الأقباط متحدون - عازف البيانو العالمى رمزى يسى: عندما يحاول قائد الأوركسترا أن يعزف بنفسه تفشل المقطوعة (حوار)
  • ١٥:٤٩
  • الخميس , ١٦ مارس ٢٠١٧
English version

عازف البيانو العالمى رمزى يسى: عندما يحاول قائد الأوركسترا أن يعزف بنفسه تفشل المقطوعة (حوار)

فن | المصري اليوم

٥٤: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ١٦ مارس ٢٠١٧

رمزى يسى
رمزى يسى

 وسط الزحام وهستيريا الشوارع، ضجيج الحياة وسعار الأسعار، الشكوى من المرور والضجر من انفلات الأخلاق، السخط على التعليم وأنات المعاناة من المرض وطوابير العلاج، نَحِنُ أحيانا لبعض الهدوء ومساحة من الراحة، مساحة كثيرا ما نجدها فى الموسيقى، موسيقى فى التاكسى أو فى المنزل، موسيقى فى المكتب أو فى الشارع، على المقهى أو المطعم، فى جزء من حياتنا دون أن ندرى، تسير فى الدم دون أن نشعر، علاقتنا بها عضوية وليست دخيلة مع اختلاف أذواقنا، لذا كان الحوار مع أحد أهم العازفين العالميين رمزى يسى مهمًا فى هذا التوقيت، حوار عن العلاقة بين الموسيقى والسياسة، الموسيقى وإدارة البلاد، الموسيقى وتربية أبنائنا، الموسيقى والتطرف والإرهاب.. رمزى يسى أحد الرموز المصرية فى الخارج وإحدى قوانا الناعمة التى لم يتبق لنا منها الكثير، ابن الصعيد الذى عزف فى أهم قاعات العالم وشارك فى أغلب الأوركسترات العالمية أمام أهم الشخصيات العالمية، حكم فى أكثر من 25 مسابقة دولية، ويعد واحدا من أمهر عازفى البيانو فى العالم. وإلى نص الحوار..

 
■ جزء من دراستك للموسيقى كان فى روسيا.. فسر لى كيف استطاعت روسيا أن تخلق شعبا متذوقا للفنون الراقية وبقيت مصدرة لأعظم الموسيقيين والأدباء رغم الفقر وطوابير الطعام فى أعقاب قيام الثورة البلشفية؟
 
- لا شك أن أعظم الموسيقيين والفنانين والأدباء قدموا أفضل أعمالهم قبل الثورة إلا أن التذوق الفنى حالة تراكمية وثقافة راسخة لدى الروس لم تنته بقدوم النظام الشيوعى، بل ظهر عدد آخر من الفنانين والموسيقيين وتم تفريخ أجيال لا تقل فى عظمتها عمن سبقوها.
 
■ هل الموسيقى على يد تشايكوفسكى ورخمانينوف قبل الثورة كما هى الموسيقى على يد سترافنسكى بعدها؟
 
- ألوان مختلفة.. لكن تبقى كلها عظيمة وعلى نفس الدرجة من الرقى.
 
■ يقولون إن الفقر يؤثر على الذوق العام؟
 
- لا.. التعليم هو الذى يؤثر على الذوق العام وليس الفقر، فالشعب الروسى كان يعانى من نقص شديد فى الخدمات الأساسية، يقف طوابير ليحصل على طعامه ولكنه كان يقف أيضا بالطابور أمام المسارح ودار الأوبرا، لمشاهدة عمل درامى أو سماع أعمال موسيقية لأوركسترا شهير، وهنا الفرق يكمن فى أنه تعلم تعليما جيدا ونشأ على تذوق الموسيقى، ناهيك عن أن النظام الشيوعى الحاكم بعد الثورة رغم ما كان فيه من عيوب كان يضع الفن والرياضة والبحث العلمى فى أولويات اهتمامات الدولة، حتى وإن كانت الناس «مش لاقية تاكل» أو هناك غياب تام للحريات.
 
■ إذن الأمر مرهون بجودة التعليم من ناحية وبإرادة الدولة فى الإعلاء من شأن الفنون من ناحية أخرى؟
 
- بكل تأكيد.. فلا يجب تدريس الفنون المختلفة فى المدارس على أنها مواد ثانوية إنما يجب أن تكون مثلها مثل الجغرافيا والتاريخ والحساب وعلى نفس الدرجة والأهمية، ولا يشترط أن يكون التعليم متخصصا ليتخرج الطالب عازفا أو موسيقارا إنما المطلوب تدريسها لترتقى بالذوق العام ولزيادة المعارف وإضفاء حالة من التوازن النفسى على شخصية الطفل، فالإكثار من تعليم مواد بعينها دون غيرها يخلق شخصية ناقصة أحادية النظرة.
 
