوادث العنف التي تخرج من شباب مسلم في الشارع في محطات المترو أو في المدارس بين الحين والآخر، كل هذا جعل المجتمع الأوربي ينظر إلى هؤلاء على أنهم مهاجرين والغالبية العظمى من المجتمع لا تفرق بين مهاجرين مسلمين وغير مسلمين وكذلك لا تفرق بين الإسلام والمسلمين وكذلك لا يفرقون بين مسلمين يرفضون هذه الأعمال بل يحاولوا العمل على كشفها ومكافحتها وبين آخرين يقومون بها أو يبثوا الكره ضد المجتمع حتى أن نفوا ذلك علنيًا فهم يصنعونه في الخفاء، ما يزيد من المشكلة أن وسائل الإعلام عندما تتحدث عن المشاكل التي يسببها المهاجرين لا تذكر المهاجرين المسلمين أو جزء من المهاجرين المسلمين وإنما تتفادى كلمة المسلمين أو حتى الإسلام لعدم إثارة المجتمع ضد الجاليات الإسلامية، وبذلك ينمو عند المجتمع الأوربي أن المهاجرين عامة هم سبب المشاكل، هذا ما يستغل أيضًا من جانب اليمين المتطرف الذي يتزايد نفوذه وخطره من يوم إلى آخر.
الدائرة الشيطانية
الشباب المسلم يعيش بين انغلاق جزء كبير من المجتمع الأوربي وعدم قدرته على اعطائهم شعور المواطنة من ناحية واستغلال المنظمات الإسلامية بأجندتها السياسية للموقف من ناحية أخرى، الإستعداد المبدئي لتصديق نظرية المؤامرة عند الشباب المسلم وانغلاق جزء كبير من المجتمع الأوربي في وجه الشباب المهاجر عامة وعرض وسائل الإعلام لما يحدث وتزايد خوف المجتمع من الإسلام والمسلمين بسبب ما يحدث وعدم فصل المجتمع الأوربي في تحليلهم بين المسلمين والإسلام يدخلنا بالفعل في الدائرة الشيطانية، فمزيد من الأعمال الإرهابية ورفض الآخر وانعرال المسلمين على أنفسهم ورفضهم للمجتمع الذي يعيشوا فيه يؤدي إلى مزيد من انغلاق ورفض المجتمع الأوربي للمسلمين خاصة والمهاجرين عامة ويزيد من تنامي التجاه اليميني المتطرف في أوربا مما يؤدي إلى مزيد من انعرال المسلمين عن المجتمع ويزيد من تصديقهم لنظرية المؤامرة ووقوعهم فريسة سهلة في يد المنظمات الإسلامية التي لها أهداف سياسية ويزيد من رغبتهم في السيطرة على المجتمع الذي يرفضهم سواء كان ذلك سياسيًا أو عدديًا أو دينيًا، وهو ما يؤكد من مخاوف المجتمع الأوربي وهكذا.
السؤال الآن كيف تخرج من هذه الدائرة التي لو استمرت ستصل بنا إلى حروب أهلية في شوارع أوروبا، وما حدث في فرنسا بالقرب من باريس من بضعة سنوات ما هو إلا مثال لما يمكن أن يحدث في المستقبل.
هذا سيكون موضوع الحلقة القادمة إلى اللقاء قريبًا.