■ تقصد التركيز على التعليم الدينى؟
 
- التعليم الدينى مهم لكن تدريسه وحده واعتباره مصدر الفكر الوحيد هو من الأمور الحساسة والخطيرة، فالمجتمعات الهادئة يكمن أحد أسباب هدوئها فى التعليم المتوازن الذى يتعامل مع الرياضة البدنية والشعر والموسيقى والرسم وباقى الفنون كجزء أساسى من العملية التعليمية وليس جزءا هامشيا. والنظام الذى لا يهتم بإعلاء الفنون لا ينتج تعليما صحيحا ولا سويا ولا يخلق مواطنا متوازنا.
 
■ وهل مصر تعلى من قيمة تعليم الفنون المختلفة فى المدارس؟
 
- للأسف لا. فالتعليم كله ليس من الأولويات حتى الآن فما بالك بتعليم الفنون!، صحيح ألتمس بعض العذر للنظام الحاكم لأن لديه تحديات كثيرة ولكن هذا ليس مبررا لإغفال هذه الجوانب فكما يهتم بتوفير رغيف الخبز للمواطن عليه أن يعمل بنفس الجهد لتوفير كتاب جيد له، ولا شىء منهما يعوض الآخر أو يغنى عنه.
 
■ كيف لنظام حكم يهتم فقط برغيف الخبز ويتعامل مع توفيره على أنه أهم الانتصارات أن يطلب من شعبه أن يرتقى ويتقدم؟
 
- أتفق معك.. لو أننى أطعمت المواطن وفقط وتركت عقله فارغا كيف أطلب منه أن يبنى معى المجتمع، وكيف أطلب منه أن يساهم أو أن يدرك التحديات!، فهو ذو عقل فارغ فكيف أعول عليه فى الإنتاج والبناء، ستظل البطون تمتلئ دون أن أستفيد منها بشىء، وستظل الحكومة تحاول حل مشاكل رغيف الخبز وكيس السكر والأرز وهى لا تعلم أنها تنفق مليارات على بطون لا طائل من ورائها فالمجتمعات فى الخارج تطعم المواطن ليعمل وينتج وهنا يعد الإطعام هدفا فى حد ذاته.
 
■ هل طريقة قائد الأوركسترا تنعكس على أداء العازفين؟
 
- قائد الأوركسترا لابد أن يكون شخصا يفهم جيدا فى الموسيقى، متمكنا ولديه مهارة إدارة باقى العازفين، واعيا ومتمكنا ومنضبطا وهى صفات أغلبها يجب أن يتوفر فى أى قائد.
 
■ وكيف تعرف أن القائد متمكن؟
 
- القائد الشاطر يظهر من أول لحظة ويُعرف فى أول محطة، فعندما يدرك العازف أن القائد لم يع ولم يسمع خطأ أو نشازا صدر منه قد يستمرئ الخطأ فيما بعد ولن يكون مهتما بمذاكرة النوتة قبل البروفة. فإذا كان القائد قويا كانت الأوركسترا قوية وصدر عنها أجمل المقطوعات وإذا كان فاشلا سيملأ النشاز المكان وسيعم الضجيج.. وأى قائد لا بد أن يلتزم بالنص أى «النوتة» فى عالم الموسيقى و«المنهج العلمى» فى مجال الإدارة.
 
■ لكن الالتزام بالنص معناه عدم الارتجال؟
 
- الارتجال المحسوب فى الموسيقى علامة من علامات تمكن العازف ولكن الارتجال فى الإدارة يؤدى لكوارث، والارتجال فى إدارة الأزمات مصيبة.
 
■ هل ضرورى أن يعرف القائد العزف على كل الآلات؟
 
- لا يشترط على الإطلاق، المهم أن يكون واعيا للنسب والكميات ودور كل عازف. أين يبتسم للعازفين ويشير بالهدوء لينخفض صوت الموسيقى، ومتى يتجهم تعبيرا عن القوة والانطلاق فى العزف والأداء.
 
■ لماذا يرغب بعض القادة فى العزف بأنفسهم دون الاكتفاء بالقيادة؟
 
- خطأ كبير فلا أحد يفهم فى كل شىء ولا يجيد كل شىء، ولا يصح أن يلعب شخص أدوار الآخرين فالأمور لا تستقيم حينئذ.
 
■ وماذا لو أن القائد يثق فى بعض العازفين ولا يثق فى العدد الأكبر؟
 
- مشكلة تنم عن عدم الثقة فى النفس وفى الآخرين.
 
■ وماذا لو قيل إن هؤلاء هم العازفون المتاحون وليس هناك فى الإمكان أبدع مما كان؟
 
- مصر مليئة بالعازفين المهرة والعقول البناءة.
 
■ هل يمكن أن يتم اختيار العازف لأسباب سياسية كأن يكون أهل ثقة مثلا؟
 
- الاختيار السياسى فى الموسيقى «شتيمة».. سبة فى حق أى موسيقى أن يقال إنه جاء وفق معايير سياسية أو لأنه صديق قائد الأوركسترا إنما يجب أن يختار لمهارته الفنية، لكن فى السياسة الأمر مختلف فالاختيارات السياسية دارجة ومتعارف عليها ليس فقط فى مصر إنما فى العالم كله، لذا فالعالم كله حاله «ملخبط».
 
وفى رأيى أن الموسيقى والسياسة والاقتصاد وكافة شؤون البلاد تحتاج لاختيارات تقنية بحسب الكفاءة والتخصص مع وجود بعض المهارات الأخرى فى الشخص الذى يتم اختياره كمهارة الإدارة ومخاطبة الجمهور والتعامل مع الأزمات المختلفة.
 
■ لكن القائمين على إدارة البلاد يفضلون أهل الثقة؟
 
- فلنأت بـ2000 شخص ونسألهم نفس السؤال «لو أنك مريض ومطلوب إجراء جراحة عاجلة لك هل تذهب لطبيب لأنه صديقك أو دمه خفيف على قلبك حتى لو أن مهاراته محدودة أم تذهب لطبيب تكرهه لكنه متمكن؟»، الإجابة ستكون الذهاب للطبيب الماهر حتى لو أننى لا أحبه «أو دمه مش خفيف على قلبى».
 
■ لكنهم مازالوا يعتمدون على «اللى دمهم خفيف على قلبهم»؟
 
- ضحك قائلا :وهل العملية نجحت أم لا؟، ثم استطرد قائلا: لابد أن يكون هناك حرية كافية فى البلد لأن يأخذ كل شخص مجتهد نصيبه، وأن يوضع فى المكان الصحيح فقد عشت كثيرا فى الخارج وكل البلاد التى نهضت كان أحد الأسباب الرئيسية فى ذلك أنهم اعتمدوا على الأكفاء ووضعوهم فى الأماكن الصحيحة وجعلوهم جزءا من المعادلة فأنتجوا ونهضوا ببلادهم، فأمريكا ليست جيدة لأن ترامب جيد أو لأن أوباما شاطر، وهكذا روسيا ليست متقدمة لأن بوتين ماهر إنما لأن هناك أناسا أكفاء فى تخصصات مختلفة ارتقوا بشأن البلاد، فتقدم أى بلد غير مرهون بشخص الرئيس إنما بمؤسسات كثيرة تعمل باجتهاد وأفراد كثر فى القطاع العام أو الخاص يعملون بجدية شديدة.
 
■ هل الإيقاع والزمن مهم فى عمر الأوطان؟
 
- نعم بكل تأكيد فهناك دول عمرها الزمنى بضع مئات من السنين وتفوقت على العالم لأنها احترمت الوقت وقدسته وعملت فأنتجت، أما الدول التى لديها فائض فى الوقت وعمرها آلاف السنوات فلديها إحساس أن الفرص دائما قادمة وأنه مازال لدينا وقت لنحقق ما نريد وهى نظرة خاطئة.
 
■ «الهارمونى» فى الأوركسترا أحد مقومات النجاح فهل «الهارمونى» أساسى فى إدارة الدولة؟
 
- لدينا خلل واضح فى الهارمونى ومشاكل حقيقية فى العمل الجماعى.. الهارمونى فى الأوركسترا كما السياسة، كل مجموعة تلعب الجزء الموسيقى المطلوب منها بإتقان لتخرج النتيجة النهائية فى أفضل شكل، أما فى السياسة لا أحد يلعب الجزء المطلوب منه، وإن لعبه لا يكون جيدا، كما أن عملية التسليم والتسلم بين العازفين وبعضهم ليست موجودة فى السياسة، بالعكس هناك نوع من الأنانية، وكل شخص يريد أن يشد اللحاف على نفسه فقط ولا يهم الآخرين، وإذا نجح العمل ينسب النجاح لنفسه ولو فشل يتهرب من مسؤولياته، وأحيانا يهدم كل ما جاء قبله لكى لا يظهر أحد فى الصورة غيره.
 
■ هل تؤمن بنظرية المؤامرة؟
 
- المؤامرات جزء من الحياة السياسية، وهى حقيقة دائمة ومستمرة، فلا أحد يريد النجاح لأحد، لأن نجاح الآخر قد يأخذ من نصيبى أو من المال الذى كنت سأجنيه، لذا لابد أن نتعامل مع السياسة الخارجية والعلاقات مع الدول الأخرى بشكل عقلانى وموضوعى وهادئ، وليس من منطلق عاطفى، كما هو الحال لدى البعض، فليس معنى عدم تأييد دولة ما لقرار فى مصلحتنا أن تصبح هذه الدولة سيئة وعدوة، لأنه من الممكن أن يؤيدوننا فى قرار آخر يتماشى مع مصالحهم، فالعبرة دائما بالمصالح. صحيح هناك مؤامرات تحاك بنا، وصحيح أن هناك دولا تسعى لضرب السياحة والاقتصاد، ليس من منطلق الشر المطلق إنما من باب رغبتها فى الحصول على السياح الذين كانوا يأتون إلينا أو من باب جعلنا سوقا مستهلكة دائما لمنتجاتهم لزيادة ربحهم.
 
■ هل كل ما يحدث لنا من مشكلات يصب بالكامل فى خانة المؤامرات أم أن هناك عبئا نتحمله؟
 
- مؤكد هناك جزء كبير نتحمله فليس كل ما نعانيه هو من صنيعة الغرب بنا، فنحن لا نعمل بالجهد المطلوب ولا بالكفاءة المطلوبة ولا نروج لمنتجاتنا بشكل جيد، وبالتالى موقفك أنت وقدرتك على التصدى لهذه المؤمرات هو الأهم كأن تعمل على ترويج السياحة بشكل علمى، وأن تسعى لحل أزماتك الاقتصادية، لا أن تظل ليل نهار تسب الأمريكان أو تقاطع المنتجات الأوروبية. فمثلا فى السياحة كنت أندهش عندما أشاهد فى التليفزيون مذيعا يسأل سائحا أجنبيا: هل تشعر بالأمان فى مصر؟ سؤال ساذج ومباشر جدا وليس هكذا تكون الدعاية للبلد، لكن فى المقابل عندما أشاهد صور ميسى أو ويل سميث مع الأهرامات مؤخرا فى الصحف والمواقع العالمية تحت عنوان «فلان فى مصر» لهو أكبر دعاية لحضارتها وجمالها وأمنها، نحن نحتاج إلى مزيد من هذه الفعاليات.
 
■ فى رأيك كيف نرد على حملات التشويه التى تدار ضدنا فى الخارج؟
 
- الإكثار من تصدير الأخبار الجيدة عن البلد، فلن يكتب أحد عنك شىء جيد دون جهد منك.
 
■ يتهمون الصحفيين المصريين بالتسبب فى تصدير الأخبار السيئة، وأن زيادة نقدهم للسلبيات تؤدى إلى زيادة محاربة الغرب لنا؟
 
- الصحافة فى العالم كله تبحث عن الإثارة وعن الخبر النارى، ومن الظلم أن نقول إن هذا من سمات الصحافة المصرية وحدها، ففى الغرب الصحافة تنتقد الرئيس بشكل لاذع وتسخر من السياسيين وتحط من شأنهم أحيانا دون أن يتهمهم أحد بأنهم أعداء النظام أو أنهم يهزون كيان الدولة، وهنا مسؤولية السياسيين والقائمين على إدارة البلاد عن صناعة الأخبار وتصدير كل ما هو جيد من قرارات وفعاليات لتجد الصحافة ما تكتبه، كما لا يجب الاعتماد على السياحة فقط فى الترويج لمصر رغم أهميتها وعظمتها وكونها ثروة عالمية، حيث تمتلك مصر نسبة هائلة من التراث الحضارى الإنسانى، ولكن لابد من الاهتمام بالمعارض والمؤتمرات، فباريس على سبيل المثال عدد السياح الذين يدخلونها سنويا يوازى عدد سكان فرنسا، وليس كل من يأتى فرنسا يبحث عن الشواطئ أو متحف اللوفر أو التسوق إنما هناك أرض للمعارض تكاد تكون محجوزة طوال العام، معرض للكتاب ثم معرض للسيارات ثم معرض للأثاث ثم مهرجان لجمع الطوابع أو مهرجان لسباق الموتوسيكلات، هذه الأخبار عندما تصدر عن دولة بعيدا عن الأحداث السياسية تعطى انطباعا بأن الدولة حية ونشطة وآمنة.
 
بالمناسبة أذكر فى السبعينيات موقفا طريفا حدث عندما كنت على مسرح الجمهورية، وفى ظل اندماجى فى العزف دخلت قطة المسرح والتقطت قطعة الإسفنج من على مايك الكاسيت وأخذت تقذفها لأعلى وتلعب بها فضجت الصالة بالضحك بعد حالة السكون الشديد، وفى اليوم التالى كل الصحف وضعت مانشيت عن القطة ولم يكتب أحد عن الحفلة ولا المقطوعات التى عزفت، الصحافة تهتم بالخبر الغريب والمثير لأن الناس تحب قراءة هذه الأخبار وهذه هى طبيعة المهنة فى كل العالم وليس مصر فقط.
 
■ هل دراستك وعزفك للموسيقى الكلاسيكية أثرا على تذوقك للموسيقى الشرقية؟
 
- من يتعلم اللغة الانجليزية لا ينسى لغته الأم وإذا تعلم الإيطالية لا ينسى اللغتين ولا يؤثر عليهما، فكل نوع من الموسيقى يضيف إلى الرصيد وليس خصما منه، ويوسع مدارك الشخص ويزيد من خبراته، أنا من محبى السيدة أم كلثوم والموسيقار عبدالوهاب الذى تقابلت معه أكثر من مرة، فهو فنان بسيط ومتواضع قليل الكلام حكيم فى آرائه، وكان سابقا لعصره بمعنى الكلمة، حيث مزج ببساطة شديدة بين الموسيقى الشرقية والغربية فى ألحانه.
 
■ ولكن ذلك كان أحد أسباب نقد موسيقاه وقتها؟
 
- أى شىء جديد وغير مألوف هو محل نقد لكن إذا أردتِ معرفة قيمة الفن الحقيقية فاتركيه للزمن فإن عاش بين الأجيال فهو فن راقٍ، وبالمناسبة الكونشيرتو رقم واحد لتشايكوفيسكى، كتب عنه أحد أهم النقاد الروس وقتها أنه عمل متواضع وخالٍ من القيمة ليصبح فيما بعد من أهم الأعمال الموسيقية فى هذا العصر.
 
■ نعود لعبدالوهاب.. قرأت أنك عزفت «خطوة حبيبى» فى إحدى الحفلات، وقد أبدى إعجابا شديدا بها؟
 
- من حبى فى عبدالوهاب أعدت كتابة أغنية خطوة حبيبى لتناسب العزف على البيانو وعزفتها فى احتفالات أكتوبر فى 84، وقد سجلها وقتها، وكلما ذهبت إليه كان يضع الكاسيت فى حجره ويعيد تشغيلها ويناقشنى فى طريقة لعبى لها بشكل مختلف وكيف أننى أضفت إليها شخصيتى.
 
■ وهل يجوز أن تضع موقفك فى الموسيقى أو أن تسبغ من شخصيتك عليها؟
 
- نعم.. فالموسيقى موقف، وقد تعلمت ذلك فى روسيا عندما لعبت مقطوعة أمام معلمى كنت أظن أننى أجدتها للغاية والتزمت حرفيا بالنوتة ففوجئت بموقف معلمى الغاضب، حيث قال لى هذا النوع من العزف يمكن لأى شخص أن يقدمه، فأنا لم أشعر بموقفك ورأيك وأنت تعزف، ومن يومها تعلمت أن لكل موسيقى بصمة وموقفا لابد أن يظهر وهو يعزف، وهذا ليس معناه عدم الالتزام بالنوتة، إنما طريقة الأداء لابد أن تعكس شخصيتك.
 
بورتريه
 
ولد الفنان رمزى يسى 1948 لأب وأم من عمق الصعيد، والده ناجى يسى، طبيب عيون من الأقصر، كان مغرما بالتصوير الفوتوغرافى، ووالدته السيدة أوليجا، أستاذة البيانو الشهيرة، وابنة محافظة قنا، التى كانت من أوائل الأساتذة الذين التحقوا للتدريس بمعهد الكونسرفتوار عقب افتتاحه عام 1959.. وخاله حلمى مراد، الكاتب والناشر الشهير، بدأت علاقة رمزى يسى بالموسيقى فى السابعة من عمره لتعلمه والدته المبادئ الأولى قبل أن تتركه لمعلم إيطالى ليأخذ الدرس بشكل أكثر جدية وانضباطا، وبعد انتهاء مدة دراسته فى معهد الكونسرفتوار شارك فى مسابقة تشايكوفسكى سنة 1974. وقد كرمت مصر رمزى يسى بمنحه جائزة الدولة التقديرية فى الموسيقى، ليكون أول عازف يحصل عليها. ويظل رمزى يسى أحد رموزنا التى نفتخر بها فى العالم.